سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التازي: «الثلث الناجي» كان يسمح للإدارة بالتزوير لصالح الوزراء والأعيان الراسبين في الانتخابات قال إن خالد الجامعي ندد بتزوير الانتخابات فقال له البصري: «شكون انت؟»
عبد الحق التازي واحد من أول دفعة مهندسين استقبلهم مغرب ما بعد الاستقلال، ليجد نفسه يُهندس سياسات المغرب إلى جانب الحسن الثاني، بدءا من وضع أول تصميم خماسي للمغرب المستقل، إلى الانغماس في السياسة والوزارة، فكان شاهدا على مغرب ما بعد الاستقلال، بكل الآمال التي عقدها المغاربة عليه، والآلام التي تكبدوها من جراء الاصطدام بين القصر والحركة الوطنية. فوق «كرسي الاعتراف»، يكشف عبد الحق التازي العديد من التفاصيل الصغيرة التي كانت فاعلة في قرارات كبيرة، وظلت طي الكتمان، خصوصا وأنه جمع، بتناغم كبير، بين انتمائه إلى حزب الاستقلال وقربه من الحسن الثاني الذي ظل على اتصال دائم به في عدد من الملفات الدقيقة والحارقة، أيام كان التازي كاتبا للدولة في الشؤون الخارجية. بتلقائية كبيرة، وبدون لغة خشب، يتحدث التازي عن الحسن الثاني الذي أعلن للاستقلاليين أنه ينتمي إلى حزبهم، وعن «صفقات» حزب الاستقلال مع القصر، مثل تأسيس الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والاتحاد العام لطلبة المغرب، وما راج عن قبول الحزب تزوير انتخابات 1977، وكيف هدد أوفقير باغتيال علال الفاسي الذي رفض استقلال موريتانيا عن المغرب، وحقيقة اختيار الحسن الثاني امحمد بوستة خلفا لعلال الفاسي، والعديد من الخبايا التي لا تتوقف عند تجربة التناوب بل تتجاوزها إلى ما يعيشه حزب الاستقلال حاليا وإلى من «صنع» حميد شباط. – اِحك لنا عن تفاصيل تأسيس الكتلة الديمقراطية من حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي والاتحاد الوطني للقوات الشعبية؟ لقد كنت عضوا في الهيئة العليا للكتلة التي أشرفت على تتبع وتنسيق أشغال اللجن المشتركة الموكول إليها تحضير المواقف ومشاريع المذكرات التي توجه إلى الملك بخصوص الإصلاحات السياسية والدستورية كما تراها أحزابنا. ترأست عددا من اللجن باسم الحزب إلى جانب إخوة من اللجنة التنفيذية، وكنا نعمل كفريق متكامل مع عدد من الإخوة في قيادات أحزاب الكتلة، أذكر منهم عن الاتحاد الاشتراكي فتح الله ولعلو ومحمد جسوس وعبد القادر باينة وعبد الواحد الراضي، وعن التقدم والاشتراكية المرحوم علي يعتة والأستاذ إسماعيل العلوي، وعن منظمة العمل محمد بنسعيد آيت يدر ومحمد المريني الذي التحق في ما بعد بالاتحاد الاشتراكي. في هذه اللجن، اختمرت الأفكار التي عبرت عنها المذكران اللتان رفعتهما الكتلة إلى الملك الراحل الأولى في 19 يونيو 1992 والثانية في 23 أبريل 1996. – هل تعتبر أن مذكرة الكتلة الأولى في 1992 جاءت لتأكيد مطالب الإصلاح التي تضمنتها مذكرة الاستقلال والاتحاد في أكتوبر 1991؟ بكل تأكيد، كان تشكيل الكتلة الديمقراطية، في حد ذاته، ثمرة لعملنا المشترك، تم تدعيمه بانخراط باقي مكونات الكتلة في مشروع وطني جماعي ساهم في بنائه، إلى جانب حزبينا، إخوانُنا في التقدم والاشتراكية ومنظمة العمل والاتحاد الوطني. مذكرة الكتلة في 19 يونيو 1992 ركزت على مطالب أحزابنا في مجالي الإصلاح الدستوري وإرساء مؤسسات سليمة، وانصبت مقترحاتنا على قضايا الحقوق والحريات وضبط العلاقات بين السلطات وإحداث مؤسسات دستورية جديدة، كالمجلس الدستوري والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجالس العليا للأمن والدفاع والتربية والتكوين والإعلام. إن هذه القضايا هي نفسها التي كانت مذكرة حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في أكتوبر 1991 قد بنت عليها مقترحاتها الكفيلة بترسيخ نظام الملكية الدستورية الديمقراطية والاجتماعية، أولا بتغيير الدستور بما يقوي السلطة التشريعية ويؤكد مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب ويعزز دور الوزير الأول؛ وثانيا بالتهييء لإجراء انتخابات سليمة باستتباب مناخ سياسي يعيد الثقة وطي صفحة الماضي ومخلفاته واستئناف الحوار الاجتماعي ومحاربة الفساد الإداري ودمقرطة وسائل الإعلام العمومي وإحاطة الانتخابات بالضمانات الضرورية للنزاهة. – إلى أي حد تجاوب دستور 1992 مع هذه المطالب؟ في الحقيقة، دستور 1992 تجاوب مع العديد من مقترحاتنا وإن كان قد حافظ، بالنسبة إلى تشكيل مجلس النواب، على ما تعارفنا على تسميته بالثلث الناجي (المنتخب عن طريق الاقتراع غير المباشر) الذي يسمح للإدارة بإنقاذ الوزراء والأعيان الراسبين في الاقتراع المباشر، بالتزوير لفائدتهم في الاقتراع غير المباشر الذي كان دائما وسيلة السلطة للتحكم في صنع الخريطة السياسية؛ كما أحدث هذا الدستور المجلس الدستوري الذي دعونا إليه، وكذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ولكنه غض الطرف عن الكثير من مقترحاتنا المهمة الأخرى، ولاسيما تلك المتعلقة بإحداث مؤسسات دستورية وتدقيق الفصل 35 بشأن إعلان حالة الاستثناء والرقابة العليا على الأموال العمومية بدسترة المجلس الأعلى للحسابات وإحداث مؤسسة مستقلة للإشراف على الانتخابات ترأسها أحمد رضا اكديرة. – في 22 أكتوبر 1993، سيعرض الحسن الثاني على أحزاب الكتلة المشاركة في الحكومة، وهو العرض الذي أجابت عنه المذكرة الثلاثية في فاتح نونبر 1993، باستثناء التقدم والاشتراكية، في ما نعته مولاي إسماعيل العلوي، في الحوار الذي خص به «المساء» في «كرسي الاعتراف»، ب»نزعة إقصائية» من الاستقلال والاتحاد؛ ما هو تفسيركم لما حصل؟ حزب التقدم الاشتراكية كان قد بدأ يبتعد في هذه الظروف عن الموقف المشترك، ومن ذلك موافقته على دستور 92 الذي قررنا في الكتلة ألا نزكيه. ولا بد أن نستحضر أن البلاد شهدت انتخابات تشريعية مباشرة وغير مباشرة، وهي الانتخابات التي خيبت آمال الشعب المغربي وأحزابنا التي ثابرت على امتداد سنتين من أجل تهييء الشروط السياسية والقانونية لوضع الإصلاح المنشود على أسس متينة، وللأسف الشديد فسلوك الجهاز الحكومي كان منافيا للالتزامات الملكية ومعاكسا للجهود التي بذلت، وذلك ما سجلته المذكرة الثلاثية التي أكدت أن الحكومة الكفيلة بوضع المغرب على سكة التغيير عليها أن تكون حكومة مسؤولة وقوية ومنسجمة ومتضامنة لتقوم بدورها كاملا، والمرحوم علي يعتة كان له، في ما يبدو، رأي آخر يتوجه نحو قبول العرض الملكي رغم كل ما حصل من تزوير فادح في الاقتراع غير المباشر بالنسبة إلى 111 عضوا في مجلس النواب من الوزراء والأعيان الذين رسبوا في الاقتراع المباشر، وهو ما نددتْ به وبقوة كل المنابر الإعلامية، وخاصة رئيس تحرير جريدة «لوبنيون» الأخ خالد الجامعي الذي استدعاه وزير الداخلية والإعلام ادريس البصري ليؤاخذه على ما كتبه من أن الانتخابات التي مرت في المغرب كانت مزورة منذ عشرين سنة، مستقبلا إياه ب»شكون نتا» عنوان الرسالة الشهيرة التي نشرها خالد الجامعي بعد ذلك الاستقبال. – كانت تلك صيغتكم اللبقة لرفض العرض الملكي؟ كانت صيغة لتأكيد الموقف الثابت وتجديد التعبير عن المداخل الحقيقية لتصحيح ما أفسده الجهاز الحكومي في عملية الانتخابات ومواصلة الإصلاحات الدستورية والسياسية.