حزب الإقتحام والإنتقام إنتقلت ظاهرة اقتحام الملاعب من فعل جانبي منفلت، إلى مشهد ملازم لمباريات كرة القدم، يجعلنا نوقف الفرجة الكروية لبضع دقائق لنعيش لحظة كر وفر، بين كائن يقتحم رقعة الملعب في غفلة من الجميع ورجال أمن خصوصيين أو عموميين، يختبرون مهاراتهم في الركض وقدراتهم على إجلاء «الجسم الغريب» كما يسميه قانون اللعبة. تعددت أوجه معالجة الظاهرة، فالسوسيولوجيون يقولون إن فعل الإقتحام هو محاولة للتعبير عن رفض نظم المجتمع وضوابطه، وعلماء النفس يصنفونه في خانة التعبير عن حالة بسيكو باطولوجية للإنصهار في نجومية مزيفة، والمقاربة الأمنية تعتبر اختراق الحواجز والوصول إلى المستطيل الأخضر، نتيجة حتمية لعدم تنفيذ مذكرة تمنع القاصرين من ولوج المدرجات قبل القفز منها، بينما يرى الإقتصاديون أن الظاهرة تخدش الفرجة وتعرض المنتوج الكروي المعروض للبيع إلى النفور، أما النحويون فغزو الملاعب فعل ماض ناقص من قيم الرياضة طبعا. لا يعبأ غزاة الملاعب بالراية التي يحملها حكم الشرط ولا بصفير حكم الوسط، فيصرون على قطع الملعب طولا وعرضا والإرتماء في الشباك أو مصافحة نجم، قبل أن يوضعون تحت الحراسة النظرية لبضع دقائق فيفرج عنهم بكفالة الإحتجاج القادم من المدرجات، حينها يغادرون أرضية الميدان تحت تصفيقات تحولهم من خارقي القانون إلى نجوم في مباراة تبحث عن نجوم. هي لعبة مستوردة من أوروبا وأمريكا اللاتينية، مستوردة دون رسوم أخلاقية، إذ يكون بعض الغزاة تحت تأثير أقراص تهيجهم وتحولهم إلى أبطال في القفز والمراوغة والركض السريع، لكن انتشارها بسرعة فائقة في المشهد الكروي حولها من مجرد نزوة عابرة إلى ظاهرة تأخذ أبعادا سيكولوجية واجتماعية عميقة. في ملاعبنا حيث الفرجة تباع بالتقسيط، لذا يمارس المقتحمون شغبهم بين الفينة والأخرى، فيوقفون عداد المباراة ليركضوا ويعلنوا عن وجودهم ولسان حالهم يقول أنا أقتحم إذن أنا موجود، إلا أنهم يتجاوزن لحظة التعبير عما يخالج الذات من رغبة في اقتحام الملعب ومن خلاله عالم النجومية، إلى ما هو أفظع، كما حصل في ديربي الدارالبيضاء للعام الماضي حين اقتحم يافع أرضية مركب محمد الخامس على طريقة علال بنعبد الله مع بنعرفة، وهو يحمل سكينا لقطع الحبال الصوتية للحكم العمراني الذي نجا من الغارة، كما نجا الشاب من الشهادة. لكن أبلغ رسالة حملها مقتحم هي التي شهدها مركب فاس الجديد قبل عامين، فلم يكتف قاصر مغربي يدعى إبراهيم الخطابي باقتحام أرضية الملعب في الدقائق الأخيرة من مباراة المنتخبين المغربي والكامروني، بل استحوذ على الكرة وركض بها نحو مرمى الكامرونيين، حيث سجل هدف الشرف للفريق المغربي الذي خرج فيها منهزما بهدفين مقابل لصفر، تمكن رجل أمن بزي رياضي من السيطرة على الوضع، وإخراج هذا القاصر من الملعب، قبل أن يتقرر إخلاء سبيله ويتحول إلى نجم يأخذ معه بعض المتفرجين صورا للذكرى، بل إن بعض الكتابات أطلقت عليه إسم الخطابي الزعيم. في هذه المباراة تعددت أوجه الغزو، ففي ما بين شوطي المباراة اقتحم مجموعة من القاصرين القاعة المخصصة لحفل استقبال على شرف الضيوف الكاميرونيين فتعرضت الحلويات إلى عملية اجتياح عجز رجال الأمن عن التصدي لها لأن أغلبهم كان مشغولا بملء البطون والأكياس البلاستيكية بكعب لغزال ولبريوات وغريبة وغيرها من الأصناف التي تعرضت لاجتياح آثم، لعبة الاجتياح لا تسلم منها المنصة الصحفية التي تغزوها كائنات خارج كل تصنيف. في افتتاح ملعب طنجة، توقفت مباراة الرجاء وأتلتيكو مدريد مرات عديدة لإجلاء الغزاة، وهو ما دفع بعض الأقلام الإسبانية البغيضة إلى نشر صور كاريكاتورية، شبهت المقتحمين بجيش عربي من زمن طارق بن زياد، وفي مركب محمد الخامس نزل مشجع عبدي رقعة الملعب فاحتج على الحكم بوليفة وتوعد الجامعة قبل أن يغادر المركب الرياضي وتصفيقات الجمهور تشيعه، وفي مباراة بين شباب هوارة واتحاد لفقيه بنصالح فضل المقتحم التحول إلى قلب دفاع، إذ اتنزع الكرة من مهاجم وحرمه من تسجيل هدف كان في المتناول، ليغادر الملعب تحت عاصفة من التصفيق والتصرفيق. أما في الملاعب القروية، فغالبا ما تقتحم الحيوانات الأليفة رقعة الميدان، كما حصل في ملعب بدكالة إخترقه كلب هائج لحارس الملعب، كاد أن يحدث في ساق أحد اللاعبين خدوشا عميقة، وفي مباراة في كرة القدم النسوية دخل كلب وتحرش باللاعبات قبل أن يساق إلى قدره تحت ضرب مبرح من المتفرجين الذين حاول الكلب أن يقتسم معهم فرجتهم. وفي مباريات أخرى غزا متفرج عاري الملعب، كما غزاه معاق على كرسيه المتحرك، ورجل يبحث عن إبنه الذي فضل حراسة مرمى فريق القرية بدل الذهاب إلى سوق الأحد الأسبوعي لقضاء بعض الحاجيات الأسرية، وقس على ذلك من نماذج الإجتياح. الآن نحن أمام ظاهرة قابلة من حيث مكوناتها ودواعيها، لتتحول إلى حركة لكل المخترقين للمجال الكروي، للإقتحام والإنتقام من قوانين تحكم على المتفرج باستهلاك الفرجة بدل إنتاجها، لكن أخشى أن تنمو الحركة وتتحول إلى حزب للبلطجية، كما حصل في الإقتحامات الكبرى التي تمت في سطاد القاهرة وملعب بنزرت، حينها سنقبل بتلك النزوات التي تجعل لعبة الإقتحام مجرد فاصل بعده نواصل.