قرأت ما كتبه الزميل يوسف ججيلي في «المساء» أول أمس حول غضب الوزير الأول من جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، فكان علي بعد أن نبهنا الزملاء في المساء، السعي لمعرفة المزيد عن الأمر واستطلاع ما جرى في ذلك اليوم بالمجلس الحكومي. وفهمت من وزير صديق أن بعض المسؤولين الحكوميين، وأولهم السيدة ياسمينة بادو، غضبوا بالفعل من مقال نشرناه على الصفحة الأولى حول «اختفاء» بعض المعدات الصحية، مباشرة بعد تدشين جلالة الملك لمستشفى ابن سينا بابن مسيك. ثم أن النقاش قاد الوزراء إلى مواضيع أخرى، ومنها مؤاخذات عباس الفاسي للعبد الضعيف لله على جملة في موضوع نشر ضمن عمود «كسر الخاطر» تحت عنوان «أخبار لا رابط بينها». على كل، من حق الوزيرة ياسمينة أن تغضب من الجريدة إذا نشرت خبرا غير دقيق، أو حتى منحاز ، ومن حقها أن تعاتب أو ترفض أو تلوم أو حتى تهدد وتزجر إذا ما كان المقال غير مناسب،.. السيد الوزير الأول غاضب من الجريدة، وهذا من حقه، بل ربما من واجب التحالف أن يغضب، والوزير الأول يمكنه أن يختار الموضوع الذي يطرح فيه القضية، وكان الأولى لنا جميعا أن يطرح الموضوع مع الجريدة أو مع المسؤولين الاتحاديين في إطار تحالفي..! والوزيرة والوزير الأول من حقهما أن يغضبا، لا سيما إذا جمعتهما جملة في عمود معا. لكن، لنوضح الأمور: لسنا من المنابر التي تجعل من الوزيرة والوزير الأول ثابتا في الهجوم أو متحولا في السياسة. ولسنا من المنابر التي تسعى جاهدة الى القدح أو التقريع، أو البحث عن مثالب مهما صغرت، خطنا واضح وضوح الشمس، والتزامنا أيضا.. هل أخطأنا ممكن؟ هل أخطأ الوزير الأول؟ في الواقع، كان بودي لو أن النبرة الساخرة والمتهكمة في العمود، من كل «صحافي مهم يرفض أن يصدق التكذيب الذي تقوله أية جهة مسؤولة» وصلت إلى متلقيها. لكن يبدو أن الحالة الراهنة والتوجس من الصحافة اليوم، بشكل عام، جعلنا ندفع الثمن في محفل مسؤول. هناك اليوم بالفعل هجوم على الوزير الأول من كل المنابر، والذين عاشوا مع عبد الرحمان اليوسفي تجربته يذكرون أنه لم يسلم من الهجوم الذي وصل أحيانا درجات من الخسة لا توصف، ومن درجات غير مقبولة أخلاقيا. لكن شاءت الصدفة أن يبلغنا الخبر يوم 21 شتنبر 2009. بعد سنتين بالضبط من مقالة - موقف دفاعا عن عباس الفاسي يوم 21 شتنير 2007، ففي صدر الصفحة الأولى من عدد ذلك اليوم،صدرت «لنا كلمة» تحت عنوان «في المنهجية الديمقراطية»، من توقيع العبد الضعيف لله وليس لغيره. يقول المقال «انتصرت المنهجية الديمقراطية وعين جلالة الملك عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال على رأس الوزارة الأولى. وجاء تعيين الوزير الأول ليؤكد عدة عناصر إيجابية، في الشكل والجوهر، أولها التزام جلالة الملك، بتعيين وزير أول من الأغلبية السياسية المنبثقة عن صناديق الاقتراع الذي سبق الإعلان عنه في خطاب 2005، وبالتالي تلاشت كل السيناريوهات وال«خطط» التي كانت توضع كمستقبل قريب للمغرب وللمغاربة. ومن ذلك أن العديد من الكتابات، التي لا تكون دوما بريئة، «عينت» وزراء أولين وأبعدت آخرين، حتى من قبل أن يصدر القرار الملكي، كما ينص على ذلك الفصل 24 من دستور البلاد. ومن هذه الزاوية، يكون الملك، باعتباره الممثل الأسمى للأمة، قد احترم استقلالية الحزب الذي حصل على الأغلبية، وكرس الأعراف التي تجعل من أمينه العام هو الناطق الرسمي باسمه وممثله لدى القواعد ولدى شعب الناخبين، وظهر أن المغرب يمكنه أن يدخل السلاسة الديمقراطية، ويخرج من التوليفات (المونطاج) السياسية التي تعطل الكثير من المؤسسات الضرورية للديمقراطية، ومنها الأحزاب. وقد سار القرار الملكي، ليس فقط في مجرى المنطق الديمقراطي، بل في مجرى الناخب الذي اختار حزبا وطنيا عريقا ومتجذرا في تربة بلاده، معروفا بسلفية مؤسسيه الوطنية والمتفتحة، وضد التنبؤات التي وضعت سيناريوها وحيدا للاقتراع في الوطن. لقد سبق أن أسالت المنهجية الديمقراطية، كما صاغها بيان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية غداة تعيين ادريس جطو وزيرا أول في 2002، الكثير من المداد، كما أن مياها كثيرة أسِنت تحت جسر السياسة، وجسر المشاركة الانتخابية منذ تلك الفترة، ونعتقد، بغير قليل من الجزم أن القرار الأخير، والطبيعي في دولة تسعى إلى البناء الديمقراطي التام، سيحرك هذه المياه ويعيد الى التداول السياسي كل معناه، على الأقل في مستواه المنظور. وقد اتفقت الكثير من التحاليل، داخل الوطن وخارجه، على أن نسبة المشاركة والحماس والانخراط المواطن تأثرت كثيرا بتعيين الوزير الأول من خارج الأغلبية، بل ذهبت العديد من التحليلات إلى أن الخروج عن المنهجية المذكورة كان عنصر تعطيل للحياة السياسية بالنسبة للمواطن الناخب، الذي شعر، بالإضافة إلى ذلك أن «شيئا ما زائد عن الحاجة في المملكة». ومن هنا يرى المحللون سبب الغضب من الحياة العامة. وبما أن الديمقراطية في السياسة هي «تقليص عدد الغاضبين»، فإن من المتوقع أن عودة المنهجية الديمقراطية يمكن أن تساعد على علاج جزء من هذه الظاهرة. في تعيين الأستاذ عباس الفاسي، أيضا انتصار للكتلة الديمقراطية، التي تقدمت الى الناخب المغربي كتحالف متين ومتماسك وبخطاب سياسي موحد، وصيغة للعمل الحكومي المرتقب، مشتركة بدورها. ويتضح الآن، أنها المرة الأولى التي يعين الوزير الأول في بلادنا والجزء الأساسي من برنامج حكومته معلن في برنامج ثلاثية سياسية، تشكلت من حلفاء حزبه. وكما أعلنا عشية الانتخابات، فإن الكتلة تقدمت ببرنامج إلى الناخبين يلزمها ويلزم مكوناتها، وبالتالي يضع نوعا من الوضوح في الخريطة السياسية وفي المستقبل السياسي المنظور. وعندما جعلها الناخب المغربي القوة السياسية الأولى، الى جانب مكونات الأغلبية، فقد وضع أيضا ورقة التصويت لفائدة هذا الوضوح وإلى جانب الالتزامات المعلنة والمعروفة. نحن إذن نتمرس على ممارسة السياسة في سياقها العادي وبدون «عنصر المفاجأة»، ولعلها أسلم الطرق في الطريق المؤسساتية، ويبقى أن يعزز التعيين، الذي رفع من قيمة الاقتراع بالرغم من مخاوف الانخراط الضعيف، بحكومة قوية تضع القرار الحالي في نسق الارتقاء بالعمل التنفيذي وتجاوز الوضع الذي خلفته اقتراعات 7 شتنبر، بما يتوافق مع تطلعات المغاربة وانتظاراتهم ». ولا أذكر أن أية جريدة، دافعت هذا الدفاع الواضح عن تعيين الفاسي كوزير أول، ولا أذكر أيضا أن جريدة ما، أية جريدة دافعت عنه أمام دعوة امحند العنصر إلى تعيين وزير أول محايد، لأنه يرى أن «الحياد شرط في إجراء الإصلاحات الدستورية المطلوبة». وقتها كتبنا بوضوح، وفي نفس العمود «في كلام الأمين العام لاتحاد الحركات الشعبية ما يفيد بأن هناك منطقا وراء هكذا مطلب. المعروف بأن في صلب المطالب الإصلاحية في المغرب اليوم، والتي جاءت بعد التطور الإصلاحي الكبير الذي راكمه العهد الجديد، يوجد مطلب الوزير الأول وتقوية دوره ووجوده. ومن قوة الوزير الأول، أن يكون من الأغلبية السياسية التي تسانده، والتي تكون مسنودة بأغلبية شعبية وسند شعبي واضحين. فقوته إذن ليست فردية، أو بدنية يحصل عليها من مساره الأكاديمي أو من تردده على قاعات الكمال الجسماني! الحياد الذي يدعو إليه العنصر تاكتيك سياسي لإضعاف الحكومة أو إسقاطها، بعد أن كان يريد المشاركة فيها، طبعا فتم «تحييده» منها. وهو بذلك لا يحمل مطلبا إصلاحيا إلا لكي يدكه بالسياق السياسي.. ما الفرق بين الدعوة إلى وزير أول محايد، قبيل الانتخابات القادمة ووزير أول تقنقراطي بعد الانتخابات القادمة؟ لا فرق في الجوهر.. الفرق فقط في التوقيت...». وكان ذلك موقفنا، وهو يقوم أيضا على الوضوح السياسي ذاته، ولم ولن نطلب جزاء ولا شكورا. نطلب أحيانا فقط مسحة من السخرية لإدراك ما نريده، أو التنسيب المهني الذي يجعل أي خبر، حتى ولو كان قاسيا، مجرد عمل مهني يحكمه القانون المهني وليس الخفايا السياسية المفترضة أو المتوهمة! وفي الأخير، لم نضع أية مقارنة، بل نعتبر أن هذا التوضيح كاف..