تخصص هذه الجائزة من قبل أكاديمية النقائش والآداب الجميلة بباريس سنويا إلى برنامج للتعاون الدولي بالنظر إلى النتائج العلمية المحصل عليها والانخراط المنهجي لفريق البحث في الميدان. وتأتي هذه الجائزة المرموقة تتويجا لأكثر من عشر سنوات من الأبحاث التي خصصت من قبل البعثة الأثرية لاستكشاف موقع إيكيليز، أحد المواقع التاريخية التي ترجع إلى الفترة الإسلامية، ويتميز بأهمية كبرى، ليس فقط بالنسبة للمغرب الوسيط، وإنما للغرب الإسلامي بأكمله. ويقع جبل إيكيليز بالأطلس الصغير، في منطقة هامشية جدا جغرافيا، إلا أنها بقيت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتاريخ السياسي والديني للمغرب إذ أدى، كمركز رئيسي للزهد والتعبد والرباط، إلى ظهور حركة دينية واسعة عند مطلع القرن 6 الهجري الموافق ل 12 الميلادي تزعمها ابن تومرت،أحد أبناء المنطقة، وتمثلت في ما يعرف بالإصلاح الموحدي. هذا الأخير أدى إلى تشكل الإمبراطورية الموحدية، أكبر إمبراطورية إسلامية سادت في العصور الوسطى من أبواب الصحراء إلى الجزء الغربي من حوض البحر الأبيض المتوسط، ومازالت تشهد على قوة سلطانها وإشعاع حضارتها معالم عريقة بكل من مراكش والرباط وإشبيلية وغيرها من الحواضر والبوادي بكل من بلاد المغرب الكبير والأندلس. وإذا كانت الفترة الكلاسيكية في تاريخ الإمبراطورية الموحدية معروفة، فإن الأمر يختلف اختلافا بينا عند تناول ظروف نشأتها وظهورها على الساحة السياسية للمنطقة. وارتباطا بذلك، يبقى الهدف من هذه البعثة الأثرية المغربية- الفرنسية هو دراسة البدايات الأولى للحركة الموحدية بموقع إيكيليز، وتتبع الخطوات الأولى لتكوينها والظروف العامة المؤدية إلى بروزها ثم تحولها من حركة دينية إلى زعامة سياسية تقود مشروعا وحدويا لم يسبق للمنطقة أن عرفت مثله. انطلقت الحفريات الأثرية بالموقع في سنة 2009، أي خمس سنوات بعد اكتشافه (2004)، تحت إشراف الأساتذة السادة أحمد صالح الطاهري (المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط)، وعبد الله فلي (جامعة شعيب الدكالي بالجديدة) وجان بيير فان ستايفل (جامعة السوربون بباريس)، بدعم من مؤسسات مغربية (المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث التابع لوزارة الثقافة وجامعة شعيب الدكالي)، وأخرى فرنسية (كاسا دي فلاثكيث بمدريد ووزارة الخارجية والتعاون، وقطب جامعات السربون، ووحدات البحث المختلطة 8167 و 7209 بباريس، و 5648 بليون، إضافة إلى مختبر Resmed Labex ومركز جاك بيرك للعلوم الإنسانية والاجتماعية، و(المعهد الوطني للأبحاث الأركيولوجية الوقائية). وبالنظر إلى البقايا الأثرية للموقع، خاصة تلك التي تعود إلى العصر الوسيط، فإن إيكيليز يشكل موقعا مثاليا لتتبع الحياة اليومية، ليس فقط لمجتمع مكون من الفلاحين والمحاربين بالمناطق الجبلية، ولكن أيضا لدراسة مسلسل تشكل القوى وعملية التثاقف الديني بالمناطق ما قبل الصحراوية للمغرب. وفي هذا الصدد، سطرت البعثة الأثرية بشراكة مع المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي، ممثلا بوحدة البحث المختلطة 7209 بباريس والمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي، فصلا علميا طموحا يركز على استغلال الموارد الطبيعية من قبل ساكنة الموقع خلال الفترة الوسيطية. وستسمح هذه الجائزة الممنوحة من قبل مؤسسة سيمون وتشينو ديل دوكا للبعثة الأثرية ببدء أعمال المحافظة والصيانة ورد الاعتبار للآثار المتبقية بالموقع، وفي الوقت نفسه ستمكن فريق البحث من الاستمرار في دراسة العلاقة بين الموقع الأثري وبيئته. من جهة أخرى، تفتخر البعثة بالثقة، التي حظيت بها أخيرا، من قبل مديرية التراث الثقافي التابعة لوزارة الثقافة للمملكة المغربية التي أخذت على عاتقها، بتعاون وشراكة مع الجماعة المحلية لتغمرت، بناء دار للآثار قبالة الموقع الأثري، مضيفة بذلك لبنة إلى هذا المشروع الطموح الذي يجمع بين البحث والحفاظ والتنمية المستدامة.