رغم تحفظات المجتمع، ووضوح الموقف الديني، وتفاقم الأزمات الاجتماعية، يواصل قطاع القمار في المغرب توسعه الصامت تحت غطاء قانوني وإعلامي ناعم. من "اللوطو" إلى "طوطوفوت"، أصبح القمار جزءًا من منظومة تدرّ ملايين الدراهم شهريًا، بينما تُلحق أضرارًا هائلة بالنسيج الاجتماعي والنفسي للمغاربة، خصوصًا الفئات الهشة. ففي الوقت الذي تجرّم فيه العديد من الدول العربية والإسلامية القمار أو تقيّده بشروط صارمة، نجد أن المغرب اختار مسارًا مختلفًا: تقنين القمار وتوسيعه وترويجه. شركات تنشط تحت غطاء قانوني رسمي، وتُخصص لها مساحات إعلانية واسعة، سواء في الشارع أو على الشاشات أو عبر الإنترنت. لكن خلف كل هذا اللمعان، تقبع حقيقة سوداء: القمار في المغرب ليس مجرد لعبة حظ، بل هو نظام اقتصادي رمادي يستنزف المواطنين ويغذي جيوب قلة قليلة من المستفيدين. ضحايا هذه المنظومة هم في الغالب من الشباب، والعاطلين عن العمل، والطبقات الفقيرة التي تتشبث بأي خيط أمل للهروب من واقعها المعيشي الصعب. يُغرَون بشعارات مثل "اربح الآن" أو "اضرب الضربة" أو "الفرصة لا تعوّض"، بينما تنتهي رحلتهم غالبًا في الإفلاس، الإدمان، أو التورط في الديون. فالقمار ليس مجرد لعبة، بل إدمان حقيقي معترف به عالميًا، يسبب اضطرابات نفسية، وعزلة اجتماعية، وانهيارات عائلية لا تُحصى. لا توجد في المغرب شفافية حقيقية حول أرقام المقامرين، ولا حول حجم الأرباح والخسائر، ولا عدد ضحايا الإفلاس بسبب القمار. لكن المؤشرات تدق ناقوس الخطر: مئات الملايين من الدراهم تُصرف شهريًا على ألعاب الحظ. شباب في عمر الدراسة يتعاطون القمار الإلكتروني عبر هواتفهم الذكية. إنه نزيف اقتصادي خفي يتغذى على هشاشة الناس، وينمو تحت أعين المؤسسات التي تبرر الأمر بأنه "تمويل للرياضة" أو "ترفيه مسؤول"، بينما الواقع غير ذلك تمامًا. القمار في المغرب لم يعد "لعبة للترفيه" بل مؤسسة لنهب الضعفاء باسم الحظ، واقتصاد هشّ يعيش على أحلام الناس، ويدفعهم إلى الغرق أكثر في الفقر والضياع. والمؤلم أن هذه الصناعة تتوسّع تحت غطاء "قانوني" يجعل من المستحيل محاسبة المسؤولين عنها، أو حتى انتقادها في الإعلام. القمار في المغرب اليوم هو تطبيع للفقر، وتسويق للوهم، وإعادة إنتاج للبؤس، وليس ترفيهًا، ولا تنشيطًا للاقتصاد، بل جريمة اجتماعية مغلفة بالضوء والإعلانات. وما لم يُتخذ موقف واضح وحاسم، فإن جيلًا كاملًا سيكون ضحية هذا الانزلاق الأخلاقي والاقتصادي الذي يجري في صمت.