محمد بن علي بن عبد الكريم أبو عبد الله ابن الكتاني الفندلاوي (ت 597) [القسم الثاني] هذا هو القسم الثاني من قسمي ترجمة ابن الكتاني وقد سبق في القسم الأول ذِكْرُ أَهَمّ ما يتعلق بترجمة هذا الإمام كما تقدم نقل ما وقعت تَحْلِيتُهُ به من الإمامة في علم الكلام والأصول، والتقدم في فنون الآداب، والثناء عليه بالزهد والتصوف، وذِكْره بالتصدر للتدريس، وقد عزوت كل منقول إلى قائله، مُعَيِّناً المصدرَ الذي رجعتُ إليه في ذلك. وبقي من عناصر هذه الترجمة قضايا ثلاث: الأولى: مصنفاته، والثانية: مروياته، والثالثة: تنبيهٌ على ما وقع في ترجمة ابن الكتاني في بعض مصادرها من أوهامَ نَبَّه عليها أَثْباتُ المؤرخين. فأما مصنفاته فلم أقف منها إِلاِّ عَلى: • أرجوزة في الأصول نسبها إليه من مترجميه: ابن الأبار[1]، وابن عبد الملك[2]، والذهبي[3]. وقد تقدم نقل ما ذكر في وصفها من السلاسة والاشتهار. وأما مروياته وأما مسموعاته فلم أقف الآن على شيء منها، ومرده إلى قصورِ كاتب هذه الترجمة وتقصيرٍ: قصورٍ في الاطلاع وتقصير في البحث، وإلا فالرجل إمام مدرس رُحْلَةٌ؛ ومِثْلُ حاله يقتضى كثرة المسموعات، ووفرة المرويات؛ والعلم عند الله وحده. وأما التنبيه على ما وقع في بعض مصادر هذه الترجمة من أوهام فقد نَسب للمترجم جماعةٌ من العلماء كتابَ "المستفاد في مناقب العباد بمدينة فاس وما يليها من البلاد" وقد ذهب كثير من المحققين إلى الحكم على هذه النسبة بالغلط، ورأيت للعلامة الدكتور محمد بنشريفة تعليقا دقيقا جدا على هذه النسبة فقال: "نسب إليه الأخباريون المتأخرون كتاب المستفاد ومنهم: ابن القاضي في الجذوة، والجزنائي في جنى زهرة الآس، وابن جعفر الكتانيّ، وليس له، وإنما هو لأبي عبد الله محمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الكريم التميمي الذي سترد ترجمته فيما بعد، وقد التبس الأمر على المذكورين بسبب الاتفاق في الاسم والكنية، والتشابه في الجد الأعلى عبد الكريم، والاشتراك في النسبة الفاسية، والمعاصرة"[4]. ثم أعاد عين التنبيه على هذه النسبة الغلط في ترجمة التميمي من معلمة المغرب، بعد نقله لمسرد مصنفاته التي أقبرها الضياع فقال: "ومهما يكن من أمر؛ فإنه لم يصل إلينا من مصنفات الرجل -يعني التميمي- إلا قطعة من الكتاب الأول، الذي هو المستفاد. أما المؤلفات الأخرى فهي مع الأسف مما ضاع من تراثنا المغربي القديم وهذا -كما يقول الأستاذ المرحوم محمد الفاسي- أقصى ما يمكن أن يبلغ إليه الإهمال وعدم الاكتراث، عفا الله عن سلف أمتنا". وقد كاد الاهمال وعدم الاكتراث يسلب التميمي أشهر تآليفه الذي هو المستفاد، إِذْ نَسَبَهُ عددٌ من المؤلفين إلى محمد بن علي الفندلاوي وهو عالم فاسي كان معاصراً للتميمي"[5]، انتهى كلام الدكتور بنشريفة. ثم جاء الدكتور محمد الشريف فعقد في القسم الدراسي من تحقيقه للمستفاد للتميمي[6] مطلبا لاختلاف المؤرخين حول مؤلف "المستفاد"، ذكر فيه مَنْ نَسَبَهُ للتميمي، ومَنْ نَسَبَهُ لابن الكتاني الفندلاوي، ومَنْ مال إلى جعل الكتاب كِتَابَيْنِ بنفس العنوان، وَنَسَبَ كل واحدٍ لِكُلٍّ من الفندلاوي والتميمي، كما صنع ابن سودة في دليل مؤرخ المغرب[7]. ثم رجح في الأخير ما رجحه الدكتور بنشريفة من أنه للتميمي لا لمترجمنا ابن الكتاني، واحتج لذلك بحجج كثيرة ناهضة ليس هذا مجالها فلتطلب في المطلب المذكور. تنبيه: يظهر أنه وقعت في ترجمة ابن الكتاني عند ابن القاضي في الجذوة جملة أمور تحتاجُ إلى تنبيه: فنسب إليه "المستفاد"، وورخ وفاته بسنة خمس وتسعين وخمسمائة، وجعل مدفنه خارج باب الجيسة بفاس. وذكر شهود أبي دبوس الموحدي الأمير جنازته. والصواب أن المستفاد للتميمي كما سَبَقَ بَيانُ ذلك. وأما تاريخ وفاته فوقع فيه اختلاف كبير، مرده إلى وهم أو تحريف، فقيل: سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وست وتسعين، وسبع وتسعين، وتسع وتسعين. والصحيح في وفاة ابن الكتاني الفندلاوي هو سنة (597ه) كما ذكره ابن الزيات (617ه)[8]، وذكر مُتَوَلِّي الصلاةِ عليه، وهو: "الفقيه أبو يحيى أبو بكر بن خلف ابن المواق" ولم يُعَيِّن ابن الزيات مَدْفَنَهُ. ثم جاء ابن عبد الملك (703ه)[9] فَذَكَرَ مِثل ما ذكره ابن الزيات وزاد عليه تفصيلا آخر، وهو: وفاته "ضحى يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة" من السنة المذكورة. ولا ريب أن العناية بالتفاصيل دليلُ ضبط، وهذان الإمامان كما هو معلوم أقدم وأقعد. ثم جاء ابن الأبار (657ه) فوقعت سنة وفاة ابن الكتاني في مطبوعة تكملته سنة (596 ه)[10]. ثم جاء الذهبي فورخ وفاته بسنة(599ه) ناسبا إلى ابن الأبار توريخ هذه الوفاة بما ذَكَر[11]. وجزم الدكتور بشار عواد معروف محقق تاريخ الإسلام بأن ما وقع في التكملة، وهو: توريخ الوفاة بسنة (596 ه) تحريف، معتمدا على ما عند الذهبي[12] وفي هذا الجزم وقفة. ثم جاء ابن أبي زرع (حوالي 726 ه) فورخ وفاته سنة (595 ه) وذكر أنه دفن بباب الجيسة، وذكر أن أمير المؤمنين شهد جنازته، فأبهم الأمير الذي شهد الجنازة ولم يُعَيِّنه. ثم جاء ابن القاضي (1025 ه) فذكر وفاته كما سبق نقله عن ابن أبي زرع سنة(595ه) وكذا تفاصيل مكان دفنه، لكنه عَيَّن الأمير الذي شهد الجنازة فجعله أبا دبوس الموحدي. وأما أمير الوقت فكان -كما علق على ذلك المعتني بالجذوة- محمد بن الناصر بن يعقوب المنصور الموحدي، وأما أبو دبوس فهو آخر خلفاء الموحدين، وكانت وفاته في منسلخ ذي الحجة سنة (667 ه) وليس هو قطعا شاهد الجنازة. ثم جاء محمد بن جعفر الكتاني فلفق في السلوة[13] المعلومات المنتشرة في كتب التراجم، فذكر ابنَ الكتاني الفندلاوي فيمن دفن بباب الجيسة، اعتمادا على ما في الأنيس المطرب، وجذوة الاقتباس، ونقل وفاته عن صاحب التشوف وهي سنة (597 ه)، ثم عاد إلى الأنيس المطرب فنقل منه تاريخ الوفاة سنة (595ه)، ثم انتقل إلى الجذوة ونقل ما فيها، وقد تبع صاحبَ الأنيس في ذكر الوفاة والمدفن، ولم ينبه صاحب السلوة على ذلك الخلاف المنقول في تاريخ الوفاة. ولما كان الأستاذ خير الدين الزركلي اعتمد في ترجمة ابن الكتاني الفندلاوي[14] على الجذوة اعتمادا كليا كرر الأغلاط الموجودة في هذه الترجمة، والمتعلقة بتاريخ الوفاة ونسبة "المستفاد". فَذْلَكَةٌ: الراجح اعتمادا على ما ذكره أثبات المؤرخين أن وفاة ابن الكتاني الفندلاوي، كانت عام (597ه) بفاس، وأن متولي الصلاة عليه هو الفقيه ابن المواق، وما سوى ذلك فمحتاج إلى فَضْل بحث، ومزيد تنقيب. والله أعلم ------------------------------------------------ 1. التكملة لكتاب الصلة لابن الأبار (2/161). 2. "الذيل والتكملة" (السفر الثامن/القسم الأول/332). 3. تاريخ الإسلام للذهبي (12/1183). 4. "الذيل والتكملة" (السفر الثامن/القسم الأول/332)- الحاشية رقم 566. 5. معلمة المغرب (8/2570). 6. المستفاد في مناقب العباد، بمدينة فاس وما يليها من البلاد للتميمي الفاسي ص: 124 فما بعدها. 7. دليل مؤرخ المغرب 1/61-62. 8. التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي ص: 335. 9. "الذيل والتكملة" (السفر الثامن/القسم الأول/333). 10. التكملة لكتاب الصلة 2/161. 11. تاريخ الإسلام للذهبي (12/1183). 12. تاريخ الإسلام للذهبي (12/1183) الحاشية رقم 5. 13. سلوة الأنفاس (3/173). 14. الأعلام للزركلي (6/279-280).