من أكثر ما يثير الحيرة في نفوس الناس هو مشهد الظالم المستمر في ظلمه دون تردد، ولا ندم، بل أحيانًا بلا أدنى إحساس بأن ما يفعله خطأ. يتساءل البعض: كيف لإنسان أن يُمعن في إذلال الخلق وتجويعهم وقهرهم، ثم ينام هادئ البال ويواصل فعله وكأن شيئًا لم يكن؟ هذا التساؤل مشروع، لكنه يُجاب عليه في ضوء القرآن والفهم العميق لطبيعة الظلم. فالظلم، كما يصوره الوحي، ليس مجرد فعل خارجي، بل هو مرض قلبي ونزعة نفسية. والله عز وجل أخبر أن من يستمر في غيّه وبغيه، يُختم على قلبه، فلا يعود يرى الحق حقًا ولا الباطل باطلاً. قال تعالى: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [ البقرة: 7]*"، فالختم يعني العمى عن الهداية، وعن الشعور بآلام الآخرين، بل والتحول إلى شخص يستمتع بإذلالهم. وهنا يقع الخطأ في زاوية الرؤية: فالمؤمن النقي بطبعه حين يرى مظاهر البطش، يتعجب ويستنكر، لأنه ينظر بعين القلب الرقيق. لكنه لو نظر للحظة بعين الظالم، لفهم: الظالم لا يرى في ظلمه مصيبة، بل يجد فيه انتشاءً. يتلذذ بالسلطة والسيطرة، ويرى في بكاء الضعفاء تأكيدًا لقوته. إن من الناس من يتألم لألم الآخرين، لكن في المقابل هناك من يتغذى عليه. هذه حقيقة نفسية وروحية غفل عنها كثيرون، وهي ما تفسر ذلك الاستغراق غير المفهوم في الفساد والجور دون خجل أو تردد. لذا، حين نرى الظالم لا يتراجع، لا يجب أن نُصاب بالدهشة، بل يجب أن نتذكر أن ما نراه من غرقه في الجبروت ليس إلا دليلًا على طمس البصيرة، وختم الرحمة عن القلب. ختامًا، فالمؤمن لا يستغرب مما يخالف فطرته، بل يتبصر به، ويفقه أن لله سننًا في القلوب، وأن القلوب التي لا تتعظ تُطبع، وإن الله ليمهل ولا يهمل، وعدله لا يغيب وإن طال المدى.