الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    النصب على حالمين بالهجرة يقود سيدتين الى سجن الحسيمة    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذه مطالب الشباب: حل البرلمان والحكومة، تغيير الدستور، الديمقراطية، الكرامة ومحاربة الفساد
نشر في شعب بريس يوم 05 - 03 - 2011

سئل أحد الخبراء عن كيف يمكن ضمان استقرار دولة ضمن محيطها الإقليمي؟ فأجاب: لا بد من توافر ثلاثة عناصر جوهرية، وهي الغذاء، الجيش والثقة، فقيل له ما إذا كان ممكنا التضحية بعنصر واحد من هذه الأضلاع الثلاثية، فقال: "الجيش"، وعما إذا كان ممكنا الاكتفاء بعنصر واحد فقط، فأجاب: "بضرورة التضحية" ب"التغذية والاكتفاء بالثقة".. إنه يقصد الثقة في المؤسسات... حكومة، برلمان، قضاء، إلعام...
لعل هذا ما حرك شباب الفايسبوك من خلال حركة "20 فبراير"، للنزول إلى الشارع للتعبير عن مطالب يتقاسمها الكثيرون من أجل إعادة الثقة والمصداقية لمؤسسات الدولة، وللدفاع عن الحق في المواطنة والحرية والكرامة... في ظل عالم متحول في مرحلة قصيرة مليئة بالدروس والعبر.
التغييرات الرسمية لعموم المتظاهرين، حسب ما أعلن عنه وزير الداخلية، وصلت إلى 37 ألف مشارك في 53 عمالة بالمغرب، فيما تقديرات المنظمين تتحدث عن رقم يتجاوز 100 ألف متظاهر، كانت مسيرات الرباط، القنيطرة، الدار البيضاء، سيدي سليمان، وجدة... حضارية وسلمية، لكن ما حدث بالحسيمة والعرائش وفاس ومراكش وصفرو... ألقى بظلاله السوداء، على ما كان سيشكل عرسا استثنائيا ومكسبا للحرية الديمقراطية... لكن الحلو ما يكملش!، كانت مسيرات بدون زعماء، حل المشاركين من الشباب، وكان حضور المرأة قويا في مقدمة جل مسيرات المملكة وملفتا للانتباه، كان اليسار حاضرا إلى جانب العدل والإحسان، وكان القوميون العرب إلى جانب الأمازيغيين، كتلة منسجمة برغم بعض ما تساقط من حسابات الصراعات السياسية... مبادرة شبابية عفوية مسنودة من طرف اليساريين والإسلاميين، الحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني والإعلام، كانت التلقائية والارتجال سيدا الموقف، لكن الطابع السلمي واحترام اختلاف الحساسيات الممثلة في الوقفات الاحتجاجية هو ما قوى عناصر الأمل في تظاهرات 20 فبراير...
فما هي مطالب المبادرة الشبابية التي حركت الشارع المغربي وخلفت ردود أفعال مختلفة لدى الفاعلين السياسيين والجمعويين والنقابيين؟
الإصلاح الدستوري مدخل للإصلاح السياسي
أول مطلب للحركة الشبابية المتمثلة في "حركة 20 فبراير" هو: "وضع دستور ديمقراطي يضمن سيادة الشعب ويقر فصل السلط" ويسعى إلى "إقامة نظام ديمقراطي برلماني يرتكز على القطع مع نظام الحكمالفردي المطلق"، كما ورد في أرضية متفق عليها بين مختلف الحركات التي انطلقت من النقاش على أرضية الفايسبوك، وهو نفسه ما جسدته الشعارات التي حملها المتظاهرون يوم الأحد الماضي بمختلف مدن المملكة:
- الشعب يريد # دستور جديد
- يا سلام يا سلام # على ديمقراطية ماروكان
- هذي صرخة هم هم # هذا دربنا... درب الجماهير الجماهير الصامدة
- كل يوم ذل ذل # والحل الوحيد من كل الحلول ملكية برلمانية... حكومة ديمقراطية
إن رفض دستور 1996هو قاعدة تحرك شباب يطمح إلى التغيير، باعتباره المدخل الأساسي للإصلاح السياسي... إنها نفس مطالب الحركة الديمقراطية في المغرب منذ تشكيل المجلس الاستشاري عام 1959، واشتدت مع مطالبة اليسار المغربي بمجلس تأسيسي لوضع الدستور ورفض ما سمي بالدساتير الممنوحة سنوات 1962، 1971 و1972... بما يعني أن "حركة 20 فبراير" ليست حركة لقيطة، بل هي حركة شبابية مبادرة تفعل مطالب الحركة الديمقراطية والوطنية في المغرب منذ تقديم وثيقة 11 يناير 1944 للاستقلال والديمقراطية، وما تراكم من نضالات واجتهادات في المجال الدستوري المغربي الذي ظل يمزج بين النص المكتوب والعرف، إنه نفس مسعى كل مذكرات الإصلاح الدستوري المرفوعة إلى الملك الراحل منذ وثيقة 9 أكتوبر 1991 التي رفعها عبد الحريم بوعبيد ومحمد بوستة إلى الراحل الحسن الثاني، أو مذكرة الكتلة الثانية عام 1996، لكن استجابة المؤسسة الملكية لمطالب قوى الإصلاح لم تكن دوما في مستوى مداخل التغيير الأساسي، إذ يلاحظ بشهادة كل فقهاء الدستور أن دستور 1996 أقل ديمقراطية من دستور 1992... وكما قال محمد بوستة في استجواب مع "المشعل": "دستور 1962 كان جد متقدم على كل الدساتير التالية، بما فيها دستور 1996 الذي يحكمنا الآن".
لقد جاء دستور 1966 في سياق إعداد انتقال السلطة من خلال التناوب التوافقي، لذلك أعلى الملك الراحل من صور الحصانة الملكية ليترك لوريث العرش فرصة تعديل المطالب وفق ما يمكن أن يعود بناء إلى صيغة دستور 1962، غير أن مطالب الحركة الشبابية في ظل فورة الشارع العربي، تتجاوز سقف مطالب الأحزاب السياسية المشكلة اليوم للأغلبية الحكومية، وتقترب من مطالب حركات اليسار، خاصة الحزب الاشتراكي الموحد الذي قدم مقترحاته الدستورية المطالبة ب"ملكية برلمانية".. حيث يجب أن تكون للوزير الأول سلطة حقيقية، وأن يمارس برلمان ديمقراطي، يمثل سلطة الشعب، دوره الرقابي على الحكومة... لقد انتهى زمن الإصلاح عبر الجرعات، ويجب الانتقال نحو تغيير حقيقي، فكيف سيتعامل ملك البلاد مع المطالب المشروعة لجيل جديد يسمع صوته بيننا؟
الإصلاح السياسي لإقرار التغيير
لا خيار للمغرب ولا بديل لاستقراره عن "ملكية برلمانية"، يقول مصدرنا، لكن ذلك ليس سوى مدخل لإصلاح السياسي وإقرار الديمقراطية، لذلك رفع شباب "حركة 20 فبراير" مطالب:
- احترام الحريات وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا ووفقا للمواثيق الدولية ذات الصلة.
- حل البرلمان وإسقاط الحكومة.
وجاءت الشعارات المرفوعة، والتي تم الاتفاق عليها ضمن الهيئات المدنية الداعمة، لتفصيل مطالب حركة الشباب في "20 فبراير".
- فضيحة دولية # لا ديمقراطية لا تنمية.
- واش درتي يا نظام الجماهير # غير القمع والحركة والتفقير.
- عليك الأمان عليك الأمان # لا حكومة لا برلمان.
- الحكومة برا برا # والبرلمان برا برا.
- لا حقوق لا قوانين # علاش حنا مواطنين.
- مطالبنا مطالب شعبية # حقنا فالكرامة والحرية.
- انتخابات غير مسرحية # وحنا عارفين شكون فالقضية.
- الحكومة مشات وجات # والحالة هي هي.
إن "حركة 20 فبراير" لا يجب أن تقدر بحجم تظاهرات الأحد الماضي، التي كانت متفرقة في جل المدن المغربية، كما لا يجب أن ينظر إليها أيضا على أنها حركة ضد استقرار النظام السياسي، كما لا يجب الاستهانة بحجمها، فحركية التاريخ لن تقف عجلاتها عند 20 فبراير، إنها البداية... لذلك فلا تهويل ولا تهوين... فمطالب الشباب "معقولة" كما صدر ل"المشعل" أحد الفاعلين الذين حضروا إلى تظاهرة الشباب بالدار البيضاء.
لا تختلف مطالب الشباب عما ظلت تدافع عنه القوى الوطنية والديمقراطية، مصداقية المؤسسات، تكريس مزيد من الانفتاح الديمقراطي، إعادة الثقة للمؤسسات الممثلة لسلطة الشعب واحترام خياراته، تقوية دعائم دولة الحق والقانون، حكومة قوية، استقلالية القضاء، إعلام عمومي موضوع في خدمة قضايا المواطنين... وبكلمة تحقيق الديمقراطية الحقة لا المجازية السائدة في القاموس السياسي اليوم بالمغرب تحت تعابير: الانفتاح والانتقال والتوافق...
لم يعد الشباب يثق، ومعه كل القوى الحية، بوجود رموز في مربع القرار، توظف سلطة الدولة وقضاءها ومؤسساتها للاستقواء وتصفية الحسابات مع المنافسين السياسيين ولا بحزب الدولة الأغلبي... وقد سمتهم شعارات تظاهرات 20 فبراير بالأسماء.
الإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية
رفع الشباب في أرضية مطالبهم:
- مناهضة الإفلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية.
- محاكمة كل المفسدين وناهبي المال العام والثروات الوطنية ومصادرة أملاكهم.
- لا للزيادة في الأسعار وغلاء المعيشة.
لم يعد الجسد المغربي يقبل بالجمع بين السلطة والثروة، وجعل المناصب السياسية وسيلة للاغتناء السريع وغير المشروع، لذلك تطالب الحركة الشبيبية بالقطع مع اقتصاد الريع وسياسة الإفلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية، تحت مطلب جامع، نعم للتوزيع العادل للثروة والسلطة.
وكانت شعاراتهم منسجمة مع هذه المطالب:
- الله عليك يا مغرب # الحالة ما هي حالة.
- الأطفال فالشوارع # الموتى فالقوارب.
- هذا مغرب الله كريم # لا صحة لا تعليم.
- هذا مغرب الله كريم # لا تعبير لا تنظيم.
- ما بقينا غانرضاو # باستمرار التهميش.
- والمغربي فالمغرب # مالاقي باش يعيش.
- لا لا ثم لا # للتهميش والعطالة.
على خلاف مرحلة اليسار الجذري، والمطالب الثورية الحالمة بالانقلاب والثورة... أجمع شباب حركة "20 فبراير" على مطالب تتسم بالواقعية، ووصفها جل الفاعلين بالمعقولة التي عليها إجماع جل القوى الوطنية والديمقراطية على اختلاف مواقعها... يبقى الآن كيف سيرد الملك والقوى السياسية في الأغلبية الحكومية على مطالب الدينامية الشبابية التي يبدو أنها ستتوقف عند تاريخ 20 فبراير؟
"المشعل" تضعكم في قلب الحدث الذي أقام المغرب ولا زال لم يقعده بعد، استطلعت آراء مختلف الفاعلين من الحركة الشبابية ورصدت ردود الفعل حول مبادرة "20 فبراير"، كما غطت أحداث بمختلف المدن المغربية سواء تلك التي مرت في أجواء هادئة وسلمية، أو تلك التي سادت فيها أعمال النهب والتخريب وكشفت خلفيات تأسيس الحركات الفايسبوكية وسقف مطالبها وسياق اتخاذ 20 فبراير كيوم للتظاهر بالمغرب.
فسيفساء شباب حركة "20 فبراير" في قلب مطالب التغيير
كيف تشكلوا؟ ما سقف مطالبهم؟ قصة اختيار "20 فبراير" للتظاهر
تضم تنسيقية حركة "20 فبراير للتغيير" مجموعات كثيرة قدرتها مصاردنا بتسع مجموعات، انطلقت من موقع الفايسبوك على إثر ما وقع في تونس ومصر، لم تكن الفمرة في البداية تتجاوز سقف إصدار بيان أو عريضة تحدد مطالب الشباب الديمقراطية، يجري توقيعها من طرف نخب وفاعلين، تجسد أرضية للنقاش وحدا أدنى لمطالب التغيير بالمغرب، حسب ما صرح به سعيد بنجبلي، أحد رموز حركات الفايسبوك ل"المشعل".
لكن تسارع الأحداث والوقائع في العالم العربي، رفع من النقاش بين الشباب، حيث بدا عفويا وأخذ ينتظم عبر مجموعات أقواها وأبرزها: "20 فبراير يريد التغيير"، "حركة الشباب" و"مجموعة الانتفاضة... الحل"... قبل أن تلتحق بهم مجموعات أخرى مثل "شباب مغربي ضد الفساد والاستبداد".
ومع عدوى الانتفاضات من ثورة الياسمين إلى ثورة الفل، اتفق الشباب على تاريخ 27 فبراير كموعد للتظاهر، إلا أنه وبعد أن تبين تزامن هذا التاريخ مع ذكرى تأسيس جبهة بوليساريو، جرى نقاش حول اختيار يوم بديل، فكان يوم 20 فبراير الذي اقترحته إحدى الشابات (إلهام) على اعتبار أنه يصادف يوم عيد ميلادها، فاتخذ كتاريخ للتظاهر يتمنى أصحابه بأن يصبح زمنا لميلاد مغرب جديد، فتسمت الحركة باسم "20 فبراير"، الحركة التي يقودها مجموعة من الشباب تتراوح أعمارهم بين 16 و30 سنة.
جل نقاشات هؤلاء الشباب كانت تتمحور حول قضايا سياسية: دستور ديمقراطي، حكومة انتقالية، إلغاء البرلمان لأنه نتاج انتخابات لا تجسد إرادة الشعب، ملكية برلمانية، محاربة الفساد والقطع مع سياسات اقتصاد الربع والإفلات من العقاب... فسيفساء من حركات الشباب الذين اتفقوا على شعارات: الديمقراطية، الحرية والكرامة. واخذوا يبحثون سبل التنسيق لإفراز ما يشبه العقد الجمعي لحركتهم. هكذا تم الاتفاق على 20 فبراير، فبقي الاختلاف حول الشكل الاحتجاجي بين تنظيم وقفة أم مسيرة، هل تجب مركزة التظاهرة في مدينة واحدة أم في كل المدن المغربية، وأيضا حول مكان وتوقيت تظاهرة 20 فبراير... لم تفرز حركة "20 فبراير" زعيما بالمعنى السياسي، وهنا الاختلاف حول تأثير ذلك على قوة أو ضعف المبادرة الشبابية.
لكن بدا أن كرة الثلج بدأت تنمو، وهو ما جعل الأجهزة الاستخباراتية تدخل على الخط... حرب أخرى تنطلق على خيوط الشبكة العنكبوتية، لقد جرى التهجم على معتقد بعض متزعمي المجموعات الفايسبوكية من اتهام بالإلحاد إلى تهمة المسيحية والسعي إلى إحراق القرآن إلى توظيف أسرار الحياة الخاصة من سكر وعقوق وزندقة وسرقة أموال المتبرعين، إلى الطعن في وطنية البعض منهم، من قبيل تزوير صورة أمينة بوغالب (طالبة من بركان، تتابع دراستها في السنة الثالثة بالمعهد العالي للصحافة بالرباط) مع زعيم بوليساريو، مع العلم أن هذه الطالبة لا تتوفر حتى على جواز السفر، وامتد الأمر إلى التهديدات التقنية وقرصنة الحسابات الشخصية لبعض رموز الحركة الفايسبوكية، كما تمت مراقبة المطابع التي رفض بعضها طبع نداءات الدعوة لوقفة 20 فبراير. أما فيما يرتبط بالجانب السياسي فقد أحس بعض متزعمي حركة الشباب بأن الكثير من الهيئات السياسية تحاول الركوب على مبادرتهم من العدل والإحسان إلى النهج الديمقراطي.
قدمت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان واليسار الاشتراكي الموحد دعما لوجستيكيا لحركة "20 فبراير"، وأنشأت شبكة الهيئات الحقوقية الداعمة للحركة باستثناء المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وجرى الإعلان عن الشبكة المغاربية لدعم الشعوب وانضمت منظمات شبابية يسارية وناشطون في الحزب الأمازيغي وحزب الأمة ومنتدى الكرامة إلى المجموعة، وطالبت العدل والإحسان بالانضمام إلى الشبكة الداعمة لحركة 20 فبراير، وتم الاتفاق على تأجيل البت في الأمر إلى ما بعد الوقفة الاحتجاجية.
التجأ شباب حركة "20 فبراير" إلى رموز من اليسار ونشطاء مدنيين وحقوقيين بهدف تمويل احتياجات الوقفة (طبع النداء، لافتات...) وتكاثفت الاجتماعات حسب الجهة التي دعمت لوجيستيكيا شباب حركة "20 فبراير" الذين انكبوا على إعداد السيناريوهات وتكوين لجان اليقظة والدعم والتواصل... لكن هل كانت توقعات الشباب النظم في مستوى حجم ما وقع يوم 20 فبراير؟ وما رأي المنظمين والمشاركين فيها؟
20 فبراير يطهر "كازا بلانكا" من كابوس 20 يونيو 1981
قبل حلول يوم الأحد 20 فبراير، الموعد الذي أطلقه "الشباب الفايسبوكي" على النت للتظاهر احتجاجا على تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، انتاب نوع من الخوف والهلع ساكنة العديد من المدن المغربية، مستحضرين بذلك شريط أحداث مؤلمة رسمت بالسواد صفحة من صفحات مغرب العهد القديم. فمدينة الدار البيضاء مثلا، عاشت ساكنتها هلعا شديدا فور التقاطها إشارة انطلاق مظاهرة بساحة محمد الخامس، إذ قفز إلى أذهان البعض سيناريو أحداث سنة 1981 بكل ثقلها الأليم، ليتسابقوا نحو أقرب المتاجر والأسواق الممتازة، قصد اقتناء المواد الأساسية خوفا من إقفال محتمل لها، فيما قرر آخرون الانزواء بمنازلهم لمراقبة الوضع عن بعد من خلال القنوات الفضائية. هكذا إذن اتسمت أجواء "كازا بلانكا" يوما قبل حلول موعد الاحتجاجات، لكن ماذا حدث يوم 20 فبراير بالميتروبول الاقتصادي الكبير؟
لم يكن صباح البيضاء رتيبا كما ألفته ساكنتها المختزلة لمختلف الانتماءات القبلية والمدنية، شباب يتقاطرون فرادى وجماعات على القلب النابض للمدينة، وآخرون يبدون من خلف زجاج "الطاكسيات"، كما لو أنهم مستعدون لتنفيذ خطوة هجومية... من بعيد بدا شاب في منتصف عقده الثاني جاثيا على ركبتيه وهو ينمق، بشارع للا الياقوت تحت قطرات المطر الخفيفة، لافتة كارطونية تتوسطها عبارة "عباس ديكاج"، وبجانبه شاب في مقتبل العمر بدا منهمكا وهو يلتحف بالعلم الوطني على الطريقة الصحراوية، بينما ركن رجال الأمن في زوايا الدروب والحواري المجاورة لساحة محمد الخامس، خشية استفزاز الطلائع البشرية الأولى المتدفقة في عمق الساحة.
شعارات وأحلام
"الشعب يريد إسقاط الحكومة"، "ما في خوف ما في خوف جماهير كلاشينكوف"، "يا نظام سمع سمع هذا الشعب ما يركع"، وشعارات أخرى ترددت على ألسنة أزيد من 4000 متظاهر حجوا من مختلف عمالات ولاية الدار البيضاء إلى ساحة محمد الخامس، همهم الوحيد إسقاط الحكومة، وحل برلمان ظل بالنسبة لهم مجرد واجهة لتأثيث فضاء المشهد الديمقراطي بالبلاد، وتغيير دستور اعتبروه بمثابة القانون المنتهية صلاحيته. وعلى الرغم من ضعف تمثيلية الأطياف السياسية والجمعوية، إلا أن شباب الفايسبوك، أو بالأحرى شباب حركة "20 فبراير"، حاولوا –من خلال شعاراتهم الحماسية- سد الثغرات والبياضات التي ميزت الفقرة الاحتجاجية الصباحية، لكن فور نزول شبيبة العدل والإحسان إلى عمق الساحة، ارتفع مؤشر الاحتجاجات وتنوعت لغة الشعارات، لتشكل إلى جانب خطابات ونداءات اليسار الجذري ثنائية سريالية نادرا ما تفرز عند التقاء غريمين تقليديين.
من ساحة محمد الخامس إلى ساحة جامع الفنا
عكس الوقفات التي عرفتها المدن المغربية، شهدت ساحة محمد الخامس تنظيما متميزا، رغم انعدام قيادة محددة، إذ بمجرد ما شعر الشباب الفايسبوكي بأن الوقفة أضحت أكبر مما خططوا له سلفا، تحولت ساحة محمد الخامس إلى ما يشبه سوق "عكاظ" من خلال إنشاد قصائد الشعر التي تهجو حكومة "العباس" وحاشية الملك، لتتحول في نهاية المطاف إلى نسخة مصغرة من ساحة جامع الفنا بمراكش، بعد أن تشكلت في باحتها حوالي ثمان حلقات فرجوية وأخرى فكرية لقتل رتابة الوقفة الاحتجاجية، حيث برزت حلقة نظمها أحد المنتسبين لشبيبة العدل والإحسان، وهو يلقي "محاضرة" مقتضبة عن الثورة التونسية والليبية، وأخرى أبدع فيها بعض الشباب أغاني "الراب ماروكان" المليئة يالإيحاءات السياسية، فيا شهدت بعض الحلقات، إبداع بعض الشباب لسكيتشات ساخرة تناولت من خلال الكوميديا السوداء الواقع المغربي المعيش، لكن وما أن حلت الساعة الرابعة بعد الزوال حتى أعلن أحد أعضاء اللجنة المنظمة عن انتهاء المظاهرة، ليأمر الجماهير بالانسحاب من الساحة، مؤكدا على أن مطالبهم ستؤخذ بعين الاعتبار وهو يبشرهم بكون "الميساج راه وصل"، وأن "الكونيكسيون" فيما بينهم ستتم عبر القلعة "الفايسبوكية" كالعادة. غير أن المفاجأة كانت أكبر مما تصوره شباب "20 فبراير"، إذ أن الأمور خرجت عن سيطرتهم مباشرة بعدما قررت الجماهير الغاضبة تنظيم مسيرة حاشدة تجوب شوارع الدار البيضاء، وهم يرددون "حنا بايتين هنا"، "يا حكما الهزيمة عطيو للشعب الكلمة"، "سير يا عباس... راك طلعتي في الراس"، وغيرها من الشعارات التي ظلت ترددها الجماهير بشكل حماسي. وما هي إلا لحظات حتى أخذ المحتجون في الركض بسرعة صوب "الكرة الأرضية"، ليجدوا أمامهم حاجزا أمنيا متحركا من فرقة الصقور وقوات التدخل السريع، وهو يغلقون كل المنافذ والممرات بدراجاتهم النارية، كي لا تخرج المظاهرة عن نطاقها العادي.
كادت البيضاء أن تلتحف بالسواد
بعد هذه الخطوة التي نفذها المحتجون تضاعف عددهم ليصبح أزيد من ستة آلاف متظاهر مع حلول المساء حسب تقديرات الحاضرين، وهو يرفعون لافتات تنادي في مجملها بإقرار دستور ديمقراطي وملكية برلمانية مع فصل السلط واستقلال القضاء ومحاكمة المتورطين في الفساد وناهبي خيرات البلاد، بالإضافة إلى إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين وإدماج المعطلين والحد من غلاء الأسعار. وبعد مرور حوالي نصف ساعة، التحق شباب "20 فبراير" بالمحتجين مرة أخرى، يطالبون إياهم بالعودة إلى ساحة محمد الخامس، وعدم اللجوء إلى تخريب الممتلكات، خاصة وأن اتفاقهم المسبق –حسب أحد أعضاء الحركة- نص على سلمية المظاهرة، وعلى الرغم من ذلك رفض المحتجون هذا الأمر ليتوجهوا إليهم بشعار مفاجئ "وا الخونة!". غير أنه في آخر المطاف استجاب المحتجون لمطالب الحركة وقرروا العودة إلى ساحة محمد الخامس، آنذاك وجدوا أنفسهم محاصرين من جديد من طرف قوات التدخل السريع وفرقة الصقور. الأمر الذي دفعهم إلى الانقسام إلى مجموعتين، حيث ظل أغلبهم بساحة محمد الخامس وواصلوا تنظيم سلسلة من الحلقات، فيما توجه الآخرون إلى شارع محمد الخامس وتحديدا قرب مقهى فرنسا، وهم يرددون مجموعة من الشعارات... هكذا ظل الأمر حتى حدود العاشرة ليلا، لتستعيد البيضاء هدوءها، ويمحو 20 فبراير كابوس 20 يونيو 1981 عن البيضاويين.
مسيرة الرباط
مظاهرة حضارية برسائل قوية
صبيحة الأحد 20 فبراير، وتحت زخات مطرية تجمع عدد من المتظاهرين في ساحة باب الأحد، وكان المكان يؤرخ الزمان، إنها ذات الساحة التي كانت تعلق على بابها التاريخي الشهير رؤوس المعارضين في الماضي، هي الآن تخلد حدثا سيظل موشوما. فما كان لأحد أن يصدق الرؤيا ويشاهد بأم عينيه الوجوه المغيبة عن السياسات العمومية، ويسمع الأصوات التي ضاعت في زحمة الزمن المغربي وهي تنبعث من جديد. وجوه تدب فيها الحيوية، وأصوات تصدح في الأرجاء بشعارات كنا إلى وقت قريب نخشى ترديدها. ولو في باحة اللسان.
نجوم الفايسبوك والمسيرة الألفية
على عادتها كانت الرباط هادئة في ساعات يقظتها الأولى، حيث لا وجود لعشرات الآلاف من المتظاهرين، ولا شرطة تقمع الناس وتصدهم ليعودوا إلى بيوتهم خائبين، كما قالت مراسلة (فرانس 24) في نشرة الساعة العاشرة صباحا، عناصر الشرطة اكتفت بالاختباء في زوايا الشوارع الرئيسية يراقب أفرادها المشهد من بعيد ولا يتدخلون. إلى حدود الساعة الحادية عشرة كان عدد المتظاهرين في ساحة "باب الأحد" لا يتعدى 1500 شخص، حركة "20 فبراير" كانت في صلب الحدث، ردد بعض أعضائها شعارات من قبيل (علاش جينا حيت الما والضو غالي علينا، للي بغيناه يكون إيكون بالوحدة والتضان، الشعب يريد إصلاح الدستور، الشعب يريد إسقاط الفساد، لا تراجع لا استسلام... المسيرة إلى الأمام...)، كانوا وجوها مألوفة عرفناهم على شاشة النت، وأصبحوا نجوما جديدة في ساحة النضال، تداولت صورهم الصحف المستقلة، رسائل الفيديو وال"(MMS) وغرف الشات ...، عندما نزلوا إلى الشارع كانوا قد حضروا كل أدوات النضال اللازمة، مكبر الصوت الذي حملوه على سيارة من الطراز القديم، أوراق الشعارات التي وزعوها فيما بينهم بالتناوب، مطالبهم المرقونة بعناية... وغيرها من الأدوات، لكن غاب عنهم التحضير للصدف الغريبة التي من الممكن أن تطاردهم في مغرب (التشريق والتغريب)، ساعة واحدة كانت كافية لتغيب أصوات القادة الفايسبوكيين وتحضر أصوات حشود شبابية أخرى، أغلبها ينشط في تنظيمات حقوقية وسياسية معروفة. في البداية اصطدم شباب "20 فبراير" مع مطالب حركات أمازيغية حمل أصحابها أعلاما ترمز لوطنهم (المفترض)، وطلبوا منهم أن يحملوا علم وطن واحد يرمز لنا جميعا، لكنهم أصروا على موقفهم الذي ظلوا عليه قائمين إلى نهاية المشوار. كانت المسيرة تنطلق بحوالي ثلاثة آلاف متظاهر من أطياف مختلفة، إذ حضرت شبيبة العدل والإحسان وشبيبة الطليعة والنهج الديمقراطي وأعداد مهمة من شبيبة العدالة والتنمية الذين ساروا ضد رياح بنكيران المقاطع، ويبدو أنهم اختاروا السفر في طريق الرميد الذي كان في الموعد واستقبلوا خبر استقالته من عضوية الأمانة العامة للعدالة والتنمية بترحاب وتشجيع، كما تموقع شباب منظمة "أطاك" المعبؤون لهكذا وقفات في مقدمة المسيرة... ومع حركتها الدؤوبة عبر شارع الحسن الثاني، كانت القيادة الشبابية ل"20 فبراير" قد اتخذت طريقا آخر عبر شارع إبن تومرت، إذ لا يكن لمسيرة أن تسير برأسين، ولعل سبب اختيارهم هذا الطريق كان خوفا من الاحتواء، إذ صرح أحدهم ل"المشعل" بالقول: "إن المسيرة لم تعد تمثلهم"، لكن ما إن أزمعوا على العودة إلى المسار الصحيح، حتى تضاعفت أعداد الملتحقين بركب التظاهرة، وتوافد حاملو المطالب الاجتماعية من مختلف الأجناس والأعمار، سكان حي عكراش رفعوا لافتات تطالب بإنصافهم في ملف السكن، الجمعية الوطنية للمجازين المعطلين وحاملو الرسائل الملكية رفعوا شارات تطالب بالتوظيف عاجلا غير آجل، عائلات المعتقلين السياسيين في ملفات ما يسمى بالإرهاب طالبت بإطلاق سراح ذويها، التنظيمات الحقوقية حضرت بتمثيلياتها، خالد السفياني وأحمد أمين كانا في الموعد، وتساءل البعض عن سر تخلف آمنة بوعياش رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان عن موعد كهذا...
دقائق معدودة كانت كافية لتضيع أصوات القادة الفايسبوكيون في زحام عشرة آلاف متظاهر بعد أن انضافت أمواج المواطنين، غطوا في لحظات شارع محمد الخامس وشارع الحسن الثاني بالرباط، لكن الفرح بدا في عيون بعض هؤلاء القادة ممن أكملوا المسيرة إلى أن حطت أوزارها على الساعة الثالثة والنصف بعد الزوال، لم لا وقد تحقق حلمهم وهم يشهدون صناعة حدث تاريخي ومسيرة ألفية حضارية بكل المقاييس خرجت من رحم العالم الافتراضي، فإذا بها واقعا يتحدث عنه العالم بأسره؟!
مسيرة حضارية بلا قيادات حزبية
صرح فوزي الشعبي ل"المشعل" ب"أن الذين استفادوا من نظام الحكم لم يحضروا للمسيرة..."، قد تكون أمور أخرى حجبت الرؤية أمام القيادات الوطنية والرموز الحزبية ليكونوا كما عهدنا بعضهم في مقدمة التظاهرات السلمية، أمناء الأحزاب السياسية غابوا بالجملة عن الحدث، قيادات في أحزاب كبرى كانوا يقفون متفرجين على جنبات شارع محمد الخامس، هذا الأخير تحول إلى حلقات هنا وهناك، حلقة العدل والإحسان وأعضاء في شبيبة العدالة والتنمية تجاورت جنبا إلى جنب مع حلقة اليسار، رد الإسلاميون شعارات تنادي بإسقاط الحكومة، حل البرلمان وتغيير الدستور، كما نادوا بإطلاق سراح المعتقلين الإسلاميون من المعتقلات السرية والسجون، وكانوا يحملون لافتة تحت عنوان "وتستمر الانتهاكات" ضمت شريط صور من مختلف الأطياف (عبد السلام ياسين رفقة عمر بنجلون وبنبركة وحسن الكتاني...)، إلى جوارهم تظاهر شبيبة الطليعة والنهج الديمقراطي ومنظمة أطاك مرددين مقاطع وأناشيد ثورية، ورافعين شعارات منددة بانتشار ظاهرة الرشوة (فين مامشينا الرشوة، عند البوليس الرشوة، عند المقدم الرشوة...)، واتفقوا في مطالبهم حول الإصلاح... "الشعب يريد إسقاط الدستور، الشعب يريد إسقاط الهمة، الشعب يريد إسقاط الفساد، الشعب يريد إسقاط الحكومة، الجزيرة كاتفضح ودوزيم كاتشطح...). وكما صرح يوسف بوزداق عن حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ل"المشعل": "إن الشعوب اليوم أخذت مبادرتها متحررة من الخوف والقمع من أجل ديمقراطية حقيقية ودستورية، وتريد حكومة شعبية وطنية وملكا لكل المغاربة يضع قطيعة مع فئة المرتزقين....". انخرطت كذلك جموع غفيرة من المواطنين في أجواء الحلقات رافعة حناجرها بالهتاف، بعض مشجعي الفرق الوطنية شاركوا أيضا في المسيرة، استوقفنا أطفال كانوا يحملون لافتة كتب عليها "الهمة ديكاج، الماجدي ديكاج" في إشارة إلى محيط الملك، حيث تعالت الهتافات بإبعادهم عن السياسة ومقدرات المغرب الاقتصادية. وعند بوابة البرلان جلس شباب يمثلون عدة تنظيمات وتلوا بيانهم المطلبي الذي نادى ب(دستور جديد، انتخابات نزيهة، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، حل أزمة بطالة الخريجين)، كما أعلنوا تضامنهم مع الشعب الليبي ودعوا إلى مساندته إلى غاية إسقاط نظام معمر القذافي.
هكذا استمرت الأجواء بوتيرة احتجاجية متناغمة ولم تسجل صدامات تذكر، حيث احتج بعض المعارضين على بعض الشعارات المرفوعة، مثل تدخل سيدة قدمت نفسها على أنها أستاذة محتجة على رفع شعار إصلاح التعليم، وقالت إن التعليم بألف خير، لتقاطعها بعض التعليقات إن كانت تقصد التعليم الخصوصي أم العام، وتفاديا للاحتكاك قدم لها أحد المؤطرين مكبر الصوت ودعاها لاعتلاء المنصة والتعبير عن رأيها بكل حرية. هكذا استمرت الأجواء إلى غاية الساعة الثالثة والنصف، حيث انفضت المسيرة محققة نجاحا نقطع النظير، إذ كانت خير تعبير عن وعي المتظاهرين وعن نضج وحسن لباقة السلطات المسؤولة عن حفظ الأمن العام.
برلماني-رئيس مقاطعة السويسي
فوزي الشعبي: بعض حاشية الملك مارسوا التعسف
شاركت في مسيرة 20 فبراير رفقة الشباب، ولم أكن أتوقع حضور هذا الكم الغفير من الناس رغم ظروف الطقس التي لم تكن مساعدة، ومرت الأجواء العامة للتظاهرة في جو حضاري وسلمي، حيث رفعت شعارات كانت في أغلبها الأعم تنصب في إطار المطالبة بتغيير الدستور وإسقاط المفسدين من دواليب الحكم. أعتقد أن ما يرغب فيه الناس بشكل عاجل هو تخليق الحياة السياسية وتكافؤ الفرص في الشغل والصحة والتعليم وغيرها من القطاعات الحيوية، وتلك مطالب مشروعة لا يمكن الجدال حولها. ومن وجهة نظري الخاصة فكل الذين استفادوا من نظام الحكم لم يحضروا المسيرة، مع الإشارة إلى أن الأحزاب الكبرى كانت حاضرة كذلك، فقد شاهدت أعضاء من الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والعدالة والتنمية وعدد من الأحزاب الأخرى.
كرجل أعمال وبرلماني ورئيس جماعة السويسي بالرباط، أرى أن بعض حاشية الملك مارسوا التعسف في بعض المحطات، إذ تم إقحام حزب "البام" في لعبة سياسية غير متكافئة، مما ساهم في إفساد المسار الديمقراطي للمغرب الذي حافظت عليه المكونات السياسية طيلة ثلاثين سنة، لكن –وفي ظرف سنة واحدة فقط- تراجعنا عن كل هذه المكتسبات. أعتقد أن الإشارات وصلت إلى الملك وإلى كل المسؤولين، ومن المأمول أن تكون الاستجابة فورية لهذه المطالب، ولا بد أيضا من ضخ نفس جديد في الانتخابات باعتماد معايير الشفافية والنزاهة، لدفع 70 في المائة من الأغلبية، التي ل تصوت خلال الاستحقاقات الانتخابية السابقة، إلى التعبير عن رأيها بحرية واختيار نخبة نظيفة تصعد من صناديق الاقتراع.
وتابعتم جميعا المسيرة الناجحة بمدينة الرباط، كل الشعارات لم تتناول الملك أو الأسرة الملكية بسوء، وهذا يمثل إجماعا حول شخص الملك وتوحدا للمواطنين حول الشرعية التاريخية لوجود الملكية بالمغرب وهو ما يجب أن يستثمر بشكل إيجابي لتنظيف الدولة من المفسدين.
فتح الله أرسلان: عن العدل والإحسان
المرحلة الآن لا تتطلب ترقيعا
احتجاجات 20 فبراير نعتبرها خطوة يجب أن تتبعها خطوات وهي تدشن لسلسلة من المراحل التي ينبغي أن تستمر من أجل تحقيق المطالب الأساسية، وفيما يتعلق بهذه المطالب الأساسية، وفيما يتعلق بهذه المطالب فهي مختلفة حسب الفئات التي خرجت، وليست موحدة، لكنها تجتمع بصفة عامة حول الأمور الأساسية، منها تغيير الدستور والحريات وفصل السلط والقضايا الاجتماعية والحقوقية ومناهضة الإفراط في السلطة والرشوة والمحسوبية والريع...، كل هذا يجمع عليه الجميع، لأن المرحلة الآن لا تتطلب ترقيعا، خصوصا إذا رأينا أن ما يقع الآن في العديد من البلدان، فالمغاربة ليسوا بمعزل عما يقع، هم يرون ويقدرون ويعرفون أن المرحلة تتجاوز السلطة فيها رفع الشعارات وإصلاحات ترقيعية، بل يجب أن ندخل في مرحلة جديدة، وأنه يتحتم أن تكون هناك إصلاحات جذرية تستجيب بالفعل لطموحات الشعب المغربي، كما هي مطروحة الآن على الساحة العربية والدولية، لا كما كانت تتردد في المراحل السابقة، حيث كانت عبارة عن مسكنات فقط. ونعتقد بأن ما يقع يجب أن يدفع المسؤولين في الدول العربية بصفة عامة إلى أن يتخذوا هم المبادرة ويسبقوا الأحداث، لا أن ينتظروا حتى تطرح هذه المطالب. لهذا يجب المسارعة بإقرارها قبل فوات الأوان، ونعتقد أن الظرف لم يعد يسمح بالتأخير.
سمير أبو القاسم: عضو قيادي في حزب البام
على المسؤولين أن يتسع صدرهم للشباب
المسيرة الحضارية التي شهدتها مدينة الرباط والدار البيضاء وعدد من المدن المغربية تتطلب الدفع بعجلة التنمية إلى الأمام على عدة مستويات، منها تحقيق المطالب العاجلة في الشغل والسكن والصحة، وهذه هي الشروط الأساسية التي تشكل العيش الكريم للمواطنين، والأمر الآخر هو ضرورة توفير المزيد من شروط الانفتاح السياسي الذي عرفه المغرب منذ ما يربو عن عقد من الزمان. عن طريق تخليق الحياة العامة، والحياة السياسية، والتباري على تدبير الشأن العام، والانفتاح على مختلف الشرائح الاجتماعية من طرف الفاعلين السياسيين... كل هذا يتماشى مع مطلب ملح وهو دعم عملية المشاركة السياسية بشكل قوي.
الجديد في حركة "20 فبراير" هو انتقال النقاش الافتراضي على الفايسبوك إلى فضاء واقعي، وهو يبرز مدى تعاطي الشباب مع المشهد السياسي، على اعتبار أن العالم الافتراضي ليس مثل العالم الواقعي، الواقع يتطلب جهدا أكبر، وهذا هو الدرس الكبير الذي على الفايسبوكيين أن يلتقطوه، وعليهم كذلك أن يعرفوا المعارك الكبيرة التي يخوضها المغرب بمناضلاته ومناضليه منذ أمد بعيد.
أعتقد بأن ردود الفعل الرسمية حول مطالب الشباب الذين نادوا بها في مسيرة "20 فبراير" لن تكون إلا ردودا إيجابية، ومن الضروري إعمال كل الصيغ والكيفيات الممكنة للإنصات لشبابنا مع ضرورة الاستجابة لمطالبهم. تطرح اليوم تساؤلات كبيرة: هل نعكس فعلا إرادة الانطلاق التي رست مع بداية تسعينيات القرن الماضي؟ وكيفية التعاطي السياسي عن ملفات الإصلاح المطروحة الآن؟ وطرق التعاطي أيضا مع الجو السياسي العام في العالم العربي والمشاكل الاقتصادية التي يمر منها العالم اليوم؟ وهل يتسع صدر المسؤولين المغاربة من فاعلين سياسيين ونقابيين وجمعويين لهذه الأجيال الجديدة التي أصبح لها تعبير سياسي جديد أصبح يطور فهمه السياسي في معزل عن كل الأجهزة؟ وقد لاحظنا هذا من خلال رفضهم للاحتواء من طرف تنظيمات أخرى.
نحن في حزب البام سنتجاوب مع هذه المطالب بشكل إيجابي، وننصت بعمق إلى نبض الشباب، وهذا هو السر وراء التواصل المكثف الذي سبق وقنا به في الجهات والأقاليم، وأظن أن من شأن الجهوية الموسعة أن تجد إجابة كبيرة لمختلف مطالب الشباب المشروعة.
نور الدين يصرح ل"المشعل":
يجب على الملك وحاشيته بيع شركاتهم من أجل مصلحة الوطن
أعلنت خلال ندوة أقيمت بالرباط أن بعض المحيطين بالملك بدأوا بالانسحاب من عالم الاقتصاد، كيف ذلك؟
قلت أن منير الماجدي أعلن أنه سينسحب من شركته "FCAD" وليس من كل شركاته، وهي الشركة التي أسسها حديثا بهدف تسويق الإشهار عبر وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية البصرية، هذا يعد في نظري مؤشرا حسنا.
وقلت أيضا خلال تلك الندوة إن الملك بدأ يبتعد بدوره عن عالم الأعمال، سيما عندما وقع عقد إدماج بين "أونا" و"SNI" السنة الماضية، قصد تحويل هذا الإدماج إلى شركة واحدة إسمها "لا إسيني"، تهدف إلى بيع الشركات التي كانت في حوزة "أونا"، من قبيل "المركزية للحليب"، "كوسيمار" و"لوسيور"، وأتمنى أن تلقى شركات أخرى المصير نفسه وأن يتم تطبيق ذلك، ويبيع الملك شركاته، لأنني أرى أن على رئيس الدولة أن يبتعد عن ميدان الأعمال. لقد أعلنوا الآن عن هذه الخطوة ويتجهون عمليا نحو تطبيقها من أجل خلق "صندوق الاستثمار – LE FOND D'INVESTISSEMENT"، والذي سيمح بعد بيع شركاتهم بمساعدة الشركات الأخرى الصغرى والمتوسطة ودعم كل من يريد شركات من خلال منحهم قروضا، وكل هذا بغية تنمية البلاد، وبالتالي فاعتماد مشروع "صندوق الاستثمار" سيكون في صالح اقتصاد المغرب، وليس لصالح الملك وحاشيته بشكل شخصي، وهذا ما نريده.
إلى ذلك، أكدت أن على الملك أن يسود ولا يحكم، وهذا المطلب قلته على شاشة قناة "France 24" وعبر العديد من الصحف الوطنية، لأنه يمثل هدفنا الحالي، وذلك اعتبارا لأن الديمقراطية الحقيقية لن تبنى إلا في عهد الملكية التي سترأسها محمد السادس الذي يخدم صالح بلاده وشعبه، ويجب أن تكون توجها وخيارا استراتيجيا في مسار التطلع نحو حكامة جيدة فيها نموذج الملكية الذي أشرت إليه.
كنت تشير في مداخلات سابقة إلى أن الظرفية الآن لا تساعد على تطبيق الملكية البرلمانية، هل الظرفية حاليا أصبحت مساعدة على تطبيق هذا الأمر؟
أعتقد بأن الظرفية الراهنة تظل مواتية، ومن قبل قلت يجب أن نبدأ بتطبيقها تدريجيا خلال الخمس سنوات المقبلة، هذا ما صرحت به منذ عشر سنوات، الآن مضت خمس سنوات، وهذا يعني أنه ينبغي أن نصل إلى ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، ولكن يتحتم أولا الاشتغال على تعديل الدستور، من أجل إرجاع الدور الفعلي للوزير الأول، وأن نتجنب ما يقع في الحكومة عندما يساءل وزراءها ويقولون إنهم طبقوا الأوامر الصادرة عن الملك، ما هذه التفاهة؟ هل عقولنا غيبة إلى هذه الدرجة؟، كيف سنغير واقع هذا البلد؟ فيجب على المسؤولين في الحكومة الذين يصوت عليهم الشعب ويمنحهم أصواته العمل وفق برنامج لتنفيذه، لا أن ينتظروا تعليمات الملك، لأن هذا الأخير يبقى فوق الجميع، ولكن لا يجب أن يعمل ويحكم وأن يقوم بمهام وأعمال تدخل في نطاق اختصاصات الحكومة.
أضف إلى هذا أن الأحزاب لها دور مهم جدا، لأنه في الديمقراطية التي نطمح إلى إقرارها، ينبغي على الأحزاب أن تكون ديمقراطية وأن نمنحها الأهمية ونحترمها، لأن الأحزاب المغربية إذا ظلت "محكورة" و"غبية"، كما كانت في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، فإن عليها في عهد الملك محمد السادس تجاوز هذه الأمور التي ذكرتها، ويحق لها أن تقبض على زمام الأمور وتحصل على الثقة في أشغالها، عبر إقصاء الشيوخ و"الناس الكبار" الذين هم على رأس هذه الأحزاب، والذين لا يسعون إلا إلى تدبير مصالحهم الشخصية. وهكذا، يجب منح الفرصة للشباب، سيما وأن الشباب والنساء ليس في المغرب فقط، بل حتى في تونس ومصر لعبوا دورا كبيرا في تطوير هذه البلدان، والحمد لله فالمغرب ليس ديكتاتورية مثل ليبيا وتونس ومصر. نحن لدينا أهداف وقمنا بخطوات إيجابية في سبيل إقرار الديمقراطية، غير أني أؤكد هنا على أننا لم نصل بعد إلى معانقة أجواء الديمقراطية التي نرغب فيها.لذلك لا يجب الجمع بين الحكم والمال، والأمر نفسه بالنسبة لحاشية الملك، مع تعديل جذري للدستور ومحاربة مظاهر الرشوة بشكل جدي وعملي، وليس من خلال خلق جمعيات وهيئات مدنية فحسب، وإنما يلزم العمل على إعطاء ملف الرشوة أهميته حتى يتسنى لنا التصدي لهذه الظاهرة، هذا إضافة إلى أنه ينبغي السعي إلى إرغام ناهبي خيرات البلاد وأموالها على إعادة ما غنموه، مع إحالتهم على المحاكمة.
هذه المطالب هي التي ينادي بها شباب "20 فبراير"، أنت كنت من المقربين من صناع القرار، لماذا لم تسع إلى المناداة به قبل الآن؟
منذ عشر سنوات وأنا أنادي بهذا الأمر، وكتبت بشأنه على صفحات العديد من الصحف وأدليت بتصريحات لقنوات أجنبية، أما القناة العمومية الوطنية فلم تكن تسمح لي بهذه الفرصة، بحكم أنها لا تملك حرية التعبير، وما زالت تحتاج إلى اعتماد الجرأة. يجب تبديل عقلية التلفزة المغربية، لأنها ليست في ملكية الحكومة ولا الدولة، وإنما تظل ملكا للشعب.
سبق لي وقلت إن على الملك أن يسود ولا يحكم في السنة الأولى لحكم الملك محمد السادس، ولدي مقال في صحيفة "LA VIE ECONOMIQUE" بهذا الشأن، وصرحت بهذا في العديد من المناسبات خلال السنوات الماضية، وبالتالي فما يصلح لهذا البلد هو في صالح الملك، وهو يدري هذا جيدا، وفي إطار الملكية يجب أن تقدم الأحزاب مطالب حقيقية، وألا تترك المبادرة للشباب وحدهم، وأنا متفق مع المطالب التي نادى بها الشباب في مسيرة 20 فبراير.
ذكرت أن الملك بدأ يبيع بعض شركاته وتلك إشارات اقتصادية عاجلة، في نظرك ما هي الإشارات ذات الطابع السياسي التي تبقى ضرورية وعاجلة بدورها؟
أولا يجب الانكباب على تعديل الدستور، وألا يصبح الوزير الأول شكليا، بل له صلاحيات وسلطة حقيقية، وحتى يصوت الشعب على أحزاب تملك الأرضية لتطبيق برامجها. اقتصاديا يتوجب على من يدور في فلك الملك جعل شركاتهم بأكملها في خدمة مصلحة البلاد، لأن الملك يظل فوق الجميع وأنا احترمه وأقدره وأناشده أن يبيع شركاته وشركات المحيطين به، ويعكف على معاقبة كل من خرق القانون من أجل استعادة ثقة هؤلاء الشباب في وطنهم.
هل تتوقع أن يرفع هؤلاء الشباب من سقف مطالبهم المعلنة؟
أنا اتفق مع هذه المطالب كلها واعتبرها منطقية وأمل في أن يتحقق أغلبها تدريجيا.
حسن طارق: عضو قيادي بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
يجب أن تصل رسالة الشباب إلى من يهمهم الأمر
كيف ترى حركة "20 فبراير" والمطالب التي رفعتها؟
مطالب حركة "20 فبراير" لا تختلف كثيرا عن المطالب الإصلاحية الموجودة في بلدنا، هذه المطالب لها ثلاثة أبعاد هي مواجهة الفساد والإصلاحات السياسية والمؤسساتية والدستورية، ثم حل الإشكاليات الاجتماعية. وأنا اعتقد بأن بلادنا محتاجة إلى خطوة جديدة ونفس جديد وجيل جديد من الإصلاحات، لتجاوز الاختناق الذي عشناه بين 2002 و2007.
نحن محتاجون إلى إعادة تحقيق انتقال ديمقراطي عبر أهداف حقيقية كثيرة، فهؤلاء الشباب ينطلقون من هذه القراءة ومن هذه الخلفيات، ويقدمون هذه المطالب التي يتقاسمها معهم كل الديمقراطيين واليساريين وغيرهم من أجل التغيير داخل بلادنا.
يجب أن نقول طبعا إننا أمام تحول كبير في العمل السياسي في بلادنا، فالمطالبة بالإصلاحات السياسية ظلت بين الأحزاب السياسية والدولة، واليوم أعتقد بأن خيرة أبناء هذا البلد الذين ليست لهم انتماءات سياسية مباشرة يخرجون إلى الشارع ليطالبوا بإصلاحات سياسية مغربية، رغم أنه من المعروف كون المغاربة خرجوا إلى الشارع منذ سنوات، وهو ما جعل الأمر يبدو عاديا، ومطالبهم لا تتجاوز سقف القضايا الاجتماعية أو التظاهر من أجل القضية الوطنية والقضايا القومية.
اليوم هناك احتجاجات وتظاهرات ونزول إلى الشوارع تحت شعار قوي وكبير وهو الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، يجب أن تصل الرسالة إلى من يهمه الأمر وينبغي أن يتجاوب الجميع، كل من موقعه من مطالب هؤلاء الشباب.
كيف تفاعلتم مع هذه الحركة؟ وكيف ستتفاعلون في حالة تنظيمها وقفات احتجاجية مستقبلا؟
اعتقد بأننا تفاعلنا مع هذه التظاهرة بشكل إيجابي، حيث شاركنا فيها، طبعا الآن سننظر إلى هذه الحركة، وما هي أجنداتها وما قررت القيام به مستقبلا، الأساسي هو أن تفتح كل المنظمات الشبابية الديمقراطية واليسارية مقراتها في كل مدن وقرى المغرب لتحاور هؤلاء الشباب وتناقشهم وتقدم لهم رؤيتها للإصلاح السياسي لتتفاعل معهم يعتبرونه مطلبا أساسيا وعاجلا.
في نظرك كيف سيرد الملك على هذه المطالب؟
يجب على جلالة الملك أن يتعامل بالحكمة المعهودة فيه مع مطالب لا تعتبر أن هناك أزمة نظام في المغرب ولا أزمة شرعية، مطالب تعتبر أن الأزمة هي سياسية وأزمة في التدبير والحكامة، وبالتالي أرى أن المؤسسة الملكية ينبغي لها أن تتفاعل بشكل إيجابي مع مطلب هؤلاء الشباب، كما يجب أن نتفاعل جميعا مع هذه المطالب.
عبد الإله منصوري: عضو اليسار الاشتراكي الموحد
هذه الوقفة تعد بداية الوقفات التي سينظمها الشعب المغربي في عدد من مدن المملكة، مطالبها الأساسية واضحة هي مناهضة الاستبداد والدعوة إلى تغيير حقيقي يواكب حركية التغيير التي يشهدها الوطن العربي، خصوصا في تونس ومصر. طبعا هذه المطالب كانت مطروحة تاريخيا من طرف القوى الديمقراطية الوطنية والشعب المغربي، منها مبدأ إقرار دستور ديمقراطي يمنح السيادة للشعب، ويؤسس لملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم ومحاربة الفساد ونهب المال، ومطالب التمييز بين ممارسة الحكم والعمل التجاري وإصلاح مؤسسات الدولة وإقرار انتخابات نزيهة والتخلي عن فبركة الأحزاب والأغلبيات، بالإضافة إلى القطع مع نموذج الحزب الإداري الأغلبي الذي أحيى نموذجه حزب الأصالة والمعاصرة.
كل هذه المطالب تختزلها الحركة التي يتفاوت فيها الحضور الجماهيري بين مدينة وأخرى، وبطبيعة الحال كان الحضور الأكبر بالرباط، والمهم هو أنه تم تكسير حاجز الخوف، حيث أن هناك حملة شنتها أجهزة الدولة المختلفة، إذ جرت قرصنة مواقع الذين ذهبوا إلى هذه المسيرات، كما تم التشويش على الرأي العام عبر ما حدث في طنجة بعد قيام مجموعة من "البلطجية" المغاربة بأعمال تخريبية، حتى يوصلوا صورة للشعب بأن التظاهرات السلمية هي قرينة بالتخريب والفوضى، وهذا ليس صحيحا نحن نظمنا تظاهرات مليونية للتضامن مع العراق وفلسطين ولم يحدث أي حادث. وإذا ابتعد الأمن عن هذه الأنشطة فستكون هي أيضا أبعد ما تكون عن التخريب والتدمير.
نعيمة فرح: قيادية في التجمع الوطني للأحرار
أنا أرى أن مطالب حركة "20 فبراير" مطالب اجتماعية معقولة، لكن الذي نرفضه هو أن جهات معنية حاولت الاستيلاء والركوب على فكرة هؤلاء الشباب وتسخيرها لأغراض سياسية. والجميل في الموضوع أن بعض شباب الحركة فهموا هذه الأمور مسبقا، ولهذا سارعوا إلى إلغاء مسيرتهم، إذ قدموا لنا درسا عظيما في المواطنة بكل صراحة، بعد أن أدركوا أن جهات معنية حاولت الركوب على مطالبهم الاجتماعية وتحويلها إلى مطالب سياسية.
أنا أتعبر أن حرية التعبير حق لكل مواطن مهما كان انتماؤه، لكن ما نخشاه هو ما وقع في بعض المناطق، حيث تحولت هذه التظاهرات إلى فوضى، وأقول إننا نتفق مع التظاهر والاحتجاج، غير أننا ضد الفوضى. وكقوى وطنية وديمقراطية لا يمكن إلا أن نتفاعل مع مطالب الشباب في الإصلاح في إطار سلمي واحترام تام للمؤسسات التي تشكل هوية المغرب،ولكننا ضد التوظيف السياسي لحركات
حرائق وتدمير، نهب وتخريب في مسيرات المغرب الاستثنائي
الحسيمة: خمسة قتلى وعشرات الجرحى
خرج حوالي أربة آلاف مواطن بمدينة الحسيمة يوم الأحد على الساعة العاشرة صباحا، على شكل ثلاث مجموعات... الأولى انطلقت من مسجد النور والثانية من حي سيدي عابد والثالثة من مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع الحسيمة، والتي تشكلت من مجموعة من الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية وشباب المدينة. بعد مرور حوالي ساعة التقت هذه المجموعات في شارع محمد الخامس. الكل كان يردد شعارات من قبيل "الشعب يريد إسقاط الفساد"، "الشعب يريد دستورا ديمقراطيا" وغيرها من الشعارات التي كانت تطالب بتغيير الدستور وحل البرلمان ومحاكمة المفسدين، وإحداث صندوق للتعويض على البطالة. لكن بعد الزوال، التحقت بهم مجموعة من الشباب تنحدر من أجدير وبوعياش وإمزورن وباقي المناطق المجاورة لمدينة الحسيمة، حيث تضاعف عدد المحتجين ليصل إلى 16 ألف مواطن، حس تقدير فعاليات مدنية. ومباشرة بعدها بدأت عمليات تخريب المؤسسات العمومية والخاصة وخلفت خمسة قتلى في صفوف المدنيين وعشرات الجرحى.
وحسب محمد هلالي، صحافي وعضو "حركة الريف نحو التغيير"، فإن "حركة الريف نحو التغيير دعت للتظاهر بتنسيق مع حركة "20 فبراير" من أجل المطالبة بالتغيير وإصلاح الدستور وإسقاط الحكومة وحل البرلمان بطريقة حضارية وسلمية. منذ الساعات الأولى ونحن نجوب شوارع الحسيمة. لكن تفاجأنا بقدوم مجموعة كبرى يمكن أن نطلق عليها إسم "البلطجية" قامت بتخريب الممتلكات العامة وسرقة أموال الشبابيك الإلكترونية، وتم إحراق المجلس البلدي للحسيمة وإتلاف الأرشيف وباقي المحتويات واقتحام فندق المغرب الجديد في شارع محمد الخامس وحرقه،بالإضافة إلى إضرام النار بمجموعة ن السيارات والتي تجاوزت 16 سيارة كانت مركونة على الطريق، بالإضافة إلى نهب بعض محلات الخمور، وقد استنكر الفاعلون السياسيون والمدنيون والنشطاء الحقوقيون ما أحدثه الشباب الغريب عن مدينة الحسيمة من تخريب وتدمير".
فاس: أحداث 14 دجنبر كادت أن تتكرر بصيغة أخرى
أرخت أحداث 14 دجنبر 1990 الأليمة بظلالها على ساكنة فاس بعد الإعلان عن تنظيم وقفة احتجاجية استجابة لنداء شباب "20 فبراير"، إذ عرفت المدينة يوم السبت الماضي حالة من الارتباك، وشهدت المحلات التجارية اكتظاظا غير مسبوق تسبب في نفاذ العديد من المواد الأساسية، مثل الدقيق المدعم والحليب وقنينات الغاز، كما ارتفعت أسعار الخضر بشكل جنوني. الكل توهم أن هذه الاحتجاجات ستستمر في الزمن وستطول، على غرار ما وقع في تونس ومصر. من جهتها امتنعت محطات الوقود عن بيع منتجاتها في قنينات بلاستيكية ال"بيدون"، عكس ما كان عليه الأمر في السابق، وبرر مسؤولو هذه المحطات الأمر بأنهم تلقوا تعليمات خشية أن تستغل القناني في أحداث عنف.
كما عمل نشطاء من جماعة العدل والإحسان على توزيع منشورات تدعو للمشاركة في هذه التظاهرة في الثانويات والمدارس.
في صباح الأحد خيم نوع من الهدوء الحذر على المدينة، أمن بعض التجار بسلمية المسيرة فقرروا فتح مخلاتهم، في حين تمسك البعض بإغلاقها خوفا من تكرار سيناريو أحداث 1990، لكن –وفي حدود الظاهرة- اطمأن الجميع وعات الحياة للعديد من المحلات التجارية، وفتح أصحابها محلاتهم مسلحين بالعصي والهراوات الكبيرة تحسبا لأي طارئ، سيما وأن الآراء تضاربت حول صفة منظمي هذه المسيرة. قال بعض التجار إنهم مجرد لصوص يحاولون الركوب على هذه المسيرة لهدف واحد هو السرقة، في حين تمسك البعض الآخر بأن الأمور لن تتجاوز حدود الاحتجاج العادي وبعدها ستعود الأوضاع إلى طبيعتها.
حدد مكان المسيرة، التي شاركت فيها شبيبات حزبية عديدة وتنظيمات نقابية وجمعوية على رأسها الطلبة القاعديون والعدل والإحسان وشبيبة النهج الديمقراطية وأعضاء من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وشبيبة حزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي، في ساحة "فلورانس" أمام بنك المغرب، ثم توجهوا إلى مقر ولاية الأمن المجاورة لمقر جهة "فاس بولمان" عبر شارع الحسن الثاني، كان في انتظارهم عدد من رجال الأمن يحرسون مقرهم لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، لكن الطلبة القاعديين نجحوا في استفزازهم، عندما رفعوا شعار "ولاد الشعب جوعتوهوم والبوليس علفتوهم"، "إسقاط النضال"، لكنهم في الأخير أدركوا حجم الشعارات المرفوعة ليقرروا الانسحاب بهدوء مرددين أن "الملك خدم البلاد، ونحن نريد محاكمة المسؤولين".
خلال هذه اللحظات وقع ارتباك في المسيرة، قرر البعض العودة إلى ساحة "فلورانس"، في حين تمسكت أطراف أخرى بالتوجه نحو ولاية الأمن، وعندما اقتربوا من مقر القناة الثانية، قرروا الاعتصام أمامه رافعين شعارات مستفزة، ففطن بعض الشباب إلى أن المسيرة "تسيست"، وهو ما جعلهم يرفعون شعارات مؤيدة للملك محمد السادس، وبعد العودة إلى ساحة "فلورانس"، قصدوا مرة أخرى ساحة المقاومة، وهنا ستبدأ بوادر الانشقاق بين الأطراف، خصوصا عندما نظم ناشطو العدل والإحسان حلقة، انتقدها القاعديون بشدة واعتبروها خروجا عن إطار الوحدة، بعد هذه الانتقادات اتجهت المسيرة نحو القصر الملكي، وفي الطريق وقع خلاف حاد بين التوجهات السياسية، البعض تمسك بالتوجه نحو القصر، فيما رفض الباقي هذا القرار، والنتيجة انقسام المسيرة، الأولى قادها القاعديون نحو معتقلهم في حي "ليدو" الصفيحي وتوجهت مسيرة العدل والإحسان نحو ملعب الحسن الثاني.
لكن بوادر الانفلات الأمني في فاس ستبدأ في الطريق إلى حي "ليدو" عندما وقعت مناوشات بين الطلبة القاعديين ورجال الأمن، زاد في تعقيد الأمور تزامن هذه المناوشات مع خروج جماهير المغرب الفاسي التي كانت تتابع مباراة فريقها، إذ نجح القاعديون في تعبئة هذه الجماهير فانقسموا إلى ثلاثة أفواج، اتجهوا في بداية الأمر نحو طريق "صفرو"، وعمدوا إلى رشق السيارات بالحجارة بشكل جنوني، ثم عملوا على تكسير واجهات العديد من المقاهي ومصحة خاصة، في حين فضل الباقي العودة إلى حي "ليدو"، الذي عاش على وقع المواجهات إلى حدود العاشرة ليلا، لدرجة أن رجال الأمن اضطروا إلى الرد على المتظاهرين بالحجارة أيضا.
عاش سكان حي بنسودة على وقع خدعة متميزة، عندما تقدم 300 شاب يرفضون شعارات تمجد الملك وصوره، لكن بمجرد وصولهم للشارع الكبير بالمدينة بدأوا يخربون كل شيء ويرشقون الجميع بالحجارة، كما كسروا واجهة إحدى الوكالات البنكية وخربوا شباكها الأوتوماتيكي واقتحموها محاولين حمل صندوقها الحديدي.
هذا الوضع الخطير دفع بساكنة الحي إلى مواجهة هؤلاء المتظاهرين بمساعدة رجال الأمن، لتعرف الساحة كرا وفرا بين الطرفين، حين عمد بعض الشباب إلى تقليد المواجهات بين المتظاهرين في مصر و"بلطجية" النظام المصري حين استعملوا لوحات إشهارية كدروع خلال هذه المواجهات.
والمفارقة الجميلة في فاس تمثلت في التمييز بين الأحياء تجسد في حضور المسؤولين الأمنيين، ففي حي "ليدو" الهاشمي حضر مسؤولون عاديون، في حين عرفت أحياء أخرى حضورا مكثفا لكبار ضباط الأمن ورجال الدرك ومصالح الاستعلامات ووزارة الداخلية، الذين تعاملوا بأسلوب حضاري مع هذه الظاهرة، وتجدر الإشارة إلى أنه اتخذ قرار بتوقيف الدراسة في كل المؤسسات التعليمية والجامعية بفاس طيلة يوم الإثنين، تحسبا لوقوع أحداث جديدة.
مراكش: تخريب ونهب في بلاد سبعة رجال
كانت كل المؤشرات في مراكش تدل على أن المسيرة ستكون سلمية، لدرجة أن من شارك فيها اعتبرها مسيرة متميزة ومتقدمة على كل المسيرات التي شهدتها المدينة من قبل، رفعت خلالها شعارات سياسية ومطالب اجتماعية متفرقة، وطالب عبرها المعطلون الذين شاركوا فيها بالتشغيل الفوري. واستمرت هذه المسيرة بشكل سلمي إلى حدود الساعة الواحدة زوالا قبل أن تنقلب الأمور رأسا على عقب.
هذا وكانت الشرارة الأولى عندما قررت فئة من المتظاهرين التوجه نحو ساحة "جامع الفنا"، وهو ما عارضه الباقي، لكن مع هيمنة الرأي المؤيد للتوجه صوب "جامع الفنا"، توغلت عناصر شابة وقاصرة وسط المسيرة، ستتسبب في الكثير من الفوضى.
إلى ذلك، فقد نجح الأمن في تجنب الاحتكاك المباشر مع المتظاهرين، إذ غاب لساعات طويلة، لم يظهر له وجود إلا بعد ساعات من اندلاع المواجهات وأعمال التخريب يقول مصدرنا.
انفلتت الأمور بداية في ممر مولاي رشيد، حين قام شباب وقاصرون ورشق المحلات التجارية بالحجارة، وعاش شارع "كليز" الوضع نفسه، لكن بطريقة أبشع، إذ نهبت محلات تجارية معروفة بماركاتها العالمية،كما نال محل "ماكدونالد" نصيه من التخريب.
وفي الوقت الذي كان فيه حي "كليز" يعيش على وقع الفوضى والتخريب، توجهت مسيرة أخرى إلى مقر الولاية، حاولت جموع المتظاهرين اقتحامه غير أن قوات الأمن عملت على تفريقهم، لنبدأ المواجهات مع رجال الأمن باستعمال الحجارة والزجاج، قام المحتجون بإحراق سيارة للخواص، كما عملوا على نهب أغلب المحلات التجارية، لكن الأمور ستتطور عندما هاجموا مقرات المقاطعات، خصوصا في حي "قشيش"، حيث عملوا على إحراق مقر المقاطعة بعد نهبها بالكامل، خصوصا أجهزة الحاسوب، ولم تسلم وكالة توزيع الماء والكهرباء من آثار التخريب.
في حي سيدي "يوسف بن علي" عادت أحداث انتفاضة 1984 للوجود، حيث أحرق على الفور مقر "بريد المغرب" ومقر المقاطعة، وتوجه المحتجون إلى مقر البلدية مرددين شعارات منها "الهمة سير فحالك مراكش ماشي ديالك" في إشارة إلى عمودية حزب الأصالة والمعاصرة لمدينة مراكش. كما لم يسلم مقر مؤسسة العمران من التخريب، سيما من طرف فئة من سكان بعض الأحياء الهامشية التي حملت هذه الشركة مسؤولية إقصائها من الاستفادة من شقق سكنية.
وقالت مصادر من مراكش، إن بعض الأخبار تحدثت عن تورط بعض الطلبة الصحراويين في أعمال التخريب.
لم تنته الأمور بنهاية يوم الأحد، إذ في صباح الإثنين عادت المواجهات من جديد في شارع محمد الخامس وحي "المحاميد" وخلفت إصابات في صفوف الطرفين، غير أن أحداث مراكش أبانت عن أن اختيار الأماكن والمواقع والمقرات التي تعرضت للتخريب ل يكن اعتباطيا، بل نم عن دلالات حاول المحتجون تمريرها.
العرائش: تدمير المؤسسات العمومية ومحاصرة منزل عامل المدينة
قام حوالي 150 شخصا بمدينة العرائش يوم الأحد على الساعة الثانية بعد الظهر بأعمال تخريبية، فقد جرى تخريب مجموعة من المؤسسات العمومية، كما تمت محاصرة منزل عامل المدينة ليجري نقله بواسطة مروحية حسب عدة مصادر. في الصباح كانت الأمور تسير بشكل عادي بساحة التحرير التي توافد عليها حوالي 500 شخص كانوا يرددون شعارات تحمل مطالب حقوقية من قبيل تحسين ظروف العيش غير أنه خلال المساء التحقت بهم مجموعة من الشباب الذين هتفوا بشعارات استفزازية، وهو ما دفع ببعض الجمعيات الحقوقية إلى الانسحاب، على اعتبار أن تلك الشعارات لا تتماشى والأهداف التي نظمت الوقفة من أجلها. وبعدها قام المحتجون بالتوجه إلى وسط المدينة وتخريب كل ما يجدونه في طريقهم من ممتلكات خاصة أو عامة، حيث تم تخريب مجموعة من الأبناك وسرقة الأموال وإضرام النار بشركة توزيع الماء والكهرباء وحرق ثلاث سيارات خاصة كانت مركونة على الطريق، ناهيك عن سيارة للشرطة، كما تم تخريب تسع سيارات أخرى في الشارع العام. وجرى تكسير زجاج المحلات التجارية والمقاهي واستهداف مقر الدرك الملكي ومقر الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، ومقر لمركز الشرطة بالمدينة ومقر العمالة. ورغم أن المظاهرة خرجت عن نطاقها السلمي فلم يتم تسجيل أي رد فعل مضاد من طرف قوات الأمن التي استهدفتها أعمال العنف، بل اكتفوا بحماية بعض المؤسسات كالمحكمة والمدارس والمستشفيات ومحاصرة المحتجين في تجزئة الخضراء والكدية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.