كرة القدم المغربية .. من شغف الملاعب إلى قوة ناعمة واقتصاد مزدهر    طنجة.. توقيف أزيد من 20 مرشحًا للهجرة غير النظامية بمحطة القطار    أمن طنجة يوقف ثلاثة قاصرين بعد تداول فيديو يوثق تراشقًا بالحجارة قرب مدرسة    إصابة 11 شخصا جراء غارات إسرائيلية عنيفة على جنوب لبنان    المغرب يستعد لإطلاق رحلات جوية مباشرة بين الدار البيضاء وسانت بطرسبورغ    ادحلي تستقبل الوزير المستشار بالسفارة الصينية لبحث سبل تعزيز التعاون البرلماني بين المغرب والصين    بني كرفط.. الدرك الملكي يحجز طناً و400 كيلوغرام من "الكيف" الخام بإقليم العرائش    نادي نهضة بركان يحط الرحال بالقاهرة    السعدي يحفّز الحوار الاجتماعي القطاعي    بورصة البيضاء ترتفع بنسبة 1,31 بالمائة    الصحف الشيلية تحتفي بإنجاز المغرب    مونديال الشيلي لأقل من 20 سنة.. "الأشبال" يدخلون التاريخ كأول منتخب عربي يتأهل إلى النهائي منذ 44 سنة    كأس العالم 2026.. بيع أكثر من مليون تذكرة خلال مرحلة البيع المسبق لحاملي بطاقات "فيزا"    أمن طنجة يوقف مبحوثًا عنه في حالة تلبس بسرقة دراجة نارية باستعمال العنف والسلاح الأبيض    الدريوش تعطي انطلاقة أشغال الورشة الدولية حول: "الأسماك السطحية الصغيرة في ظل الإكراهات المناخية والصيد المفرط.."    مربّو الدجاج بالمغرب يتهمون لوبيات القطاع بالاحتكار ويحمّلون الحكومة مسؤولية فشل الإصلاح    "هيومن رايتس ووتش" تطالب السلطات بالاستجابة لمطالب شباب "جيل زد" والتحقيق في الوفيات والانتهاكات    المندوبية السامية للتخطيط: تحسن سنوي في ثقة الأسر المغربية    محمد وهبي: سنواجه الأرجنتين بنفس الحماس لانتزاع كأس العالم    المؤتمر الاستثنائي الاتحادي العام 1975 مؤتمر متوهج عبر امتداد الزمن    في صلب النقاش المفتوح بخصوص الورقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. شعار المؤتمر …. الاختيار الموفق    جيل زد في المغرب: بين الكرامة وخطر الهجرة    جيل 2022 فتح الباب .. جيل 2025 يعبر بثقة من مونديال قطر إلى كأس العالم U20... المغرب يصنع مدرسة جديدة للأمل    قطاع التعليم بين حركية الإصلاحات وثبات الأزمة    تهم اقليم الحسيمة ومناطق اخرى .. نشرة انذارية تحذر من امطار رعدية قوية    محمد سلطانة يتألق في إخراج مسرحية والو دي رخاوي    عاصمة البوغاز على موعد مع الدورة أل 25 من المهرجان الوطني للفيلم    أبناء الرماد    قطاع غزة يتسلم جثامين من إسرائيل    لوكورنو ينجو من تصويت بحجب الثقة    "جنان الجامع" يحترق في تارودانت    توقعات بإنتاج 310 آلاف طن من التفاح بجهة درعة-تافيلالت خلال 2025    "الزمن المنفلت: محاولة القبض على الجمال في عالم متحوّل"    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    مجموعة "سافران" الفرنسية تثمن بيئة الاستثمار في المغرب وتوسع أنشطتها بالنواصر    رفع التصنيف السيادي للمغرب محطة مفصلية للاقتصاد الوطني    نتانياهو: "المعركة لم تنته" في غزة والمنطقة    إجراءات ‬جديدة ‬لتسهيل ‬دخول ‬المغاربة ‬إلى ‬مصر ‬دون ‬تأشيرة    الرباط تحتفي بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وتجدد المطالب بإسقاط التطبيع    فرحة عارمة بمدن المملكة بعد تأهل المنتخب الوطني لنهائي مونديال الشيلي    الأمم المتحدة.. المغرب يجدد تأكيد دعمه "الثابت والدائم" لسيادة الإمارات العربية المتحدة على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى    طقس حار نسبيا بأقاليم الجنوب مع سحب غير مستقرة وأمطار متفرقة اليوم الخميس    "إيزي جيت" تراهن على المغرب بإفتتاح أول قاعدة لها في إفريقيا بمطار مراكش عام 2026    هلال: الصحراء المغربية قطب للتنمية .. وركيزة للأمن والاستقرار في إفريقيا    كنز منسي للأدب المغربي.. المريني تكشف ديوانا مجهولا للمؤرخ الناصري    ريتشارد ديوك بوكان.. رجل ترامب في الرباط بين مكافأة الولاء وتحديات الدبلوماسية    قصص عالمية في مهرجان الدوحة    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مأساة مثقف : نصر أبو زيد مشتبكاً مع ابن عربي: تصالح العقل والتصوف

لئن كان ابن عربي، اعتمد على الأسطورة، باعتبارها وسيلة للتماهي، بين تساؤلات العقل ومعطيات العالم الخارجي، لتقديم نسق معرفي خاص، لعب فيه الرمز دوراً مهماً، لتجسير العلاقة بين العقل والأسطورة، وفض الاشتباك بينهما، فإنّ مشروع نصر حامد أبو زيد قد دأب على تحرير العقل من الكهنوت، وكشف سلطة التراث، وفض سلطة المثيولوجيا والأساطير. كما عمل مشروع أبو زيد على استدعاء ابن عربي، والبحث في عوالمه ونصوصه الغامضة، واستكشاف رمزية الملغزة.
بهذه المقاربة المعرفية، صاغ الدكتور سامح إسماعيل أطروحته، في المحاضرة التي نظمها منتدى الدين والحريات، في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بعنوان «نصر أبو زيد في حضرة ابن عربي»، وأدارها الباحث بالمبادرة، عمرو عزت.
طرح إسماعيل عدة تساؤلاًت مفتاحية حول المتصوف الأندلسي ابن عربي، المولود في القرن الثاني عشر الميلادي، ودراسة نصر حامد أبو زيد له؛ وهو هل كان استدعاء نصر أبو زيد لابن عربي تعبيراً عن ضرورة تاريخية ما، كيف تعامل نصر أبو زيد مع إشكاليات كتابات ابن عربي: توظيف الرمز أم إخفاء المعنى، ثم كيف قرأ نصر أبو زيد، رؤية ابن عربي، في تأويل ظاهر الشريعة: رؤيته للعبادات، مكانة المرأة، العدل الاجتماعي، التوحيد والكفر والعلاقة مع غير المسلمين؟

الحداثة وصعود العنف الديني
صاحب: “لله والإنسان، دراسة في الجبر والإختيار”، أضاف أن نصر أبوزيد، طرح تساؤلاً بحثياً، ليجيب عن مدى مقدرة ابن عربي، للمساهمة في مخاطبة قضايا عالمنا المعاصر، خصوصاً، بعدما كشفت الحداثة رغم ما حققته من إنجازات، كل التناقضات الطبقية، وأوجه الاستغلال، ليصبح الظلم ظاهرة عالمية، على المستويات كافة، وتصبح الندوب التى صنعتها حركات التبشير، التى سارت في خضم الاستعمار الأوربي، أكثر عمقاً، وقد تحول التنوير على حد وصفه، إلى “أيديولوجيا بلغت ذروة فصولها العبثية، في الحربين العالميتين، قبل أن ينقسم العالم إلى معسكرين، وتدور معارك الحرب الباردة، حيث دفع ثمنها الفقراء، في العالم الثالث وحدهم”.
ولاحظ إسماعيل، أنه مع ظهور مفهوم الصحوة الإسلامية، وصعود جماعات الإسلام السياسي، في مواجهة طرح العولمة لنفسها كدين أخير، نواته السوق المرتكز على القوة، ظهر الإسلام، كطرف في معادلة الصراع، وبدأت التيارات الجهادية، في شحذ أسلحتها، المحملة بمفاهيم التعصب والانغلاق، في صراع أصبح فيه الدين، عبارة عن “مفهوم ونسق جمعي، من الأوامر والنواهي، التي تكرس للطاعة، وتحقق الانضواء الطوعي، الذي يسلب الإرادة، في مقابل الخلاص”.
وأكد أن أبوزيد استدعى تجربة ابن عربي الصوفية، في بعدها الثوري، “بغية مواجهة المؤسسة الدينية، التى حولت الدين إلى أيديولوجيا، مهمتها الأساسية، الحفاظ على الأوضاع السائدة، ومساندتها، بإنتاج بنى معرفية ثابتة”، بالإضافة إلى الرغبة في تحريره من أفق التهميش، إلى فضاء المتن، لمواجهة الفكر السلفي، الذي طغي على مجمل الخطاب الإسلامي.
ابن عربي في مواجهة التقليد ومأسسة الدين
أضحى ابن عربي، وفق ذلك، نموذجاً للفكر الإسلامي، في بعده الصوفي، المتجاوز لأطر العقل التقليدي والجامد، وهو نموذج مغاير ومختلف، من قلب التراث، الذي يئن تحت وطأة الجمود والتعصب والنقل والتقليد.
وبحسب إسماعيل؛ ففي دراسته للدكتوراة، أنجز أبو زيد، بحثه الرائد بعنوان: (فلسفة التأويل؛ دراسة في تأويل القرآن عند محي الدين ابن عربي)، حيث واجه فلسفة ابن عربي، في جوانبها الوجودية والمعرفية، إلى جانب مفاهيمه الخاصة بماهية النص الديني، ودوره الوجودي والمعرفي، وارتحل إلى تصورات ابن عربي عن الوجود، والتي تماثل الصور التي تتراءى للنائم في أحلامه.
ويشير إسماعيل، إلى أنه عبر تأصيل نظري مغاير، لكل الذين حاولوا قراءة ابن عربي، يحلل نصر العلاقة بين مستويات النص، التي تقوم على التداخل، وأوجه الاختلاف في التعاطي معها، بين الفكر الصوفي، الذي ينتمي إليه ابن عربي، وبين الفكر الأصولي المهيمن على العقل الفقهي؛ “حيث وقف الأخير، عند مستوى التحقق بظاهر النص، لاستخراج الأحكام من النصوص، طبقا لقواعد لغوية معروفة”.
وأوضح، أنه في هذا السياق، “ينطلق الصوفي، في رحلته المعراجية، فينزل القرآن على قلبه، بذات الكيفية، التي نزل بها على قلب الرسول، ومن ثم، يصبح الصوفي، في مرتبة من مراتب النبوة، لكي يتلقى الوحي مباشرة، بشيفرة خاصة، متجاوزاً أطر الشروح والتفسيرات، واللغة الوضعية الاصطلاحية، إلى مستوى أكثر خصوصية، ينفذ به إلى المعنى الباطن”.
الوحي ومضمون حركة التاريخ
وأردف المحاضر أنّ التأويل عند ابن عربي، يمكن أن يقع على الحلم، وهي سمة يشترك فيها العارفون، فضلاً عن وقوعه على التعبير اللغوي، في هذا الحلم، وهو ما يستلزم قدرة على نقل مضمون الحلم، من مستوى خيال “الرائي”، إلى مستوى خيال المفسر، وهو ما يتسق مع حقائق الوجود، الذي هو عبارة عن صور خيالية، تحجب حقيقته وباطنه الكامن؛ لأن “التأويل منهج فلسفي عام يحكم فكر ابن عربي، على مستوى الوجود والنص القرآني معاً”.
وإلى ذلك، يصبح الوحي في هذا النسق المعرفي والفلسفي، حياً ومتحركاً في التاريخ، بفعل الفهم الصوفي المتجدد، والمتجاوز للعقل السكوني، القائم على القياس، وفقاً لنموذج معد سلفاً، حيث يتنوع النص، وتتنوع دلالاته، بتنوع القارىء، الذي يصل إلى هذا المستوى، من الترقي الصوفي، “فيتغير فهم الصوفي للنص، وتتخلق المعاني، بشكل متصاعد، يكون فيه القارئ فاعلاً رئيسياً، وصولا إلى الحقائق الكلية اللامرئية في ظاهر النص”.
ويروي إسماعيل، أن ابن عربي في ارتحاله إلى الشرق، حمل معه، أفكاره وتأملاته، التي ما عادت بلاد الأندلس، موطنه الأصلي، تتسع لها، حيث بات التصوف مغضوباً عليه، من المتكلمين وملوك الطوائف، وأضحت الفلسفة سيئة السمعة، وقتل ابن قسي، رأس طائفة المريدين، وابن برجان، وابن العريف، بينما فر ابن عربي إلى مصر، لكن روح التعصب التي استبدت بالعقول، لم تكن لتسمح له بمواصلة تجلياته، فتم تكفيره، وتعرض للقتل مرات عديدة، فتنقل بين عدة عواصم عربية، حتى استقر في دمشق حتى مماته .
وقال الدكتور سامح إسماعيل، في حديثه ل “حفريات”، إنّ محنة نصر أبوزيد، لم تكن بأقل من تلك التي واجهها ابن عربي؛ فما بين التكفير النفي، مضى صاحب “مفهوم النص”، في محاولاته لصياغة رؤية مفاهيمية تحترم العقل، ليواصل دراسة التراث برؤية علمية ونقدية، ومحاولة تقديم رؤية تقوم على الحرية والمعرفة؛ فمضى يسائل النص بأدوات المنهج العلمي، ويعيد ترتيب وقائعه، متتبعاً تحولات المعنى، دون أن يعني ذلك، المساس بالسياق الإيماني.
وأضاف: “في سنوات الاغتراب أنجز أبو زيد، بحثه الثاني عن ابن عربي، (هكذا تكلم ابن عربي)، ليطوف رحابه في استفاضة، متلمساً في ظروف المحنة المشتركة، عوامل التلاقي بين عالمين، فيقدم فهماً راقياً لآليات التفكير، التي سادت عصره”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.