لا يخرج عبد المنعم الدليمي من الصالونات المغلقة إلى صدر جريدتي "ليكونوميست" و"الصباح"، إلا إذا كان تمة نبأ عظيم، أو رسالة قوية من جهة ما، أو أن السيل قد بلغ بهذه الجهة مبلغه، فأخرجت متاريسها ومدافعها وآخر أوراقها، ونحن نعلم جميعا أية لحظة هاته، وكيف يتم استعمال كل الأدوات الممكنة في الحساب، في قراءة فنجان الانتخابات المقبلة على ضوء السابقة، ما قض مضاجع كثيرة، وجعل النوم يجافيها. وحين يعتلي الدليمي افتتاحية الجريدتين يقصف بما يملى عليه، وبما أن كثيرا من الأشخاص والجهات والمؤسسات والأحزاب تكاد لا تخفي ما تجنيه من هذه العمليات الحسابية من اضطرابات نفسية، فإنها تسعى إلى استعمال أقلام كثيرة، في عملية لم تكن تدخل ضمن "الصحافة" في شيء، فتسعى إلى لعب دور بين "الحق" و"الباطل" (أقصد بغير المعنى العقدي)، غير أن هاته الجهات مرت فيما ترمي إليه إلى السرعة القصوى. وغريب ما يجري حقا، حين يستثني الدليمي، وزميلته نادية صلاح وبنعابد، من الحكومة 27 وزيرا، وثلاثة أحزاب، ويركز الضرب على 12 وزيرا وحزبا واحدا فقط هو العدالة والتنمية، ويحدث على كون هذا الأخير يشكل تهديدا للديمقراطية، بل ويذهب أبعد من ذلك في ذكر أسماء أخرى كعزيز أخنوش والعلمي وبوسعيد، ويقوم بتبييض صفحاتهم، فإذا كان 12 وزيرا في حكومة تتشكل من 39 عضوا، يشكلون تهديدا للإقتصاد والديمقراطية، فماذا كان الآخرون يفعلون إلى جانبهم !! ولماذا قبلوا ب"التواطؤ" معهم، ولماذا يصمتون صمت القبور، وهل تم توكيل الدليمي وغيرهم للدفاع عنهم واستثنائهم ومهاجمة غيرهم؟ دعنا من هاته الأسئلة التي لا تسمن، ولنتساءل من يشكل تهديدا للديمقراطية حقا، من يؤمن بها وبوأته المقدمة في الانتخابات التشريعية، أم من يعملون لنسفها ونسف روحها وقواعدها ليلا نهارا، سرا وجهارا؟ ومن يهددون الاقتصاد الوطني حقا؟ أليسوا هم تلك الأسماء التي قام الدليمي بتحييدها، حتى لا يقع في حرج معها، وحتى لا يقوم بصفع نفسه، وهو يعلم أن جزءا كبيرا من التمويل الذي تحصل عليه جريدته "ليكونوميست" يأتي من مجموعة "أكوا" لصاحبها عزيز أخنوش. والذين يهددون الديمقراطية حقا، هم أولئك الذين يدعون إلى تحييدها، وإلا ممارسة هوايتهم في الوصاية على المواطنين، بتطويق أدواتها، واللعب بقواعدها وقوانينها، عتبةً وتقطيعاً انتخابياً وسجلاً للناخبين، وفي لوائح لا يزال الأموات يصوتون فيها، وهم من لجأوا اليوم إلى اللعبة القديمة التي تعتمد التخويف من هيمنة الخصم ما دام هزمه ديمقراطيا أمرا غير متاح. إنه من الاستغباء أن نقوم بتحييد وزيرين في قطاعين رئيسيين وهما المالية والفلاحة والصيد البحري هكذا علانية ، وفي ذات الوقت تتحدث عن أعطاب الاقتصاد الوطني، وتحملها لجزء فقط في الحكومة !!! لن ينتهي مخاض الانتخابات المقبلة إلا بولادة عسيرة، سيعيش معها أشخاص ومؤسسات حالة هستيريا معقدة، لأن الإيمان بالديمقراطية لا يشكل لدى البعض سوى غطاء مصالح، تُعبد فيها إن كانت في صفهم، وتقصف إن وردت لغيرهم، وما دامت تهدد مصالحهم، فإنهم يستعملون العطايا تحت الطاولات، والإملاءات في الكواليس،فقط لأجل نسفها، لتؤول الشؤون لتدبيرهم، وإرضاء شهوة وصايتهم.