حذر إدريس الكراوي، أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة محمد الخامس، والأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، من الأزمة التي تعرفها الإدارة المغربية في إنتاج النخب الإدارية القادرة على إدارة الشؤون العامة للدولة. واعتبر الكراوي، في ندوة نظمها المركز العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية في موضوع «النخب وأسئلة الحداثة والتغيير»، أول أمس في الرباط، أن الإدارة العامة للدولة تعرف صعوبة إنتاج موظفين سامين يسهرون على الإدارة العامة للدولة، بما فيها الإدارة الترابية، في المستوى الذي عرفه المغرب في سنوات السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، حيث سجّل أن «ما تمت معاينته، من خلال دراسة حول النخب، يوحي بأنه على صعيد الإدارة العامة للدولة هناك أزمة لتأطير إداريّ في مستوى ما هو متعارَف عليه على صعيد المعايير الدولية لتدبير الشأن المحلي أو الشأن المركزي». وأكد الكراوي أنّ «من بين التحديات الكبرى التي يعرفها المغرب اليوم وجود أزمة حقيقية لإنتاج وإعادة إنتاج نخب سياسية في مستوى تنظيمي وبرامجي يتماشى مع حدة وطبيعة التحديات السياسية والمؤسسية التي تعرفها بلادنا، وهو الأمر الذي ينطبق على الحقل النقابيّ، الذي يؤكد اليوم أننا في حاجة ماسّة إلى جيل جديد من النقابات والنقابيين بفعل الأزمة التي يعيشها هذا الحقل، رغم ديناميتيه الحالية». وسجل الأستاذ الباحث في العلوم الاقتصادية وجود تحول من عقلانية مقاولاتية مبنية على المضاربة والريع والاحتكار في إطار تدبير امتيازيّ وعلاقات فاعلين اقتصاديين مع السلطة المركزية وما يتولد عنه من حقوق مضمونة وامتيازات، إلى عقلانية بدأت تنخرط تدريجيا في شبه منافسة نزيهة وبناء اقتصاد يتأسس على الاستحقاق والمخاطرة الحقيقية وعلى الإيمان بالإبداع والابتكار. وفي السياق ذاته، أوضح الكراوي أن «الدراسة التي أجريت على النخب أوضحت أنّ من بين المشاكل التي عبّرت عنها النخب الاقتصادية الجديدة، والتي تشكل مصدرَ تعثر لتوسيع مجالها، هو كون منطق الريع والامتيازات لا يزال قائما، وهذا يحُول دون توسيع رقعة النخب الاقتصادية الجديدة، إضافة إلى ظاهرة الرشوة والبيراقراطية وتعقد المساطر ومحدودية السوق الداخلية والمناخ العامّ لما آلت إليه البنيات التحتية الضرورية للمقاولة». من جهته، اعتبر الباحث السوسيولوجي عبد الرحيم العطري أنه «رغم توفر المغرب على مؤسسات عصرية فإنّ الجوهر يبقى تقليديا».. حيث أكد «وجود عسر في الانتقال من القبيلة إلى الدولة ومن التقليد إلى الحداثة، وهو ما يجعلنا نظل، في كثير من الأحيان، نعيد إنتاج مجتمع «البين بين» والمجتمع البرزخيّ، الذي لا ينتمي إلى الحداثة كليا ولا هو ينتمي إلى التقليد كليا». وأوضح العطري أن «الأعيان يعانون اليوم من مزاحمات ومنافسات جديدة، حيث انضاف الفاعل الجمعويّ والسياسي والفاعل الإلكتروني والفاعل المحتجّ والمرأة التي أصبحت تقود الحركات احتجاجية.. وبالتالي فالعينية اليوم لم تعد تشتغل لوحدها في ملعبها السياسي»، لكن المفارقة التي يبرزها العطري تتمثل «في ارتفاع الطلب السياسي على الأعيان عشية كل كرنفال انتخابيّ، وحتى من طرف الأحزاب التي يمكن أن توصف بكونها الأكثرَ تقدمية أو سياسية، والتي لا تجد حرجا في أن تستنجد بالعين، لأنه قد يعبّد لها الطريق نحو المقاعد والكعكعة الحكومية»..