قيادة الأصالة والمعاصرة تستقبل جاكوب زوما    إقليم زاكورة يستعد لاحتضان الدورة ال4 للملتقى السنوي للجالية المغربية بالخارج    الرجاء يعزز صفوفه بالحارس خالد أكبيري علوي    صفقة مغربية بطموح آسيوي .. عمراوي إلى الأهلي القطري    شاب مغربي يضرم النار في صديقته القاصر بلاس بالماس    تزنيت تحتضن ندوة وطنية حول المجوهرات المغربية: تثمين التراث ومواكبة تحديات التحديث والتسويق الدولي    هل سيحمي الإسبان دستورهم؟    المغرب، بقيادة جلالة الملك، يؤكد مكانته كقوة اقتصادية صاعدة (رئيس البنك الإفريقي للتنمية)    عملية جراحية تبعد بلينغهام عن ريال مدريد    رئيس سوريا يكشف عن وساطات أوقفت ضربات إسرائيل على بلاده    من الزغاريد إلى الزجر.. زفاف مغربي يُربك المرور في بلجيكا    الذكاء الاصطناعي يساعد على تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة لدى الأطفال    صناعة السيارات: تدشين توسعة مصنع 'ستيلانتيس' بالقنيطرة    وفاة صالح الباشا تحزن الأوساط الفنية    دراسة تكشف أكبر فجوات الأجور في تسع دول غربية متقدمة    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بالمغرب    الحسيمة .. افتتاح المعرض الجهوي للفلاحة بمشاركة 40 تعاونية    وسيط المملكة: تجاوب رئاسة الحكومة مع التوصيات في تصاعد ملحوظ    دراسة تكشف العلاقة العصبية بين النوم وطنين الأذن    القضاء الفرنسي يفرج عن جورج إبراهيم    61 قتيلاً في حريق مركز تسوق بالعراق    بينهم أطفال.. إسرائيل تقتل 17 فلسطينيا في غزة منذ فجر الخميس    ارتفاع أسعار النفط بدعم من انتعاش الطلب والبيانات الاقتصادية الأمريكية    انخفاض جماعي للمؤشرات الرئيسية في افتتاح بورصة الدار البيضاء    تحذيرات من تسونامي بعد زلزال قوي يضرب ألاسكا وزلزال متزامن يهز الفلبين    مسؤول فلسطيني يشيد بالدعم الدائم للمغرب بقيادة جلالة الملك للقضية الفلسطينية    رحيل الأسطورة أحمد فرس.. والملك محمد السادس ينعي "أحد النجوم الكبار" لكرة القدم المغربية    لفضحها الإبادة.. منظمة مغربية تدعم ترشيح ألبانيز لجائزة نوبل للسلام    وفاة أربعيني غرقاً بشاطئ غير محروس نواحي الحسيمة        إسبانيا بين مشروع سانشيز وتهديدات "فوكس" .. الهجرة في قلب المعركة    تاحيف يتعاقد مع أم صلال القطري    المدافع معالي ينتقل إلى نادي الزمالك    بينما تحتفل الجزائر بالتوقيع .. آسيان تشيد بحكمة جلالة الملك    مهرجان الشواطئ ينطلق من المضيق    وفاة شاب في حادث داخل قاعة للرياضة بأزمور أثناء حصة تدريبية    تهنئة : سكينة القريشي تحصل على شهادة الدكتوراه في الإقتصاد والتدبير بميزة مشرف جدا    توقيف فرنسي مبحوث عنه دوليا في الدار البيضاء    لجنة التعليم والثقافة والاتصال تباشر مناقشة تفاصيل مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    وفاة الوزير والسفير السابق عبد الله أزماني خلال عطلة بأكادير    غزلان الشباك ضمن فريق دور المجموعات في "كان" السيدات المغرب 2024    ماذا لو كان للشعب قادة؟؟؟    برقية تعزية ومواساة من جلالة الملك إلى أفراد أسرة المرحوم أحمد فرس    الدورة الثانية لمهرجان العيطة المرساوية تنطلق عبر ثلاث محطات فنية بجهة الدار البيضاء سطات    ارتفاع طفيف في أسعار الغازوال واستقرار في البنزين بمحطات الوقود بالمغرب    المساعدات الدولية للبلدان الفقيرة في مجال الصحة قد تسجل أدنى مستوياتها منذ 15 عاما    كلمة .. وسعوا النوافذ ..ففي البدء كانت الكلمة...    هل تكتب أو تنشر أو ترسم للأطفال؟..الجائزة الدولية لأدب الطفل ترحّب بالمواهب المغربية والعربية.    وزارة الثقافة الفرنسية: المغرب خزان فني في ازدهار مستمر    مسلسل "سيفيرانس" يتصدر السباق إلى جوائز إيمي بنيله 27 ترشيحا    دراسة: تناول البيض بانتظام يقلل خطر الإصابة بمرض الزهايمر لدى كبار السن    دراسة: المشي اليومي المنتظم يحد من خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    الإفراط في النظر لشاشات الهواتف يضعف مهارات التعلم لدى الأطفال    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب «ضد ما بعد الحداثة: نقد ماركسي» لأليكس كالينيكوس
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 16 - 07 - 2025

لم يكن مفهوم ما بعد الحداثة في أول ظهوره يحيل الى منظومة نظرية محددة أو نسق قيمي يعبر عن وعي بظواهر أو تحولات معينة في المجتمع الغربي ، بقدر ما كان يصف بعض الظواهر والتجديدات في حقل الفنون والآداب ، ولكنها سرعان ما أخذت تبحث عما يلائم شكلها ويوحدها نظريا ،فوجدت في فلسفة نيتشه وهيدجر ملاذا وسندا معرفيا ، ثمة صيغتان لما بعد الحداثة ، صيغة توصف بالقوة وتتمثل في القراءة ما بعد البنيوية لنيتشه ، وصيغة أخرى توصف بالرخوة انحدرت من القراءة التأويلية لهيدجر ، وتحولت ما بعد الحداثة منذ ثمانينات القرن العشرين الى مفهوم اشكالي حاضر باستمرار والى ساحة صراع للأفكار المتناقضة بين القوى المختلفة ، وفي ما يبدو أنه نتاج ثقافي تراكم ببطء في المجتمعات الغربية.
يمكننا تأريخ البداية الفعلية لما بعد الحداثة بنهاية الحرب العالمية الثانية ،وقد ترسخت وانتشرت على نحو لافت في أواخر الثمانينات بتفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المنظومة الاشتراكية وتبلور قطبية احادية بهيمنة الولايات المتحدة على العالم ونفوذها الذي فاق النفوذ الاوربي الغربي في سياق تحولات جيوسياسية كبرى ، ان أصول ما بعد الحداثة ناجم عن وضع دولي شائك بعد حربين عالميتين وانبعاث عقائد شمولية فضلا عن السباق على التسلح والتهديد بفناء البشرية.
يصنف المفكرون ما بعد الحداثيين الى ثلاث فئات:
الراديكاليون: ليوتار ، بودريارد ، ايهاب حسن الذين يعتبرون الحداثة من الماضي وإن الثقافة المعاصرة لا تحتمل مقولاتها.
الاستراتيجيون: ميشال فوكو ، جاك ديريدا ، جيل دولوز ..الذين يتخذون من اللغة أو الخطاب أساسا لتحليلاتهم ويرفضون أي صيغة لمفهوم الجوهر الشامل و الكلية والقيم الشمولية.
الحداثيون المتأخرون: يوجين هابرماس ، فريدريك جيمسون الذين يتخذون موقفا نقديا من الأنساق الشمولية ولكنهم لا يرفضون مفهوم الحداثة(1).
جاء كتاب اليكس كالينكوس (ضد ما بعد الحداثة .. نقد ماركسي)…( لتحدي المزاج الغريب من التشاؤم الثقافي والسياسي والمرح المستهتر الذي يبدو عليه كثير من المثقفين الغربيين المعاصرين) (ص 5).
الى أي مدى تستطيع الماركسية الكلاسيكية ،التي يعدّها مثقفو اليمين فضلا عن بعض مثقفي اليسار الجانحين نحو تجميل الرأسمالية نظرية عفى عليها الزمن ، أن تلقي الضوء على مشاكلنا الحالية ؟ سؤال يضعه الباحث عند تحليله لظاهرة ما بعد الحداثة.
وكما يقول ايهاب حسن لقد تجنب الأكاديميون كلمة ما بعد الحداثة لأنهم يتملصون من الكلمات الجديدة الغامضة ولكن أصبح المصطلح عنوانا لاتجاهات في السينما والمسرح والموسيقى والعمارة، وفي الفلسفة واللاهوت والتاريخ والتحليل النفسي . ويبدو أن تلك الدعاوى تخصّ الولايات المتحدة الامريكية أو معظم امريكا الشمالية ، اذ وجدت ما بعد الحداثة بعضا من أكثر المتحمسين في كندا. ويتمتع كتاب جان فرانسوا ليوتار (ظرف ما بعد الحداثة) المنشور في العام 1979 بمكانة في سياق الموجة المذكورة لأنه يجمع أشتاتا من ما بعد الحداثة من فلسفة ما بعد البنيوية ونظرية ما بعد الصناعة، ويميز ليوتار بين الحديث وما بعد الحداثي بالقول (سأستخدم الحديث لأعني به أي علم يشرح نفسه بالاشارة الى خطاب شارح محتكما بوضوح لسردية كبرى) (ص 10). واضح أن هيغل وماركس من بين المؤلفين للسرديات الكبرى وهي تضفي الشرعية على الخطابات النظرية وعلى المؤسسات الاجتماعية ولذا يقوم ليوتار بتعريف ما بعد الحداثة على أنها الشك في السرديات الكبرى ، وربما يكون لذلك التحليل تفسير سياسي هو أن ليوتار كان مؤمنا بنسخة من الماركسية مضادة للستالينية ولكنه تحول في ما بعد الى مناهضة الاشتراكية بديلا وهدفا ، كما يشير الى ظاهرة الفلاسفة الجدد في فرنسا الذين فصلوا القول في أسباب تخلي شباب 1968 عن الماركسية وهم يلتقون مع حجج كتاب ما بعد الماركسية في العقد التالي التي ترى ضرورة التخلي عن الاقتصاد كعامل محدد وعن دور الصراع الطبقي والطبقة العاملة في التحويل الثوري للمجتمع ، اذ أن الماركسي الكلاسيكي كان يؤكد على الصراع الطبقي بوصفه القوة الدافعة للتاريخ والطبقة العاملة بوصفها الحامل الاجتماعي للتحول نحو الاشتراكية ، باعتبار أن الغرب يدخل حقبة ما بعد الحداثة وهي تختلف اختلافا جوهريا عن الرأسمالية في القرن التاسع عشر والعشرين ، ولعل الاندماج بين ما بعد الحداثة وما بعد الماركسية قد عبرت عنه مجلة (الماركسية اليوم ) في ثمانينات القرن الماضي ، اذ كانت من أشد المعارضين للطبقية في اليسار البريطاني والإعلان أننا نعيش في أزمنة جديدة ، في قلب الأزمنة الجديدة التحول من اقتصاد الانتاج الضخم اقتصاد فورد القديم الى نظام ما بعد فورد الجديد حيث الاعتماد على أجهزة الكومبيوتر وتكنولوجيا المعلومات والروبوتات ، إن سمات المرونة والتنوع والتمايز والحراك والاتصال واللامركزية والتدويل آخذة في الصعود ، لذا نحن في مرحلة انتقالية الى حقبة جديدة كما يزعم مفكرو ما بعد الحداثة ، وتبدو ما بعد الحداثة والثورة مترابطين على نحو عكسي ،ولا يقتصر الأمر على الاقتصاد في تلك الحقبة ورفض الثورة الاشتراكية بعدّها أمرا غير ممكن أو غير مرغوب فيه بل يمتد الى القول أن الفشل المتصور للثورة هو الذي ساعد على كسب قبول واسع لهذا الاعتقاد(ص12). ويتعامل ليوتار مع رفض الثورة كمثال لظاهرة أكثر عمومية أي انهيار السرديات الكبرى التي يراها مرتبطة بعصر التنوير ، كان رفض التنوير كثيرا ما يزعم أنه رفض مستلهم من نيتشه ، ربما يكون المثال الكثر شهرة وتعقيدا لهذا التراث النقدي هو كتاب ديالكتيك التنوير لماكس هوركهايمر وثيودور ادورنو الذي صدر في العام 1944 ، لذا يبدو عدم الثقة بالسرديات قديم في الأصل قدم عصر التنوير .. ولكن اذا كانت ما بعد الحداثة تجاوزا للحداثة فما هي ؟ يجيب ليوتار انها جزء من الحداثة ،ان ما بعد الحداثة عنده مرحلة تاريخية من التطور الاجتماعي وكذا الأمر لفنونها فهي استمرار للحداثة ، كما أن ما بعد الحداثة تعطي ظهرها للثورة الاجتماعية وثمة شعور بالنهاية ينتاب المثقفين الغربيين تجلى في الاستخدام الواسع لكلمة ما بعد كصيغة مركبة لتعريف العصر الذي نحيا فيه :ما بعد الرأسمالية ، ما بعد الكولونيالية ، ما بعد الماركسية ،ما بعد البروتستانتية …الخ القطيعة التامة مع عصر التنوير بالنسبة لأنصار ما بعد الحداثة ،هذه الطريقة في التفكير تصور قطيعة ما بعد الحداثة مع التنوير كأمر نهائي وهي تكشف عن العيب الأساسي المتأصل في الحضارة الغربية لقرون ، ربما يكون أكثر الأمثلة على هذا النمط من التفكير هو ما قدمه بعض المفكرين الذين يدعون أنه منذ عهد اوغسطين لم يتغير شيء في الكود العميق والبنيوي للتجربة الغربية ، إن الاحساس بالنهاية الذي يفترض أن ما بعد الحداثة تعبر عنه يفقد أية خصوصية تاريخية ويصبح بدلا من ذلك الحالة المزمنة للحضارة الغربية منذ سقوط روما ، ويرى كل من نيتشه وهيدجر أن الميتافيزيقا الغربية تأسست على خطأ تأسيسي يخترق تاريخها بأكمله ،ويتألف التاريخ اللاحق للفكر الأوربي من تنويعات وتفاصيل لهذا الخطأ التأسيسي الذي يصل الى ذروته عند ديكارت في فلسفة الذات ، ويسلط هابرماس الضوء على التناقض الذي يواجهه نيتشه وهيدجر وخلفاؤهما ولا سيما فوكو وديريدا في استخدام أدوات العقلانية ،يمثل المجتمع الحديث انفصالا جذريا عن الطبيعة الجامدة للمجتمعات التقليدية ،ولم تعد علاقة الانسان بالطبيعة تحكمها الدورة المتكررة للانتاج الزراعي ،تتميز المجتمعات الحديثة بجهودها المنظمة للتحكم في بنيتها المادية وتغييرها وانطلقت الابتكارات التقنية المستمرة لتنتقل عبر السوق العالمية الآخذة في الاتساع وأطلقت العنان لعملية تغيير سريع تشمل الكوكب بأسره لتكون العلاقات الاجتماعية المرتبطة بالتقاليد والمعتقدات الدينية في دوامة التغيير ، التغيرات الكبرى في الانتاج والاضطراب المستمر في الشروط الاجتماعية وضعف اليقين بالمستقبل هو كل ما يميز الحقبة البرجوازية عن العصور السابقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.