إبراهيم دياز يهدي ريال مدريد لقب الليغا الإسبانية بهدف خرافي    لقجع يضع حدا لإشاعات التدخل في تعيين الحكام .. لو كنت أتدخل لفاز المغرب بكأس إفريقيا    إبراهيم دياز يتوج رفقة ريال مدريد ببطولة الدوري الإسباني    جوائز وتكريم بنسعيدي.. ستار مهرجان تطوان ينسدل وسط إشادة نجوم الفن    دراسة.. نمط الحياة الصحي يمكن أن يضيف 5 سنوات إلى العمر    ربحو بطولة الصبليون: دياز توج بأول لقب مع ريال مدريد    الدور السري لنجم المنتخب المغربي في إقناع لامين يامال باللعب للأسود    تعاون مغربي إسباني يحبط تهريب الشيرا    رويترز: قطر قد تغلق المكتب السياسي لحماس في الدوحة كجزء من مراجعة أوسع لوساطتها بحرب غزة    افتتاح معرض يوسف سعدون "موج أزرق" بمدينة طنجة    الملك يدعو إلى اليقظة والحزم في مواجهة إحراق نسخ من المصحف الشريف    حكومة أخنوش في مرمى الانتقاد اللاذع بسبب "الاتفاق الاجتماعي"    برلمانية تجمعية تنوه بدور "فرصة" و"أوراش" في الحد من تداعيات كورونا والجفاف على التشغيل    فرنسا.. قتيل وجريح في حادث إطلاق نار في تولوز    ابتدائية مراكش تصدر أحكامها في قضية وفاة فتاة بإحدى الفيلات الراقية والجمعية تستنكر الأحكام المخففة    استيراد الأضاحي سيفيد المنتجين الاوروبيين اكثر من المستهلكين المغاربة    ارتفاع حركة النقل الجوي بمطار الداخلة    تونسيون يتظاهرون لإجلاء جنوب صحراويين    تعيينات جديدة فال"هاكا".. وعسلون بقى فمنصب المدير العام للاتصال    مادة سامة تنهي حياة أربعيني في تزنيت    "دعم السكن" ومشاريع 2030 تفتح صنابير التمويل البنكي للمنعشين العقاريين    سمرقند تحتضن قرعة مونديال الفوتسال    بونو يقترب من رقم تاريخي في السعودية    هل تبخر وعد الحكومة بإحداث مليون منصب شغل؟    العصبة المغربية لحقوق الإنسان تدعو لحماية الصحفيين وتوسيع مجال الحرية        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    الوكالة الحضرية لتطوان تواصل جهود تسوية البنايات غير القانونية    تتويج الفائزين بالنسخة الثانية من جوائز القدس الشريف للتميز الصحافي في الإعلام التنموي    كأس الكونفدرالية الافريقية .. طاقم تحكيم كيني يدير مباراة نهضة بركان ضد الزمالك    تحديات الذكاء الإصطناعي.. وآليات التوجيه    106 مظاهرات في عدة مدن مغربية لدعم غزة والإشادة بالتضامن الطلابي الغربي    صناديق الإيداع والتدبير بالمغرب وفرنسا وإيطاليا وتونس تعزز تعاونها لمواجهة تحديات "المتوسط"    سيناريو مغربي ضمن الفائزين بالدعم في محترفات تطوان    كنوز أثرية في تطوان.. فيسفاء متولوجية وأمفورات ونقود قديمة    عبد النباوي كيطالب من المحامين باش يساهموا فمكافحة جرائم "غسل الأموال" وبغا يكون التزام أخلاقي ومهني على تقييم المخاطر    بطل "سامحيني" يتجول في أزقة شفشاون    مهرجان الدراما التلفزية يفتتح فعاليات دورته ال13 بتكريم خويي والناجي (فيديو)    صندوق الإيداع يشارك في اجتماع بإيطاليا    وزير العدل طير رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية فتاونات بعد فضيحة اختلاس 350 مليون من الصندوق    صديقي يزور مشاريع تنموية لقطاع الورد العطري بإقليم تنغير    انتهى الموضوع.. طبيب التجميل التازي يغادر سجن عكاشة    بمشاركة مجموعة من الفنانين.. انطلاق الدورة الأولى لمهرجان البهجة للموسيقى    وزيرة المالية تجري مباحثات مع أمين عام منظمة "OECD"    إلغاء الزيادات الجمركية في موريتانيا: تأثيرات متوقعة على الأسواق المغربية    الصين تطلق المركبة الفضائية "تشانغ آه-6" لجمع عينات من الجانب البعيد من القمر    تقرير أمريكي يكشف قوة العلاقات التي تجمع بين المغرب والولايات المتحدة    كيف تساعد الصين إيران في الالتفاف على العقوبات الدولية؟    أزيلال.. افتتاح المهرجان الوطني الثالث للمسرح وفنون الشارع لإثران آيت عتاب    خبير تغذية يوصي بتناول هذا الخضار قبل النوم: فوائده مذهلة    الأمثال العامية بتطوان... (589)    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الواحد الراضي: غياب توافق حول الدستور كان ثغرة كبيرة في البرلمان المغربي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 30 - 11 - 2013

احتفل البرلمان المغربي اليوم (الاثنين) بالذكرى الخمسين لتأسيسه بحضور رؤساء البرلمانات الدولية، التي تربطها علاقة بالمغرب، وحضور مجموعة من الباحثين الذين اشتغلوا على قضايا البرلمان، حيث سيكون الاحتفال مناسبة لدراسة التطورات التي وقعت خلال الخمسين سنة الأخيرة، على مستوى البرلمان المغربي، أو على مستوى البرلمان الدولي.
وبهذه المناسبة أجرت يومية «العاصمة» حوارا مع عبد الواحد الراضي، باعتباره أقدم البرلمانين المتبقين من أعضاء المجلس التشريعي المنتخب عام 1963، والرجل الذي خبر البرلمان المغربي خلال الولايات التشريعية السابقة، وكان رئيسا لمجلس النواب من عام 1997 إلى غاية عام 2007، للوقوف على التجربة البرلمانية المغربية، التي انتقدها الراضي، واستعرض العديد من سلبياتها، في هذا الحوار، كما سلط الضوء على بعض إيجابياتها، متمنيا أن يأخذ الجيل الجديد العبرة من التجربة البرلمانية السابقة، ويحارب كل الاختلالات التي يمكن أن تشوب الممارسة السياسية في المغرب، داعيا إلى تنافسية ديمقراطية، وإخراج القوانين التنظيمية إلى حيز الوجود.
يحتفل اليوم المغرب بالذكرى الخمسين لتأسيس البرلمان، فماذا تمثل هذه الذكرى بالنسبة إليك، باعتبارك أقدم برلماني وعايشت جميع المراحل البرلمانية؟
أظن أن مناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس البرلمان المغربي، ليست مجرد احتفال، بل هي وقفة للتأمل في هذا المسار، ومراجعة مراحله ككل، والوقوف على إيجابياتها وسلبياتها من أجل استخلاص الدروس، والاستفادة من أخطاء المرحلة السابقة، حتى لا تتكرر مستقبلا، والاستفادة أيضا من نقط القوة، حتى يتم تعزيزها. وطبعا فالأخطاء من طبع البشر، ولكن على الإنسان أن يصلح نفسه بنفسه، ولهذا فمن الضروري أن يراجع الإنسان كل مراحل حياته. وبالنسبة إلى ذكرى تأسيس البرلمان المغربي، فهي مناسبة مهمة يجب أن نقوم فيها بتقييم التجربة البرلمانية بإيجابياتها وسلبياتها، حتى نتمكن من تلافي السلبيات، ونصلح الأخطاء السابقة.
من خلال تجربتك الطويلة، ما هو التقييم الذي يمكن أن تقدمه للتجربة البرلمانية المغربية بإيجابياتها وسلبياتها؟
يمكن أن نقول إن التجربة البرلمانية المغربية عرفت عدة مراحل، فيها ما هو سلبي، وما هو إيجابي. فبعد حصول المغرب على استقلاله، كان لديه مشكل كبير في كيفية الانتقال من نظام سياسي كان قبل الحماية، وهو الملكية المطلقة، إلى مرحلة الديمقراطية. ففيما يخص الهدف كان هناك إدعاء بأن الكل متفق، ولكن في الحقيقة لم يكن هناك اتفاق ما، وما كان يطبع التجربة المغربية، هو محاولة بناء الديمقراطية في جو يطبعه الاصطدام، والعنف تارة، والعراك والمواجهة والمجابهة تارة أخرى، وهو ما أثر في مسيرة نشأة الديمقراطية في المغرب. في حين أن هناك بلدانا أخرى نشأت فيها الديمقراطية بالتوافق منذ الانطلاقة، فأميركا مثلا كانت تحت النفوذ البريطاني، وبعد استقلالها، اجتمعت النخبة آنذاك، واتفقت على الدستور الأميركي المعمول به إلى الآن، ولم تطرأ عليه تعديلات أساسية، باستثناء بعض التعديلات الطفيفة، على عكس ما عرفه المغرب من غياب الاتفاق.
ما هي الأمور التي لم يكن حولها اتفاق في التجربة البرلمانية المغربية منذ البداية؟
أولاً، لم يكن هناك اتفاق حول الدستور، ولا اعتراف به، وهو أمر أساسي في توزيع السلط، وإحداث توازن بينها، وفصل السلط، والتعاون فيما بينها، بحيث يضمن الدستور توازنا للسلط، ولا يكون هناك ترام للواحدة على الأخرى، ويجب أن تتعامل هذه السلط فيما بينها، ثم مراقبتها. هناك شيء مهم وأساسي وهو دور القضاء، هل هو الحكم؟ وهل هو تحت أي سلطة معينة أم فوقها؟ إذن هذا هو الأهم، ومعلوم أن الدستور يجب أن يكون فيه ضمان للحريات، والمساواة، والحقوق والواجبات، وهو الأمر، الذي كان خلاف حوله، سواء تعلق الأمر بالحريات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، أو الحقوق. فمنذ البداية كانت المشكلة الأساسية هي غياب الاتفاق على الدستور، فالمغرب استقل منذ عام 1956، ولكن النقاش حول الدستور تأجل، ولم يشرع فيه إلا في ستينيات القرن الماضي، لم يكن هناك مشروع للدستور إلا في عام 1962. وفي انتظار أن يكون هناك دستور وبرلمان منتخب، كان هناك مجلس استشاري، وهو محاولة لملء الفراغ في انتظار أن يهيأ الدستور بشكل جيد. وحتى ذلك المجلس نفسه في النهاية، كانت حوله خلافات فتوقف بعد سنتين، أي في عام 1958. فهذه الأشياء كلها عاشها المغرب في ظل مخاض صعب، وأزمات، وآلام رهيبة. وبشكل عام فالتجربة البرلمانية الأولى عرفت صعوبات كبيرة، لأن أول دستور لم يوضع بنوع من التوافق، ولم يخضع لأي منهجية معينة، ولهذا كان يسمى بالدستور الممنوح، لأن الملك الحسن الثاني رحمه الله، نقل تجربة الجنرال «دوكول»، الذي وضع دستورا وعرضه على الاستفتاء، حتى يقول الشعب كلمته مباشرة، من دون حوار مع النخب والأحزاب. في البداية كانت محاولات من أجل إنشاء لجنة وطنية لتهييء الدستور، ضمت الأحزاب، ومن ضمنها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية آنذاك، وكانت تطالب بالمجلس التأسيسي. وتلك اللجنة اختارت الراحل علال الفاسي رئيسا لها، ولكن معارضته من طرف العديد من الجهات، جعلت تلك التجربة تبوء بالفشل.
وما هي الفترة التي استغرقتها هذه المشكلة وغياب التوافق حول الدستور في المغرب؟
ظلت هذه المشكلة مطروحة إلى غاية عام 1996، أي لأكثر من ثلاثين سنة، لأن الدستور هو الذي تقوم عليه الحياة السياسية ككل. وهذه ثغرة كبيرة في التجربة البرلمانية المغربية، والمشكلة الثانية التي عرفتها هذه التجربة، هي غياب توافق على قوانين الانتخابات، التي يتشكل على إثرها البرلمان، والجماعات المحلية. فالمعارضة كانت تتلقى ضمانات حول نزاهة الانتخابات، ولكن القوانين كانت تعطي للإدارة سلطا كبيرة لتفعل ما تريد. وبالإضافة إلى هذا كله كان التزوير مستشرياً، وكان هناك تلاعب في المحاضر الانتخابية في برلمان 1963. في انتخابات الجماعات المحلية في عام 1960 لم تكن هناك عمليات تزوير، ولكن في برلمان 1963، كان هناك تزوير، وتغيير للأرقام، لأنه في غياب التوافق على الدستور، كان هناك تخوف من المعارضة، لأن الإدارة لم تكن ترغب في أن تتقوى المعارضة، ومن هنا بدأت العديد من الانزلاقات في التجربة البرلمانية.
وهل يمكن اعتبار أحزاب الإدارة وجها من أوجه هذه الانزلاقات في التجربة البرلمانية المغربية؟
فعلا، فأحزاب الإدارة هي وجه من أوجه تلك الانزلاقات، وهي قضية أخرى، لكن الخطير هو التزوير، لأنه حينما تخلق حزبا بثلاثة أو أربعة أشهر قبل الانتخابات، لأنه إذا لم يكن التزوير، فلن يمر ذلك الحزب. فهذه الطريقة التي دشنت بها الحياة البرلمانية في المغرب، كانت كارثية على مستقبل العمل البرلماني والعمل السياسي في المغرب، وبطبيعة الحال فالنتائج التي ترتبت عنها في عام 1962 لم تكن الدولة والإدارة راضية عنها، والجو الذي خلق آنذاك، وبداية تذمر المواطنين بسبب تلك الطريقة غير الصالحة التي بدأ المغرب ينهجها، ولهذا جاءت حالة الاستثناء بسرعة، فبعد سنة ونصف من حياة البرلمان، توقف هذا الأخير. فهذه الظاهرة كانت لها آثار كبيرة، لأن عملية خلق الأحزاب والتزوير ستستمر لسنوات، وستتكرر ليس فقط في عام 1963، بل في كل الانتخابات: أعوام 1977، 1984، 1993، بحيث سيكون لكل هذا مفعول على الثقافة السياسية لدى المغاربة، وسيؤثر في رؤيتهم للحياة البرلمانية، وللديمقراطية بصفة عامة.
كيف عاش المغرب حالة الاستثناء؟
في البداية، كان الاعتقاد بأن حالة الاستثناء ستكون لبضعة شهور، أو سنوات، ولكن حالة الاستثناء الحقيقية استمرت لمدة 12 سنة. وقد كانت محاولة تعديل الدستور عام 1970، وكان فيه تراجع حتى بالنسبة إلى دستور 1962، لأن دستور 1970 عرف تراجعات كبيرة جدا، بحيث قام بتقنين الحياة السياسية. فالانتخابات البرلمانية لعام 1970، لم تكن انتخابات حقيقية، بل كانت مجرد تعيينات، فأوفقير كان ساعتها وزير الداخلية، ومع رفض الأحزاب الترشح في تلك الانتخابات، كان على الداخلية أن تعين البرلمانيين. فهذا البرلمان المعين استمر سنتين، وحل بعد أحداث الصخيرات، واستأنفت حالة الاستثناء إلى غاية عام 1977. فهذه التعثرات التي عرفتها التجربة البرلمانية المغربية في بداياتها، أثرت عليها مستقبلا، بحيث رغم قيام الدولة ببعض التعديلات الدستورية، فإنه لم تقع تغييرات كثيرة على الحياة البرلمانية في المغرب، إلا في عامي 2002، و2011، مع التعديل الأخير للدستور. وهذا ما يمكن أن نحسبه على الإيجابيات.
ألم يكن لهذه التجربة المريرة انعكاس على صورة البرلمان المغربي وسمعته؟
فعلا، لقد كانت لها انعكاسات كبيرة على تركيبة البرلمان وصورته، وسمعته، ومصداقيته، فبرلمان 1963 كان برلماناً بتركيبة خاصة، لأنه كان يضم رجال السياسة، ومؤسسي الحركة الوطنية، والمناضلين، خصوصاً أن المسافة بين الاستقلال وتلك المرحلة كانت قصيرة جدا. فبرلمان 1963 كان فيه علال الفاسي، وبلحسن الوزاني، وعبد الخالق الطريس، والمهدي بنبركة، وعبد الرحيم بوعبيد، وكلهم من مؤسسي الحركة الوطنية، وكان فيه أيضا حتى أولئك الذين لا يتوفرون على صفة قائد للحركة الوطنية، فالمنتخبون الذين أتوا من الأقاليم والجهات كلهم كانوا مقاومين ومناضلين، وأعضاء جيش التحرير، وكانوا وطنيين، وكان لهم وزن في أقاليمهم. وبشكل عام، فسواء تعلق الأمر بالأغلبية أو المعارضة، فإن عناصرها كانوا من الطبقة السياسية، ومن الذين عاشوا المعارك في المغرب، قبل الاستعمار وبعده، فهذا البرلمان بتركيبته، ولو أنه لم تكن لديه سلط كثيرة، فقد كانت له قوة ووزن.
رغم هذا التعثر والاختلالات التي عرفتها التجربة البرلمانية، ألم تكن لها بعض الجوانب الإيجابية؟
الأمور الإيجابية ستأتي فيما بعد، أما التركيبة التي سبق وتحدثت عنها، والتي شكلت منطلق التجربة البرلمانية المغربية، لم تستمر إلا سنة ونصف السنة، وكان فيها حدث له أثر كبير، وهو ملتمس الرقابة في عام 1964، ولحسن الحظ فقد جرى نقله عبر التلفزيون، وكان له وقع كبير. ولكنه لم يستمر، لأنه من بعد 12 سنة من حالة الاستثناء، لم تعد التركيبة السياسية كما كانت، فمجموعة من المناضلين قد توفوا، أو تقاعدوا لسبب من الأسباب، وهذا هو ما كان منتظرا من الحالة الاستثنائية الطويلة، لكي يقع انقراض الطبقة السياسية، ويأتي جيل جديد، ونوع آخر من البرلمانيين، وهنا من المفيد الحديث عن تركيبة البرلمان حسب المراحل التي عرفها البرلمان المغربي.
وما هي هذه التركيبة البرلمانية حسب المراحل إذن؟
تركيبة البرلمان المغربي لعام 1963 ليست هي التركيبة نفسها لعام 1977، ومن الأشياء التي تثير الانتباه في برلمان 1977 هو قلة المناضلين، والناس المشتغلين في أحزاب الحركة الوطنية، فعددهم كان قليلاً جداً. من كان حاضراً بقوة في برلمان 1977 هو التقنوقراط، والأعيان ووجهاء القبائل، ولكن كان هناك تدخل كبير للإدارة، بما يشبه التعيين، إلا باستثناء بعض الأسماء. بل إن الإدارة ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث طلب وزير الداخلية آنذاك أن يتفق مع الأحزاب على كوطا، تحدد لكل حزب المقاعد التي سيحصل عليها. لكن الاتحاد الاشتراكي رفض الدخول في تلك اللعبة فعوقب، ولم يتمكن من الحصول إلا على 15 مقعدا. فغياب قوانين الانتخابات والتزوير لعبا دورا في تركيبة المؤسسة البرلمانية، حتى يكون برلمان طيع، ليس هو الذي يراقب الحكومة، ولكن هذه الأخيرة هي التي تراقبه. فهذا هو سبب الخلاف، لأنه ليس عملاً ديمقراطياً، بالإضافة إلى أن الدستور لم يكن يمنح للدستور سلطا كثيرة آنذاك. ومع مرور الوقت ستتفاحش الأوضاع، ففي 1984 لم يعد للتقنوقراط وجود، لأنهم كانوا يأملون في تجربة السبعينيات أن يمنحهم البرلمان جزء من السلط، وهو ما لم يتحقق، وجعلهم ينسحبون في الثمانينيات، رغم أن عددا منهم كانوا موظفين سامين، ووزراء، حيث غادروا إلى القطاع الخاص، وخلقوا مقاولات خاصة بهم. ومن جهة أخرى تقوى جانب الأعيان. وفي هذه الفترة ما كان يطبع الانتخابات هو نمو استعمال المال لصالح رجال السلطة، لأنهم هم الذين كانوا يختارون الأعيان، وعلى هؤلاء أن يدفعوا لهم مقابلا، وبالتالي بدأت السلطة تستفيد من عامل المال. وفي انتخابات 1993 عرفت تركيبة البرلمان تغييرا مهما وكبيراً، لأنه لم يعد للأعيان وجود، ولا للتقنوقراط، فظهر «أصحاب الشكارة»، الذين عملوا منذ الاستقلال إلى تلك الفترة على جمع الأموال، فرغبوا في سلطة البرلمان. وهنا دخلت فئة جديدة إلى البرلمان، وأبعد المناضلون والسياسيون، وبرزت مشكلة كبيرة، وهو أنه لم تعد هناك أية آفاق لدى أي مناضل أو مناضلة، تجعله ينتمي إلى أي حزب، ويشتغل ويناضل، وفي النهاية يترشح إلى الانتخابات، وينجح، ويكون في مؤسسة وطنية، ويشتغل، ويقدم ما بإمكانه لبلده، فهذا كله كان مستبعداً لدى العديد من المناضلين، لأن مناضلا كفؤا أمام «مول الشكارة»، لا حظوظ له. وقد استمرت هذه الوضعية، وأصبحت الأموال تقدم إلى المواطنين لشراء أصواتهم بدل السلطة، وهو ما ميز تلك المرحلة بشكل كبير. وبينما كانت السلطة تراجع تدخلاتها في الانتخابات، فعلت الأموال فعلها في شراء الأصوات، الذي ارتفع بشكل مهول. وفي انتخابات عام 2002 كان هناك تناوب، ولم يكن تزوير، ولا تدخل للإدارة إلا فيما ندر، ولكن كان شراء الأصوات، وما زال مستمرا إلى يومنا هذا. فهذه الأمور كلها هي عواقب لانعدام التوافق على المنهجية الديمقراطية منذ البداية. وفي كلامي هذا أحاول أن أقدم قراءةً للمرحلة بكل موضوعية، لأنه تاريخ المغرب، ولا يمكن لأي كان أن يزايد عليه، وبالتالي هناك وثائق يمكن الرجوع إليها، للتأكد من تلك الحقائق. فحينما قرر المغرب إعادة النظر في هذه الأمور، بسبب ملتمس الرقابة لعام 1990، وبعدها لقاء جلالة الملك الراحل الحسن الثاني برؤساء أحزاب المعارضة، وهو اللقاء الذي قرر على إثره الملك إجراء مجموعة من التعديلات، حيث قال لهم «لقد وصلتني الرسالة، بأنكم ترغبون في إصلاحات سياسية، وأنا أطالبكم بأن تقدموا لي اقتراحات عملية». وهنا دخل المغرب مرحلة جديدة في الحياة السياسية، ولكن ظلت بعض الممارسات تشوب الانتخابات، رغم إصلاح الدستور، وقوانين الانتخابات. المهم هو أن المغرب بدأ يعرف مجموعة من الإصلاحات منذ سنوات التسعينيات، حيث كانت محاولة التواصل من أجل التوافق على الدستور، وفي النهاية وقع عام 1996 بداية التوافق على الدستور، بحيث استجاب الملك الحسن الثاني، رحمه الله، لمجموعة من مطالب أحزاب المعارضة، وهذه الأخيرة ولو أن الاستجابة لم تكن كاملة مائة في المائة، فهم قبلوا، ولأول مرة سيكون تصويت تقريباً بالإجماع على دستور 1996. وهنا بدأت الأجواء تنفرج بعد إطلاق سراح كل المعتقلين، ورجوع المنفيين، وخلق هيأة الإنصاف والمصالحة، ومجموعة من المؤسسات، كالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وبعض الإصلاحات القانونية، مثل حذف الفصل 35 المتعلق ب «كل ما من شأنه»، وبدأت حرية العمل النقابي، وحرية الصحافة، وحرية التعبير، وكل ذلك جاء نتيجة النضالات السابقة.
في تلك الفترة ترأست البرلمان، فما تقييمك لتلك التجربة البرلمانية؟
ترأست البرلمان بعد انتخابات عام 1997 إلى غاية عام 2002، ومن عام 2002 إلى غاية عام 2007، وما وقع في تلك المرحلة هو أننا دخلنا حقبة جديدة من التجارب والأخطاء. وأول تغيير كان واضحا هو انتخاب رئيس مجلس النواب بعد انتخابات عام 1997، وهو الذي كان قبل هذه الفترة يكون معروفا، ومعينا. وبعد انتخابات عام 1997، قررت المعارضة أن تتقدم بمرشح، والأغلبية قدمت مرشحها، وأتذكر أنني كنت أنا الذي أمثل المعارضة، وكان محمد العنصر يمثل الأغلبية، ولأول مرة لم يكن هناك تدخل للإدارة، فكان التصويت لصالحي، وانتصرت المعارضة بأغلبية مطلقة واضحة. وكان هذا هو المؤشر الأول بأن الأمور بدأت تتغير، وتأخذ طريقها الطبيعية، لأن القضية هي قضية سلوك سياسي، كما أن الإدارة بدأت ترفع يدها عن التدخل في من سيتولى رئاسة البرلمان. في تلك الفترة الذين صوتوا على رئيس البرلمان أصبحوا يكونون كتلة من الأغلبية الجديدة، فيها طبعا أناس من المعارضة القديمة، ومن الأغلبية القديمة أيضا. فهذه المعارضة التي استطاعت أن تترأس البرلمان لها أغلبية داخل المؤسسة، فالملك الحسن الثاني، رحمه الله، بنا على هذا المعطى، وعين الوزير الأول من بين هذه الفئة، لأن لديها أغلبية. فعبد الرحمن اليوسفي حينما عين وزيرا أولا لم تكن لديه صعوبات في تأسيس الأغلبية، لأنها هي من صوتت على مجلس النواب. وهذه من بين الإشارات التي عرفتها المرحلة، وتلاها اختيار عبد الرحمن اليوسفي بماضيه، وصفته، وكونه معارضاً كان في المنفى، وهذا كان تحولاً جديداً في المغرب.
في تلك الفترة ترأست البرلمان، فما تقييمك لتلك التجربة البرلمانية؟
ترأست البرلمان بعد انتخابات عام 1997 إلى غاية عام 2002، ومن عام 2002 إلى غاية عام 2007، وما وقع في تلك المرحلة هو أننا دخلنا حقبة جديدة من التجارب والأخطاء. وأول تغيير كان واضحاً هو انتخاب رئيس مجلس النواب بعد انتخابات عام 1997، وهو الذي كان قبل هذه الفترة يكون معروفاً، ومعيناً. وبعد انتخابات عام 1997، قررت المعارضة أن تتقدم بمرشح، والأغلبية قدمت مرشحها، وأتذكر أنني كنت أنا الذي أمثل المعارضة، وكان محمد العنصر يمثل الأغلبية، ولأول مرة لم يكن هناك تدخل للإدارة، فكان التصويت لصالحي، وانتصرت المعارضة بأغلبية مطلقة واضحة. وكان هذا هو المؤشر الأول بأن الأمور بدأت تتغير، وتأخذ طريقها الطبيعية، لأن القضية هي قضية سلوك سياسي، كما أن الإدارة بدأت ترفع يدها عن التدخل في من سيتولى رئاسة البرلمان. في تلك الفترة الذين صوتوا على رئيس البرلمان أصبحوا يكونون كثلة من الأغلبية الجديدة، فيها طبعا أناس من المعارضة القديمة، ومن الأغلبية القديمة أيضا. فهذه المعارضة التي استطاعت أن تترأس البرلمان لها أغلبية داخل المؤسسة، فالملك الحسن الثاني، رحمه الله، بنا على هذا المعطى، وعين الوزير الأول من بين هذه الفئة، لأن لديها أغلبية. فعبد الرحمن اليوسفي حينما عين وزيراً أول لم تكن لديه صعوبات في تأسيس الأغلبية، لأنها هي من صوتت على مجلس النواب. وهذه من بين الإشارات التي عرفتها المرحلة، وتلاها اختيار عبد الرحمن اليوسفي بماضيه، وصفته، وكونه معارضاً كان في المنفى، وهذا كان تحولاً جديداً في المغرب.
هذا التحول كان بهدف الخروج بالمغرب من السكتة القلبية التي عرفها، بحسب تعبير الملك الراحل الحسن الثاني.
هذا صحيح، وفعلا تلك المرحلة كانت برأيي هي «الربيع المغربي»، فالربيع الحقيقي كان في تلك الفترة، وليس اليوم، وهو الذي حفظ المغرب في 2011، من الأحداث التي عرفتها بعض البلدان العربية، لأن المغرب كان سباقا في تلك المرحلة للعديد من الأمور، وقام بإصلاحات كبيرة في حكومة عبد الرحمن اليوسفي، والتي تلتها، بحيث لم تتغير الوجوه فقط، بل كانت هناك إصلاحات أساسية وبنيوية، وتأسيساتية في المجال السياسي، مع توسيع الحريات، وفتح المجال للمجتمع المدني، والصحافة وحرية التعبير، والحمد لله فهي ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا. إضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الكبيرة، التي ترتبت عنها مجموعة من الإجراءات المهمة، التي انعكست بشكل إيجابي على المغرب، وأعطته انطلاقة جديدة، وحمته من السكتة القلبية، حيث جرى التهييء لظهور دستور 2011. في هذه المرحلة أصبح البرلمان يؤدي دوره الحقيقي، ودوراً إيجابياً في مجال التشريع، لا من الناحية الكمية فحسب، بل حتى على مستوى الكيف، حيث أصدر البرلمان مجموعة من القوانين، وأتذكر أن معدل القوانين التي كان يصادق عليها سنويا، تتراوح بين 40 و50 قانوناً، وهي قوانين كانت تمس جميع القطاعات، ومكنت المغرب من العديد من الإصلاحات، التي تتم عبر القوانين. فما عاشه المغرب بعد تلك الفترة كان نتيجة لهذه الإصلاحات التي اتسعت، وطبعاً كانت هناك تراكمات إيجابية، وهنا يمكن الحديث عن إيجابيات البرلمان المغربي، الذي أدى في السنوات الأخيرة دوراً أساسياً في الميدان التشريعي، حيث ظهرت قوانين تأسيسية مهمة جدا في مجال مراقبة الحكومة، التي أصبحت مراقبة فعلية عن طريق ملتمس الرقابة، ولجان البحث والتقصي، والمساءلة، ولو أنها ما زالت تطرح الكثير من الأسئلة حول الكيفية التي تمر بها مساءلة الوزراء في البرلمان.
وما هو قولك عن الدبلوماسية البرلمانية؟
في مجال الدبلوماسية البرلمانية حقق المغرب تقدماً كبيراً وإشعاعاً، حيث أصبحت للمغرب علاقات مع جميع البرلمانات الوازنة في جميع القارات، وأصبحت لديه العضوية في جميع الجمعيات البرلمانية الجهوية، أو القارية، أو الدولية، وأصبح فاعلاً نشيطاً وأساسياً في مجموعة من اللقاءات، حيث شارك في إنشاء العديد من الجمعيات، منها من نشأ في المغرب مثل جمعية برلمان الدول الإسلامية، وجمعية البحر الأبيض المتوسط الأولى والثانية، وترأس المغرب هذه الجمعيات كلها في فترة من الفترات، واليوم يترأس الاتحاد البرلماني الدولي، أكبر وأهم مؤسسة برلمانية، لها رصيد تاريخي يقدر ب 124 سنة، وتضم 163 برلماناً منخرطاً. المغرب حاضر في المجال الدبلوماسي، وبطبيعة الحال فوجوده في هذه المؤسسات البرلمانية يدخل أولاً في إطار إشعاع المغرب، والتعريف به، وبصورته، وبمنجزاته، ولدرجة أنه مادام هو نفسه قام بالإصلاحات، فلأن لديه مصداقية لكي يدافع عن الأخلاق، والقيم، ومبادئ الديمقراطية التي يعيشها. فهذه الأمور كلها أعطت صورة إيجابية عن المغرب، وأصبح المغرب يدافع عن قيم وأخلاق، ومبادئ كونية، وأثر في الحكومة كي تصادق على مجموعة من الاتفاقيات الدولية في الأمم المتحدة، تتعلق بالطفل، والحرية، وحقوق الإنسان. وإضافة إلى هذا، فالدبلوماسية البرلمانية المغربية معبأة من أجل الدفاع عن القضايا الأساسية في المغرب، كالقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، من مثل الاستثمارات، حيث أدى البرلمان المغربي دوراً أساسياً في جلب العديد من الاستثمارات الخارجية إلى المغرب، وخلق نوعاً من الثقة في المغرب.
= لكن رغم هذا هناك صورة سلبية سائدة عن البرلماني المغربي، على عكس ما كان في السابق، حيث كانت المرافعات السياسية القيمة، فاليوم البرلماني ينام في هذه المؤسسة، يلعب الورق، وإذا تكلم يتفوه بخطابات شعبوية، ويتعرى أمام الجماهير الواسعة، التي تشاهد جلسات البرلمان، فما ردك؟
== السلبيات لم تكن في هذه الفترة فقط، بل سادت أيضا في فترات سابقة، فمثلا ظاهرة الترحال كانت أمراً خطيراً في البرلمان، ولم يوضع لها حد إلا مع دستور 2011. البرلمانيون المنتخبون باسم حزب معين، كانوا في السابق ينتقلون إلى حزب آخر بسهولة كبيرة، دون حسيب ولا رقيب، وهي ظاهرة عرفها البرلمان المغربي بشكل كبير، ومست بالممارسة البرلمانية، لأن حالاتها كانت كثيرة جداً، وليست مجرد استثناءات. كما كان «البيع والشراء» سائداً فيها من أجل تكوين فريق برلماني. ولهذا السبب، فلما كنت رئيسا للبرلمان أخذت مجموعة من الإجراءات لأصعب على البرلمانيين مسألة الترحال، حيث كان الفريق يتكون من 12 برلمانياً، ولكنني رفعته إلى 20 برلمانياً. وهذه من الإصلاحات التي أدخلتها على المؤسسة البرلمانية لكي أحارب ظاهرة الترحال، كما أن الهيآت المسيرة للبرلمان كان عددها كبيراً جداً، يدخلها كل من يبحث عن المنافع المادية والتعويضات فحسب، التي تمنح عن عضوية مكتب من المكاتب، وهي الآن قد جرى إصلاحها، كما أن ظاهرة الغياب المتكرر للبرلمانيين لم يعد مسموحاً بها. وبالعودة إلى البدايات الأولى للبرلمان، لم تكن هذه المؤسسة تشهد غياباً، فبرلمان 1963 كان يعرف حضور كل البرلمانيين، ومن عام 1977 إلى عام 1984 كان البرلمان يعرف حضوراً أيضاً، وفي بداية التسعينيات بدأ الغياب يتفاحش مع «أصحاب الشكارة»، الذين لم تكن تهمهم المؤسسة، بقدر ما تهمهم الصفة فقط. ولكن اليوم، رغم بعض السلبيات، فهناك تحسن في الممارسة البرلمانية، لم يعد الترحال موجوداً، والغياب قنن، وبشكل عام فقد كانت ظاهرة حميدة حاضرة دائما في البرلمان، وهي نواة صلبة تتكون من 60 إلى 100 برلماني أكفاء، يحضرون باستمرار في البرلمان، وهم وطنيون لديهم غيرة كبيرة على البلد، ولديهم روح المسؤولية، ينشطون البرلمان باستمرار، ويكونون حاضرين في اللجان، ويأتون بالاقتراحات، ويساهمون في تغيير العمل البرلماني، رغم تلك الصورة السلبية، التي يحملها البعض عن البرلماني. فالعمل البرلماني الجيد هو الذي يتم داخل اللجان، التي تعرف نقاشات جادة، تسهم في تطوير البلد، عبر الخروج بقوانين مهمة، أو التأثير على النصوص وإحداث تغييرات عليها. وأظن أن الفترة التي ترأست فيها البرلمان، كانت المعارضة تصوت على ضرورة تغيير بعض النصوص، والحكومة كانت تقبلها، وهذه كلها أمور إيجابية. واليوم، والحمد لله، فالبرلمان تغير بشكل كبير، وأصبح فيه اشتغال عميق. ولهذا يجب أن يكون كل البرلمانيين على شاكلة تلك النواة، حتى يؤدي البرلمان مهمته ورسالته الاجتماعية. أما بخصوص البرلمانيين النيام، فتلك ظاهرة تقع في العالم بأسره، حيث يغفو البرلماني بسبب طول الاجتماعات، وهذا أمر طبيعي.
لكن الملفت أيضا هو الخطاب السياسي البرلماني الذي تراجع بشهادة البرلمانيين أنفسهم، فما سببه؟
فعلا في بعض الأحيان كانت المعارك والمشادات الكلامية، هي التي تطغى في البرلمان، وهذا أمر طبيعي، ولهذا لا يجب أن نعمم، لأنه ما يهم اليوم هو أن يسترجع البرلمان مكانته، وأن يتأسس وفق انتخابات نزيهة، وما يجب محاربته هو الرشوة، لأنها ما زالت مستشرية، كما يجب فتح المجال للنخب السياسية، التي ابتعدت عن المجال السياسي، واستقطابها من أجل ولوج العمل السياسي والبرلمان، لأن النخب المغربية التي تتخرج من المعاهد والمؤسسات من مهندسين، وأطباء، وباحثين، ونخب القطاع الحر، وهي النخب الناجعة ولكنها لا تدخل المجال السياسي. والنخب في كل المجتمعات هي التي لها القدرة على خلق الثروات، والأفكار، والقيم، وتؤدي دوراً مهماً في تلك المجتمعات، وهذه النخب موجودة بكل تأكيد في المغرب، فلدينا المبدعون والخلاقون في كل الميادين، ولكنهم يفضلون اليوم الاهتمام بالمجال الاقتصادي والمالي، أو الإدارة المقاولاتية، ويتجنبون المجال السياسي، ولا ينخرطون في الأحزاب.
ألا تتحمل الأحزاب المسؤولية في عزوف هذه الفئات عن الانخراط في العمل السياسي والحزبي؟
لا تعود المسؤولية فقط للأحزاب، بل إلى المجتمع ككل، وإلى فترة تناهز أربعين سنة، كانت السياسة تمارس فيها بكيفية غير أخلاقية، بحيث حينما تأتي الدولة وتزور الانتخابات، وتحارب من يمارس العمل السياسي، وتجازي المفسدين، فهذا يجعل تلك الفئة تنفر من العمل السياسي، ومن ولوج حتى البرلمان. ولكن، الحمد لله، فبعد الإصلاحات التي تمت بكل صراحة في عهد الملك محمد السادس، طوال 14 سنة، تغيرت الأوضاع، ولكن تلك الثقافة ظلت، كما هي أيضا تلك الممارسات والسلوكات. فالإنسان يدخل إلى حزب ما، كي يشتغل ويستفيد، ليس ماديا، بل كي يستفيد معنويا، ويعترف له بالكفاءة، وتعطى له الثقة، ويتحمل المسؤولية. وبهذا يترقى داخل الحزب، ويصل إلى مستوى القرار، ومن بعد يمكن له أن يلج مؤسسات الدولة وأن يكون له عطاء، ويساهم في بناء بلده. وهذا هو طموح المناضل، طموح شريف، لكننا اليوم نلاحظ أن هذا الأخير حينما يترشح في الانتحابات أمام «مول الشكارة»، فلن يكون له أي حظ، ولهذا يجب إصلاح قانون الانتخابات، والحد من استعمال المال، وحتى تكون التركيبة البرلمانية سليمة، ولا تشوبها أي شائبة.
وسمت فترة التناوب بالربيع العربي الحقيقي، ونوهت بما قام به حزب الاتحاد الاشتراكي في تلك الفترة مع الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي، ولكن هذا الحزب تراجع في الانتخابات الأخيرة بشكل كبير، واحتل المركز الخامس، وتخلى عنه مجموعة من مناضليه، لأنه كان هناك تهافت على المناصب، وتغليب للمصالح الذاتية على الوطنية، وهو ما جعل العديد من مناضلي هذا الحزب يغضبون من الحزب، وفي بعض الأحيان يغادرونه، ألا ترى أن الأحزاب أيضا يجب أن تعيد النظر في تركيبتها، وفي طريقة اشتغالها للنهوض بالعمل السياسي والحزبي والبرلماني في المغرب؟
أظن أن الاتحاد الاشتراكي كان يعيش نوعاً من التجاوب مع المواطنين والناخبين، بينما كانت السياسة حاضرة في الحوار الوطني، والقيم والأخلاق سائدة، وكان الاتحاد يجسد كل هذا، وكان المواطنون يتعاطفون معه. ولكن حينما حل المال بدل الأخلاق، لم تبق للاتحاد الاشتراكي أية حظوظ، كما أن المجتمع نفسه تغير، ولم يعد يبحث عن الإنسان المناضل المكافح، الذي يدافع عن المبادئ والقيم، وطبعا هذا لا يعفي الأحزاب من مسؤوليتها، هناك أخطاء فعلا، ولكن هناك ظاهرة في المغرب، وليس لدى الاتحاد الاشتراكي لوحده، وهي أن الناس لا يعرفون كيف يعيشون التنافس، خصوصا وأن الديمقراطية هي النظام السياسي للتنافس بامتياز، فالأنظمة الشمولية هي التي لا تعرف التنافس، وتعرف نوعا من السلطة الديكتاتورية، مثل نموذج «ستالين» وغيره. أساس الديمقراطية هو التنافس، الموجود داخل الحزب، ومع الأحزاب الأخرى، فالكيفية التي نعيش بها التنافس هي ما يطرح مشكلاً في المغرب، وهي ثقافة، لأن الناس يذهبون بعيداً في التنافس، إذ يتحول إلى حرب ما بين الأحزاب. يجب أن نتعلم ثقافة الديمقراطية، وأن نحترم الأخلاق والمقاييس والمبادئ والقوانين داخل الأحزاب. للأسف هناك قوانين داخل الدولة، والأحزاب، ولكنها لا تحترم، ولا يكون التنافس في إطار تلك القوانين، ولا يقبل المتنافسون احتمال الربح أو الخسارة لدينا. لا توجد ديمقراطية من دون منافسة، ولكن من الأساسي احترام الأخلاق، وتجنب الغش.
على اعتبار أن الدستور كان العائق في التجربة البرلمانية السابقة، هل يمكن القول إن دستور 2011 المعدل، رغم المشاكل التي يعرفها في التطبيق، يمكن أن يعطي دفعة قوية للتجربة البرلمانية الجديدة أم لا؟
أظن أن الدستور الجديد فيه كل الوسائل والإمكانيات، إنه الدستور الذي يعطي سلطة كبيرة للبرلمان، والأحزاب. فنحن شرعنا في الملكية البرلمانية، وهذه الأزمة السياسية الأخيرة، التي وقعت ما سببها؟ حزب لم يعد موافقا على أن يظل في الحكومة، وفسح المجال لحزب آخر، هو الذي حل المشكلة. الأزمة خلقتها الأحزاب، وحلتها الأحزاب نفسها، ولهذا فالحكومة تغيرت لأن هناك أغلبية جديدة. إذن الأحزاب والبرلمان هما اللذان يكونان الحكومات، ونحن نعيش هذه الأشياء اليوم، ولكن هناك أشيا أخرى يجب تعديلها، وتأطيرها، حتى لا يكون الخروج من الحكومة بكيفية عشوائية، والدخول إليها بكيفية عشوائية أيضا. لهذا يجب تفعيل القوانين التنظيمية، ويجب أن يفهم الكل بأنه لا يكفي بعد المطالبة بالملكية البرلمانية، ومنح السلط للبرلمان، أن تظل الأمور على حالها، بل يجب أن يكون هناك تعاون بين مختلف السلط، لأن الديمقراطية تعني معارضة وحكومة قويتين، في ظل التعاون بين مختلف السلط. يجب أن تخرج القوانين التنظيمية إلى حيز الوجود، وتفعل، لأنها تتوفر على مجموعة من القرارات لصالح المساواة، والعدل. فلا يمكن أن تظل تلك القوانين حبراً على ورق، خصوصاً أنها تمت بتوافق بين مجموعة من الأحزاب التي تشكلت منها اللجان. التجربة البرلمانية المغربية غنية، ويمكن أن يقال الشيء الكثير عنها، لكن ما يلزم هو أن تتم الاستفادة من تلك التجربة، وتجاوز سلبياتها، لتقوية الإيجابيات، وإعطاء المصداقية للبرلمان، واستعادة ثقة المواطنين في هذه المؤسسة، كما يجب على الصحافة أن تؤدي دورها في تحسين صورة البرلمان المغربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.