12 مليون مغربي يستفيدون من الدعم الاجتماعي المباشر    إدانة البرلماني السابق ادريس الراضي ب4 سنوات نافذة على خلفية محاولة الاستيلاء على أراضي سلالية    "الكاف" يكشف عن الملاعب المستضيفة لمباريات كأس الأمم الأفريقية للسيدات بالمغرب    أخنوش يجري مباحثات مع الوزير الأول ووزير الخارجية وشؤون المغتربين بجمهورية كينيا    العيون تحتضن أول مركز للتأشيرات الفرنسية    حاجيات البنوك من السيولة تتراجع إلى 118,7 مليار درهم خلال أبريل 2025 (مديرية)    الركراكي يستدعي 27 لاعبا لمواجهتي تونس والبنين    أنشطة الموانئ.. رواج بقيمة 60,8 مليون طن في الربع الأول من 2025    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    أخنوش: أكثر من 5,5 مليون طفل ومليون مسن ضمن المستفيدين من الدعم الشهري    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات ": لمحات من سيرة العلامة المحقق المرحوم عبد الله المرابط الترغي.    كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال تستضيف الإعلامية حنان رحاب    موارد الأحزاب تتجاوز 104 ملايين درهم    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية مصحوبة محليا بتساقط للبرد وهبات رياح اليوم الثلاثاء بعدد من مناطق المملكة    الحبس شهرين لمتهم تسبب بجروح لسيدة استلزمت 88 غرزة    الركراكي يعلن ثقته في تتويج المغرب بكأس إفريقيا: "حكيمي سيرفع الكأس"        موجة حر مرتقبة.. طبيب ينبه للمضاعافت الصحية ويدعو لاتخاذ الاحتياطات    أخيرا مجموعة عمل برلمانية تشرع في الاستماع إلى وزير الفلاحة حول مخطط المغرب الأخضر    الركراكي: تلقينا اتصالات من الأندية من أجل ترك لاعبيهم واخترت فاس لأن المنتخب لم يلعب هناك ل16 سنة    يوعابد ل"برلمان.كوم": موجة حر قياسية وغير مستقرة مرتقبة هذه الأيام بالمملكة    تجمع تدريبي للفريق الوطني للريكبي 15 بفرنسا استعدادا لتصفيات كأس العالم    قبل أيام من عيد الأضحى.. ارتفاع غير مسبوق في أسعار اللحوم    أنشيلوتي يعلن قائمة منتخب البرازيل    كولومبيا تعين أول سفير في فلسطين    توقيف مشتبه في إضرامه للنار عمدا في غابة هوارة    ملك بريطانيا يحدد الأولويات في كندا    تلسكوب "جيمس ويب" يلتقط صورة لأبعد مجرة على الإطلاق حتى الآن    مبيعات "تيسلا" تتراجع إلى النصف في أوروبا    تزامناً مع موجة الحر.. الدكتور حمضي يكشف عن إجراءات مهمّة لتجنب المخاطر الصحية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    36% من مستفيدات برنامج التمكين الاقتصادي للنساء من العالم القروي    الصين تعزز حضورها الاقتصادي في سوريا عبر استثمارات ضخمة بالمناطق الحرة    حقيقة صفع ماكرون من طرف زوجته بريجيت..    السلفادور تجدد دعمها للوحدة الترابية للمغرب وتدرس فتح قنصلية لها في مدينة العيون    تراجع أسعار النفط وسط ترقب احتمال زيادة إنتاج "أوبك+"    موجات الحرارة: إرشادات ذهبية لسلامتكم وسلامة ذويكم    دراسة: الموز يساعد على خفض ضغط الدم بشكل طبيعي    الصين تكشف عن مخطط عمل لسلاسل الإمداد الرقمية والذكية    معرض الصين الدولي للسياحة 2025: المغرب يستكشف أكبر سوق سياحي في العالم    التهراوي: تسجيل تراجع بنسبة 80 في المائة في عدد حالات الحصبة بفضل حملة التلقيح    الحرب الأوكرانية.. الهوية الدينية مفتاح الحرب والسلام في الدول الأوروبية    كأس إفريقيا للأمم للسيدات.. المنتخب الوطني النسوي يخوض تجمعا إعداديا بطنجة    لوكوس "فوتسال" يتسلم درع البطولة    تشغيل خط تزويد المركب المينائي الناظور غرب المتوسط بالكهرباء    منها طنجة.. التلفزيون الأيرلندي يحتفي بالمطبخ المغربي ويجوب عدداً من المدن    التلفزيون الأيرلندي يحتفي بفن الطبخ المغربي    حاجة المغرب اليوم إلى رجال دولة صادقين    اختتام فعاليات الدورة الثالثة عشر من المهرجان الدولي لفروسية "ماطا" على وقع النجاح الكبير    الخوف كوسيلة للهيمنة: كيف شوّه بعض رجال الدين صورة الله؟ بقلم // محمد بوفتاس    كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال تستضيف الدكتور أحمد العاقد    حكيم شملال: توحيد ألوان الناظور تهديد للروح الجمالية للمدينة    جامعة ما قبل الرأسمالية    عرض مسرحية "توغ" بالناظور    السعودية: 107 آلاف طائف في الساعة يستوعبها صحن المطاف في الحرم المكي    حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    بلاغ جديد من وزارة الأوقاف للحجاج المغاربة    الله أمَر بالسّتْر ولم يأمُر ببيْع الماسْتَر !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية «بنات ونعناع» لحسن بحراوي .. النظر إلى الماضي..بغضب
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 11 - 06 - 2019

تطرح رواية (بنات ونعناع) من الأسئلة والإشكالات أكثر مما تقترحه من الأجوبة والإفادات، وهي بذلك تغادر بنا منطقة التلقي السلبي لتفتح أفقنا على ذلك القلق المربك الذي يجعل من القراءة اختبارا للفكر واستثارة للمشاعر..
وأما الحكاية التي تتولّى الرواية سردها بأكثر ما يكون من التركيز والإيجاز، فهي بسيطة لا يكاد يكتنفها تعقيد أو التباس، وإن حصل شيء قليل من ذلك فلأن الشرط الحكائي قد اقتضاه ووجد له ما يبرّره..فالزاهية امرأة سيئة السمعة كما يقال فتحت بيتها لبيع الهوى وحشدت حولها جماعة من (البنات) ممن قادهن حظهن العاثر إلى ممارسة أقدم مهنة في العالم، مضحيّات بسمعتهن التي لم يعد بوسعها أن تساعدهن على سدّ رمقهن..
وتتوالى الأحداث تباعا وسراعا بعد ذلك فيخامرها مشروع نقل مقر عملها إلى مدينة أماديل الجنوبية، حيث الأمل في مدخول أكبر لها ولبناتها، ولكن زلزالا مدمّرا يضرب المنطقة فتنجو الزاهية وطاقمها بضربة حظ تشبه الأعجوبة..ثم تحلّ لحظة رهيبة فتختفي ثلاث من بناتها المفضلات في أعقاب ليلة سهر صاخبة وبطريقة ملغزة نوعا ما، حيث سيصبح عليهن الصباح وقد خلا منهن المنزل والقصبة والمدينة برمّتها..وتبدأ الزاهية وقد أحزنها هذا الحادث وبلبل وجدانها رحلة لجمع شمل بناتها الذي تشتّت، ولم يعد هناك أمل لالتئامه في الأمد المنظور. وسوف تستعين في ذلك بصديقها الأمازيغي موح نادل «مقهى مرحبا» وخاصة بمعارفها من رجال السلطة وفي مقدمتهم الضابط جواد الذي عيّن حديثا بالمدينة ، حيث سيفتح تحقيقا في الموضوع يعاني فيه من الكثير من التعقيدات والمصاعب بسبب تراكم الأحداث الغامضة التي توالت على الزاهية وبناتها وانتهت بإيداعها السجن في ظروف بالغة الالتباس هي كذلك..
وهنا تأخذ رواية «بنات ونعناع» مسارا مدوّخا تمتزج فيه الحبكة البوليسية والمناخ الكافكاوي ، حيث ستظهر شخصيات على المسرح وتتوارى أخرى أوتذوب مثل فصوص الملح، وتطرأ أحداث غير متوقعة واتفاقات لا أساس لها من الواقع أو المنطق، وحيث تلقى أضواء كاشفة على منحنيات الحياة اليومية لمواطني مدينة هامشية (تعيش على السمك والصبر)..
وتنتهي الرواية على حين غرة أي في لحظة غير منتظرة ، تؤثثها وقائع بعضها سعيد وبعضها الآخر مثير للشجن، فيتزوج موح بعد صوم طويل ليبدأ حياة جديدة، ويغادر الضابط جواد المدينة خوفا من التورط في تبعات ارتباطه بالزاهية وبناتها، أما هذه الأخيرة نفسها فتدشن تجربة انقلابية كزعيمة للنزيلات في سجن النساء حيث تمضي أيامها بطيئة بانتظار الحكم عليها في قضية جنين رمت به بناتها في القمامة، ويسدل الستار أخيرا على هذا العالم المتشابك برفع البنت حلومة وهي على أبواب الجنون شعار بيت الزاهية الخالد الذي هو ربطة النعناع.
وحول هذه الرواية التأمت بالقاعة الوسائطية بالمحمدية حفلة سمر رمضانية دعا إليها مركز أجيال 21 ، وتولى إدارتها الأستاذ عبد الغني عارف بحنكته الجمعوية ولباقته الإنسانية، وأخذ فيها الكلمة عدد من النقاد والمبدعين المغاربة ممن لبّوا دعوة المركز إلى هذا اللقاء الثقافي المتميز.
وقد استهل اللقاء الكاتب القصصي أنيس الرافعي الذي قدّم قراءة عاشقة تجاوزت رواية «بنات ونعناع» لتنسحب على تجربة الكاتب ككل. وبالنسبة إليه فإن ما يميز هذه التجربة تحديدا هو حبكتها التي تبدو من أول وهلة نتاجا ل (ذاكرة سينيفيلية) لا تخطئها العين، وهي التي جعلت همّها الأساسي هو (تبصير) السرد عن طريق بلورة متتاليات من الصور تجاورت فيها عناصر منسجمة ومتنافرة حكائيا ولغويا، وانتهت في رأيه إلى تقديم مادة متنوعة ولكن منسجمة تذكر ب(حانوت العطار)..وهو يشير كذلك إلى أن الرواية تتستّر على تقنيتها المعقدة وتُعلن بدلا من ذلك مظهرا مموّها وساذجا تقريبا.
وانطلق الناقد السينمائي عبد الإله الجوهري في مداخلته من حيث انتهى الرافعي أي من القول بأن رواية (بنات ونعناع) تخدعك عند القراءة الأولى التي توحي بعالم المرح واللهو الظاهري الذي ارتبط ببيت الزاهية، فيما تعمل في العمق على فضح عوالم الظلم واستبداد السلطة. وهو يلاحظ كذلك بأنها تحتفي بالعنصر التراثي بمختلف مظاهره اليومية (الحياة في قصبة الستينات) والطقوسية (موسم سيدي موسى المجذوب) والأسطورية (فيلا الجمل)..إلخ
ولكي يبقى الجواهري وفيا لاهتماماته كسينمائي يُنهي كلمته المفصلة بإقامة مقارنة بين شخوص الرواية وشخصيات الفيلم المغربي (السنفونية المغربية) الذي يرسم فيه المخرج كمال كمال ما يشبه الملحمة لواقع الفقر والضياع لدى شريحة من الهامش الاجتماعي، مما يؤدي إلى المساس بالقيم ويحجب الآفاق.
ومن جهتها تقتحم الباحثة مليكة المعطاوي مقاربتها للرواية من زاوية كونها تنطوي على جدل متواصل بين الواقع والخيال، والذي يعني لديها في نفس الوقت حوارا بين الماضي والحاضر، تؤثثه محكيات متشابكة تحرص على بيان انتسابها المشروط إلى أحد الجانبين.
وأما الناقد يوسف توفيق فيعلن منذ البداية بأن مقاربته للرواية ستكون من باب النقد الثقافي حيث سيعمل على تتبّع ما تعرضه (بنات ونعناع) من منحنيات التجربة الوجودية لفئة من المواطنات، محكوم عليها بعدم مغادرة الهامش الاجتماعي والبقاء رهينة الإحباط الدائم، وهو يرى في ذلك مجازا غير مقصود لفشل المشروع السياسي والاجتماعي المغربي برمّته، وفي بيت الزاهية نظيرا مقلوبا لمؤسسة الحزب أو الزاوية. وتمثل الرواية كذلك في رأيه محاولة لتصوير التنوع الثقافي الذي يعيش المغرب على إيقاعه (المكون العروبي والأمازيغي واليهودي..إلخ) ويحاول المغاربة تدبيره بهذا القدر أو ذلك من التوفيق ، حيث تقدم الرواية جنبا إلى جنب مظاهر المدنس (الدعارة والسكارى) مع المقدس (المسجد والزاوية).
ويختتم الناقد محمد الخفيفي هذه القراءات بعرض يتّجه إلى كشف ما تُضمره هذه الرواية من أسرار الجسد المستباح الذي يتحرك في فضاءات محظورة أو في حكم المحظورة، ويتيح لنا الوقوف على العراء الداخلي للمجتمع الذي يفضحه الإبداع باعتبار أن الرواية الناجحة، كما يقول كونديرا، هي التي تهدف إلى «إبقاء العالم تحت النور».
وأخيرا، فنحن نفترض أن هذه المداخلات، في اختلافها وتكاملها، تقدم الدليل على خصوبة هذا العمل الروائي وخاصة على ارتباطه بالتحولات المتعاقبة في القيم والذهنية التي عاشها المغرب في حقبة تاريخية ولّت بخيرها وشرها، وصار من الممكن اليوم أن ننظر إليها باعتبارها قطعة من ماضينا المشترك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.