السذاجة الإفريقية قال كارلوس دونغا مدرب البرازيل في مؤتمر صحفي بجنوب إفريقيا: «كرة القدم في الوقت الحالي تأثرت بالعولمة» وقال: «يجب أن ندخل الملعب ونؤدي عملنا بشكل جيد» وأضاف: «إننا نمزح دائما ونقول إن كرة القدم تزخر بالمفاجآت، ولكن ليست هناك مفاجآت، جميع المنتخبات لديها الكفاءة التي تمكنها من التأهل». ويستشف من كلام الرجل ذو الخبرة الواسعة كلاعب سابق ومدرب حالي للمنتخب البرازيلي أن كرة القدم لم تعد قوة مسيطرة على عظماء الدول فقط، بل عالميتها دخلت حتى أركان الدول المغمورة وغير المعروفة والجديدة منها على صعيد المونديال، لكن قيمة العولمة الكروية كمفهوم غير متجانس مع عولمة الإقتصاد والتجارة وكل الظواهر الإجتماعية، لها مرتكزاتها العميقة كعنصر مؤثر في عقلية وطقوس وتكوين مدرسة كرة بلد ما ترى في نفسها قدرة مقارعة أقوى المدارس العملاقة.. كما أن تأثير العولمة في الكرة ليس متجذرا فقط في غزو المال وسوق المنافسة على أفضل نجوم العالم، بل المال أضحى سلطة قوية في إقتصاد الأندية العالمية، وليس في اقتصاد الأندية الفقيرة (إفريقيا مثلا)، كما يفهم من كلام دونغا أن تأثير العولمة في الكرة نابع من إنتشار التلاقح الكبير لمعظم اللاعبين الذين يلعبون في أقوى الدوريات الأوروبية والخليجية كقيمة احترافية وقيمة مالية مغالى فيها على الإطلاق، كما أن المدربين ينتقلون خارج بلدانهم لتنمية مهاراتهم دراسيا وتطبيقيا وواقعيا على أرض رقعة الأندية التي يتعاقدون معها، وفي ذلك مغزى هام في عملية البحث عن الذات التي لا يلاقونها في بلدانهم، ما يعني أن جميع هذه المكونات تتعولم بطقوس جديدة ولغات جديدة ومناهج جديدة في الكرة على غير ما كانوا يتمتعون به في بلدانهم بمحدودية الكفاءة. وأيا كانت هذه القناعات التحليلية لعولمة الكرة التي دخلت أيضا في صناعة الحدث المونديالي كتجارة تنافسية وسباق مثير في مجال الإعلام والنقل التلفزي، هل يمكن أن نقول أن مونديال جنوب إفريقيا أو القارة الإفريقية نجحا في استعراض مؤهلات ممثليها على واقع الطقوس والدار و الأداء والحضور والتأهل المفروض أن يكون غزوا جديدا لإفريقيا على الساحة العالمية؟ الجواب في عمق النتائج التي عجلت بصعود منتخب غانا دون سواه، يعتبر سلبيا في مؤشرات الحضور الإفريقي المفروض فيه أن يكون هو صانع الحدث و قاهر المدارس العالمية بأرضه ولو بتأهل نصف الممثلين على النقيض مما هو مطروح الآن فقط مع غانا كورقة مربوحة في العضوية المتكاملة لجيل جديد صنع نفسه صغيرا بالسن ليفوز بكأس العالم للشبان ووصل لنهائي كأس إفريقيا، وتأهل حاليا للدور الثاني بالمونديال.. ومعطى هذه النتائج الهزيلة لكرة القدم الإفريقية برغم تنوع الإحتراف الكبير لمعظم أساطيلها مع جنوب إفريقيا كمنظم، ونيجيريا والكوت ديفوار والكامرون والجزائر، يؤكد بالملموس أن السذاجة الكروية في جميع مباريات الخروج الصاغر لهؤلاء هي التي عمقت جرح التنازل بدلالات افتقاد الصرامة في اللياقة والنهج والأداء التكتيكي والتحضير النفسي والمعنوي لمعظم الوجوه المحترفة، مع أنها تكتنز خبرة دولية وثقافة تكتيكية بالملاعب الأوروبية، لكنها فقدت هذا البريق، ولم تقرأ جيدا تحضيرها ولا حتى خصومها مباراة بمباراة مثلما حدث لجنوب إفريقيا بتناقض نتائجها، رغم أنها عادت من بعيد وأقصيت بالنسبة العامة، ومثلما حدث لنيجيريا التي أضاعت التأهل في الجولتين الثانية والثالثة أمام اليونان وكوريا الجنوبية، ومثلما خرجت الجزائر صاغرة ومحدودة الإمكانات القوية بفريق لعب فقط معاقا في غياب خط هجوم فعال، ومثلما تهاونت الكامرون في بذل كبير في النتائج وسذاجة دفاعه وهجومه. وهذه المعطيات الرقمية مع فرضية طرح الكوت ديفوار لمعالجة المجموعة كفريق ربما خانته القدرات التركيزية أمام البرازيل ليكون هو ثاني المنتخبات الإفريقية المؤهلة مثلما حصل لجنوب إفريقيا كذلك، لم تعط مؤشرا ارتقاء الكرة الإفريقية المشهود لها منذ السنين الأخيرة هي القوة الثالثة في العالم بعد أمريكا اللاتينية وأوروبا.. وحصيلة ما هو رقمي بالمونديال الحالي لدى الأفارقة يؤكد كثيرا أنها من المرتكزات التي أفقدت ذلك البريق برغم تواجد الأساطيل الإحترافية الغريبة الأطوار في صناعة أوجها مع أنديتها الأوروبية واختفائها مع منتخباتها بأداء غابت عنه التكاملية في الخطوط، والصرامة التكتيكية مثلما يوحدها اليوم منتخب غانا، ورغبة الفوز المنعدمة، والجوانب النفسية والتحضيرية للمباريات مع قراءة أقول عنها مفتقدة لدى المدربين على خصومهم، وهي عوامل مؤثرة ساعدت على خروج المنتخبات الإفريقية بأشكال متعددة في الأداء والإيقاع والأخطاء القاتلة برغم ارتفاع درجة حضور الحراس على درجة عالية من التألق، وكل هذه الصواعق ربما كان فعلها العميق نابعا من الدماغ الفني والتقني للمدربين الكبار بدرجة أقل في التعامل مع المباريات مثلما حصل مع بول لوغوين مع الكامرون، وإريكسون مع الكوت ديفوار، ولارس لاجيرباك الصربي مع نيجيريا، لكون هؤلاء أتوا تحضيريا مع المنتخبات المذكورة في وقت قصير جدا مع أن التجربة المونديالية تفيد باستقرار المدربين لسنوات، وربما كانت تلك ضريبة خروج الأفارقة من الدور الأول نتيجة حتمية لسوء تدبير الجامعات المعنية. بقلم: محمد فؤاد