في الأسبوع الماضي أجريت انتخابات للرئاسة في سوريا، والرئيس الأسد انتخب بأغلبية "ساحقة".. نكتة السنة. قبل نحو أسبوع من ذلك، انتخب الجنرال السيسي رئيسا لمصر بأغلبية ساحقة. هذه لم تكن على الإطلاق نكتة. يدور الحديث عن نتيجتين مختلفتين تماما للأحداث التي بدأت قبل نحو ثلاث سنوات ونصف في العالم العربي، وسميت في البداية، على سبيل الخطإ، باسم "الربيع العربي". وقد رمز التعبير إلى الآمال الأمنية، الأوربية والأمريكية، في أن تسقط الأنظمة الدكتاتورية وتوشك أنظمة ديمقراطية على القيام أو، على الأقل، أنظمة تكون فيها الديمقراطية قيمة عليا. ولاتزال إدارة أوباما تعتقد ذلك؟ لا يصدق، ولكن في خطابه الشهير أمام خريجي وست بوينت قال الرئيس الأمريكي الأقوال التالية: "الهزة في العالم العربي تعرض الاحتمال بعيد المدى لحكم يستجيب (لمطالب الجمهور) وحكم أنجع". إذا ما ألقينا نظرة على نتائج الهزة التي عصفت بقسم من العالم العربي حتى اليوم، سنتبين ظاهرتين مركزيتين: الأولى، باستثناء مصر الشاذة، في كل الدول التي كانت فيها هزة يوجد الحكم في حالة تفكك، ومعه الدولة؛ والثانية، الإرهاب الإسلامي المتطرف استوطن قلب العالم العربي. في تونس يوجد حكم هزيل جدا؛ في ليبيا لا يوجد عمليا حكم، وميليشيات مختلفة تسيطر في الدولة وأمامنا دولة فاشلة في عملية تفكك. وهو الحال في اليمن، حيث تنقسم الدولة بين مؤيدي الرئيس ومؤيدي القاعدة وجناح شيعي. في العراق، هناك بدأت الهزة عمليا قبل أكثر من عقد (بعد سقوط صدام حسين)، لا يوجد حكم ناجع، والدولة منقسمة عمليا إلى دولة كردية، شيعية وسنية؛ والآن لسوريا. عندما نقول إن الأسد انتخب لولاية ثالثة كرئيس فالمقصود هو أنه "انتخب" في المنطقة التي يسيطر فيها. ويدور الحديث عن قاطع يمتد من دمشق شمالا إلى مدينة حمص، ومن هناك غربا إلى شاطئ البحر المتوسط، وشمالا على طول الشاطئ حتى ما فوق مدينة اللاذقية.. قسم صغير من دولة سوريا. باقي الأرض، كل الشمال والشرق تقريبا، يوجد تحت سيطرة مجموعات مختلفة من الثوار، ممن أقاموا إمارات، بينما توجد أيضا دولة كردية صغيرة.. معظم معابر الحدود لما كانت ذات مرة دولة سوريا توجد تحت سيطرة الثوار. كما توجد في أيديهم آبار نفط. أما السيطرة في "دولة بشار الأسد" فتتاح بسبب مساعدة إيران وحزب الله، وتأييد روسي متين. ما يميز كل الدول التي وصفناها (وتونس بقدر أقل) هو أن أيا منها لم تكن في الماضي دولة قومية مع حكم مركزي قوي. مصر تبرز في استثنائها، فهي استثنائية، وهي تقف في خلاف قطبي مع سوريا. ليس صدفة، على ما يبدو، أن يوجد لدينا اتفاق سلام مع مصر، وليس مع دولة مثل سوريا. لقد اجتازت مصر في الهزة جولة التفافية كاملة: بدأت بإسقاط رئيس دكتاتوري، انتقلت إلى حكم الإخوان المسلمين، والآن تعود إلى حكم دكتاتوري ("حكمٍ ديمقتاتوريٍّ"، أي ذي وجه ديمقراطي ومضمون دكتاتوري) في صورة الجنرال السيسي. فهل سينجح في تلبية التوقعات الهائلة التي يعلقها عليه الشعب المصري، وكلها في المجال الاقتصادي والاجتماعي؟ هل سينجح الأسد في مواصلة البقاء وتوسيع نطاق سيطرته في ظل تشديد المذبحة؟ أسئلة جيدة. الواضح هو أن الإرهاب الإسلامي المتطرف نقل مركزه من أفغانستان والباكستان إلى ما كان ذات مرة دولة سوريا وشبه جزيرة سيناء. في هذا تكمن المخاطر لدولة إسرائيل، كنتيجة للهزة، إلى جانب عدم يقين شديد بالنسبة إلى المنطقة؛ وهنا، أيضا، اختلاف هائل بين مصر وسوريا: مع السيسي مضمون لإسرائيل تعاون ضد الإرهاب في سيناء؛ أما في الشمال، فكل أزعر رجل. عن معاريف الأسبوع