لا يزال التوصل إلى حل للأزمة الليبية مستعصياً على الأطراف المتناحرة في البلاد منذ أربع سنوات. واستفحلت الأزمة بشكل بات من الصعب لمّ شمل الفرقاء لوضع حد للصراع الدامي، الذي أعقب الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي. وفي الوقت الذي تعذّر التوصل إلى حلول توافقية، عملت المجموعات المتنافسة على الحصول على مزيد من الأسلحة، مما عقّد الوضع الأمني، وباتت الجهود السياسية لا تلقى آذاناً صاغية من قبل أمراء الحرب في ليبيا، إلا أن سياسيين من الطرفين يقولون إن تنامي خطر تنظيم «داعش»، والمجموعات المسلحة الأخرى، وانهيار الاقتصاد الليبي، قد تجر البلاد إلى الهاوية. اختارت الفصائل الليبية القتال بدلاً من تقديم تنازلات متبادلة فيما بينها لملء الفراغ الذي تركه سقوط القذافي. وبعد أربع سنوات من الصراع، انقسم الفرقاء إلى ميليشيات متحاربة، وأقاموا «دولاً في المدن»، ويعتقد كل فريق منهم أن الأمل الوحيد للبلاد للخروج من أزمتها هو تحقيقه انتصاراً عسكرياً على الطرف المقابل. في حين أبدى عدد متزايد من السياسيين، على جانبي الصراع، قلقه إزاء تهديدات تنظيم «داعش»، إضافة إلى الانهيار الوشيك للاقتصاد، وهو ما دفع الليبيين إلى البحث عن حلول للخروج من هذه الدوامة. وخلال لقاءات مع قياديين في خمس مدن ليبية، أكد السياسيون الليبيون، الذين التقتهم «نيويورك تايمز»، أنه «لا مفر من حوار سياسي جاد، وأبدوا استعدادهم للمشاركة فيه دون شروط مسبقة»، داعين إلى تقديم تنازلات. وفي ذلك يقول فتحي بشاغة، وهو رجل أعمال يقود فصيلاً في مصراته: «إنه الإدراك بأن ليبيا في خطر»، موضحاً: «ليس بوسع أحد أن ينتصر في هذه المعركة. لدينا طريق واحد فقط للنجاة، يتمثل في تشكيل حكومة وحدة وطنية». أما المشرّع الليبي النافذ، أبوبكر بعيرة، الذي انحاز إلى المعارضة في مصراته، فبات يرى أنه حان الوقت «لانتشال الشعب الليبي من المعاناة». وتعطي هذه الجهود بصيص أمل لمحادثات المصالحة في الجزائر، التي ترعاها الأممالمتحدة، إلا أن المشاركين في الحوار يواجهون صعوبات، منها تمسك بعض الفصائل المتشددة بمواقفها وعدم استعدادها للتنازل، فضلاً عن الطموحات الشخصية لبعض السياسيين وقادة الفصائل الميدانيين، وحالة عدم الثقة بين الأطراف الفاعلة في ليبيا. وفيما تحذّر «الحمائم» من كارثة وشيكة، تستمر «الصقور» في التقليل من حجم التهديدات، ويؤكد كل فريق أن انتصاره العسكري هو الحل الدائم للأزمة. ويمتلك كل فريق من الفريقين المتناحرين في ليبيا حكومة خاصة به، ويعاني كلا الفصيلين خلافات وانقسامات داخلية. وقد تحالف «ثوار الزنتان» مع الجنرال خليفة حفتر من أجل وقف نفوذ ثوار مصراته. وخلّفت المعارك التي تدور منذ سنوات بين فصيل مصراته، الذي يسيطر أيضا على طرابلس من جهة، وفصيل بنغازي و»ثوار الزنتان» من جهة أخرى، نحو 3000 قتيل، في حين اضطر أكثر من 400 ألف إلى النزوح داخلياً أو الهجرة إلى الخارج، وفقاً لتقرير حديث لمنظمة الأممالمتحدة. وفي الوقت الذي تراجعت عائدات النفط إلى مستويات غير مسبوقة، ارتفع الإنفاق من قبل الفصائل المسلحة التي تسيطر على السلطة، لتصل إلى 24 مليار دولار في 2014، متضاعفة ثلاث مرات عن الميزانية السنوية في عهد القذافي. وتواجه ليبيا عجزاً كبيراً هذا العام مع تراجع الاحتياطي النقدي الوطني. ويتلقى تنظيم «داعش» الدعم في مدينتي سيرت ودرنة الساحليتين شرق البلاد. وتبنّت الميليشيات الموالية للتنظيم الهجمات على ميليشيا مصراته، وفندق في طرابلس، ومبان حكومية، إضافة إلى سفارات أجنبية، وحقل نفط رئيس. وتقول حكومة طبرق إنها تخوض «معركة ضد المتطرّفين»، إلا أن نواباً في البرلمان باتوا يميلون إلى لمّ الشمل وتعزيز الوحدة الوطنية. ويقول النائب معاذ رافع مسعود (30 عاماً): «أرجو أن نقف صفاً واحداً ونطرد المتشددين من بلادنا». وبينما لم يتعد التصويت في برلمان طبرق 50 صوتاً لمصلحة مشروع الوحدة، خلال تصويت جرى العام الماضي، تعدى العدد 65 صوتاً هذا العام، مع معارضة 12 نائباً فقط. وفي طرابلس، يرى قائد أركان الجيش، جاد الله العبيدة، أنه «ليس بإمكان أي فصيل أن ينتصر في المعركة»، مضيفا أنه «سيصبح لدينا دول في كل مدينة وسيناريو يشبه الصومال». ومثل «صقور» مصراته، لا يبدي قادة الحرب في طبرق والبيضاء أي لين في المواقف. وفي حوار أجري معه مؤخراً، اتهم صقر الجروشي، الذي يقود سلاح الجو التابع لحفتر، ميليشيا مصراته بالتخطيط لاستقدام اليهود إلى ليبيا. وأثنى الجروشي على جهود القذافي للقضاء على الحركات الإسلامية في ليبيا، وقال: «حسناً فعل بالقضاء عليهم (الإسلاميين)، لأنهم سيشكلون ميليشيات مسلحة، كما يفعلون حالياً، وهذا ما كان القذافي يخشاه». ولكن كيفية التعامل مع المتطرفين «الحقيقيين» يبقى أيضاً سؤالا دون إجابة عند ائتلاف مصراته. ويضم الائتلاف جماعة «أنصار الشريعة» من بنغازي. والجماعة مرتبطة بالهجوم الذي قتل فيه السفير الأمريكي في بنغازي كريستوفر ستيفنز في 2012. كما يوجه الاتهام إلى الجماعة، على نطاق واسع، بالضلوع في حملة من التفجيرات والاغتيالات ضد رجال الأمن، وغيرهم من الخصوم. ويميل قادة مصراته وطرابلس إلى المراوغة فيما يتعلق بالأسئلة حول حليفهم المتمثل في «أنصار الشريعة». واقترح رئيس مكتب وسائل الإعلام الأجنبية في طرابلس، جمال ناجي زوبيع، مؤخراً، على المقاتلين الإسلاميين ببنغازي شرح أفكارهم وعرضها للرأي العام عبر وسائل الإعلام. وقال زوبيع: «قلت لهم أنتم تقولون إنكم مجاهدون ولستم خائفين من الموت، فلماذا تخشون الظهور على شاشات التلفزيون؟».