البرلمان الفرنسي يصوت بحجب الثقة عن الحكومة وبايرو سيقدم استقالته الى ماكرون صباح غد الثلاثاء        الموسم الدراسي 2026/2025.. حوالي 8 ملايين و271 ألف تلميذة وتلميذ يلتحقون بالمؤسسات التعليمية (وزارة)            بفوز سابع على زامبيا.. المغرب يواصل مساره المثالي في تصفيات مونديال 2026    بنسعيد يعرض مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة رغم الانتقادات الواسعة للمشروع    المنتخب الوطني ينتصر على نظيره الزامبي    بعد اتهامها بمعاداة السامية.. مدريد تستدعي سفيرها من إسرائيل    عجز السيولة البنكية يتراجع بنسبة 7,48 في المائة من 28 غشت إلى 3 شتنبر    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض            المنتخب المغربي ينهي تصفيات المونديال في الصدارة ب21 نقطة بعد الفوز على زامبيا (2-0)    ضحايا زلزال الحوز يحتجون أمام البرلمان في الرباط في الذكرى الثانية للكارثة (فيديو)    بسبب محاكمته.. تأسيس لجنة للتضامن مع الغلوسي    نسرين الراضي تخطف جائزة أفضل ممثلة إفريقية    الاتحاد الأوروبي يحذر من مخاطر إرسال أساطيل المساعدات الإنسانية إلى غزة    جلالة الملك يهنئ رئيسة جمهورية مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد استقلال بلادها    مقتل شاب من مليلية في هجوم مسلح نفذه فلسطينيان بالقدس    «لا بار في شيكاغو» لمحمود الرحبي خرائط سردية تعيد أحياء تائهة إلى مدنها    مصرع شخصين في حريق بدوار مولاي عزوز الملك بمراكش    الوطنية الاحترافية للقسم الأول برسم الموسم الرياضي 2025-2024: النادي الرياضي المكناسي يشحذ أسلحته بطموحات قارية    "نور الرياض" يعلن مواقع الاحتفال والقيّمين الفنيّين للنسخة القادمة        ربيع القاطي يطرق باب العالمية مجددًا عبر سلسلة "Atomic"    "كناش الحشمة".. أسطورة الرحل فوق خشبة المسرح الكبير بنمسيك    "الاشتراكي الموحد" يقترح منع الاحتكار الانتخابي مع شرط الإجازة للبرلمانيين    اللغة والهوية في المغرب: خمسون عاماً بين الأيديولوجيا والواقع    زخات رعدية وهبات رياح مرتقبة اليوم الاثنين بعدد من المناطق    "ترامب الثاني في مواجهة العالم" كتاب جديد لسمير شوقي    الركراكي: نحترم جميع الخصوم وهدفنا الفوز أمام زامبيا    التأكيد على مبدأ السلام خيار استراتيجي و التخلي عن منطق إدارة الأزمات    ميناء طنجة المتوسط يربك مدريد.. وحزب "فوكس" يرفع منسوب التصعيد ضد المغرب    النقابات التعليمية بالحسيمة تنتقد تدبير الادارة للدخول المدرسي وتدعو إلى احترام المقاربة التشاركية    الحكومة تصادق على مشروع قانون تعويض المصابين في حوادث سير    فضيحة الخطأ المطبعي.. شركة تعدين تخفض مردودية ذهب كلميم من 300 إلى 30 غراما فقط    الكلمة أقوى من الدبابة ولا مفر من الحوار؟..    قرية لمهيريز... صيادون منسيون في قلب الصحراء يطالبون بالكرامة والإنصاف    بنما تعلن حجز 39 طردا مشبوها على متن سفينة قادمة من المغرب    الموقف الأمريكي يعزز المبادرة المغربية كخيار وحيد لتسوية نزاع الصحراء    الدريوش.. هزة أرضية خفيفة تثير القلق بسواحل تمسمان        القدس الشرقية.. هجوم مسلح يوقع خمسة قتلى إسرائيليين    ألكاراز يتوج بلقب أمريكا المفتوحة للتنس للمرة الثانية    ميناء الحسيمة : انخفاض بنسبة 9 في كمية مفرغات الصيد البحري مع متم يوليوز الماضي            البيئة ليست قضية اختيارية أو محلية بل هي قضية وجود الإنسان والحياة    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    المغرب يسجل واحداً من أعلى معدلات السمنة في إفريقيا.. والنساء الأكثر تضرراً    دراسة: عصير الشمندر يُخفّض ضغط الدم لدى كبار السن    دراسة : السلوك الاجتماعي للمصابين بطيف التوحد يتأثر بالبيئة    نقد مقال الريسوني    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ليالي العصفورية"
نشر في اليوم 24 يوم 13 - 02 - 2018

إذا مررت من معرض الكتاب في الدار البيضاء، توقف قليلا عند رواق "دار الآداب"، ولا تتردد في شراء آخر روايات واسيني الأعرج: "مي، ليالي إيزيس كوبيا- ثلاثمئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية"… لن تندم، رغم أن الندم موجود بوفرة بين ثنايا الكتاب. مي زيادة، وردة الأدب العربي في بداية القرن العشرين، تذبل بين صفحات الرواية وتأكل أظافرها حسرة، لأنها تركت الأحاسيس تقودها وسط الغابة التي تسمى "الحياة"، بدل تحكيم العقل، والانتباه إلى الذئاب التي تتربص بامرأة متحررة في ليل الشرق البهيم. استيقظت ذات صباح ووجدتهم جردوها من كل شيء، حتى من عقلها، وأدخلوها إلى مستشفى المجانين، لأن ذكاءها جَرح كبرياءهم، وأنوثتها خدشت ذكورتهم!
الذئب الأكبر اسمه جوزيف زيادة، ابن عمها الذي أحبته وضحك عليها. استغل ضعفها بعدما فقدت والديها، واحدا تلو الآخر، وجعلها توقع وثيقة تنازل عن كل ما تملك، ثم أرسلها إلى "العصفورية"، النسخة اللبنانية من "برشيد". أما الكتاب والمثقفون والمفكرون، الذين ظلوا يرتادون صالونها الشهير في القاهرة، فقد تصرفوا معها مثل بنات آوى. نكتشف أن العقاد والرافعي وطه حسين وسلامة موسى… شخصيات مصابة بالانفصام، تسقط عنها الأقنعة. الميدالية الذهبية للعقاد الذي كان يشتهيها ويغار من جبران خليل جبران، الحبيب البعيد الذي ربطته بمي علاقة أفلاطونية، لم تتجاوز حدود المراسلة، وانضاف موته (1931) إلى رحيل والديها (1929 و1932)، كي يدخلها في كآبة حادة، جعلتها فريسة سهلة للاحتيال، وحين تعرضت للغدر وأدخلت مستشفى المجانين، لم يتردد مؤلف "سارة" في نهش لحمها مع الناهشين!
الرواية تقتفي أثر مخطوط حقيقي، حكت فيه الكاتبة التي وقعت باكورة أعمالها باسم "إيزيس كوبيا"، معاناتها في المصحة العقلية، وسمته "ليالي العصفورية". لم يعثر عليه أحد، ولا يُعرف مصيره. واسيني الأعرج ينجز عملا خطيرا: يكتب المخطوط الضائع، يعيد صياغته كلمة كلمة، جملة جملة، زفرة زفرة، في سرد يقطع الأنفاس. نكاد نصدق ياسين الأبيض، محقق المخطوط، الذي لم يترك بلدة لم يزرها بحثا عن "ليالي العصفورية"، رفقة صديقته روز خليل، الأستاذة في جامعة مونريال. من القاهرة إلى الناصرة، مرورا ببيروت والقرى الصغيرة التي عاشت فيها صاحبة "ابتسامات ودموع". في النهاية، نكاد نصدق أن إيزيس كوبيا هي من كتبت المخطوط. على امتداد 280 صفحة نتابع وردة الحداثة العربية وهي تذبل، إلى أن تسلم الروح إلى باريها في مستشفى "المعادي" بالقاهرة. ورغم شهرتها وصالوناتها وصداقاتها، لم يمش في جنازتها إلا ثلاثة من الأوفياء، لطفي السيد وخليل مطران وأنطوان الجميل…
نجح واسيني في استعادة محنة مي، في أيامها الأخيرة، مع الجحود وظلم ذوي القربى. جعل منها نسخة عربية من كاميي كلوديل، وربط بين النحاتة والكاتبة من خلال مراسلات مؤثرة بين ضحية رودان في فرنسا وضحية جوزيف في لبنان. في الإنسان وحش واحد، والكثير من الحب والمرارة والخذلان.
جزائري يكتب مأساة مشرقية. واسيني أتقن "الخدعة"، وكدت شخصيا أصدق أن المخطوط حقيقي، لولا أن هناك لفظا مغرقا في المحلية فضح "اللعبة" في الصفحة 159: "كأنهم طلبة تخصص طب، في حالة تربص، إذ بدت لي الكثير من أسئلتهم سخيفة وغبية". يصعب أن نتخيل كاتبة لبنانية في الثلاثينيات من القرن الماضي تستعمل لفظة "تربص" كمرادف ل"التدريب" أو "Le stage"… مع ذلك، استطاع صاحب "البيت الأندلسي" أن يشطب الحدود بين الشرق والغرب، ويكتب بلغة سلسلة وعفوية، تزاوج بين المحكية اللبنانية والفصحى والفرنسية أحيانا، وحقق الأهم: جعلنا نفهم لماذا أخطأ العرب موعدهم مع "الحداثة"، ونحن نتابع المصير المأساوي لأيقونة الأدب العربي في النصف الأول من القرن العشرين، الكتّاب الذين يتبجحون بالثورة على التقاليد، وتحطيم الموروث، وتحرير المرأة، لا يترددون في التعامل مع مبدعة رقيقة بمنتهى النذالة والخسة والانتهازية. شخصيات مصابة بالانفصام يعريها الروائي على لسان مَي زيادة. إنها "الحداثة النفعية"، بتعبير واسيني، التي يروّجون لها مادامت تنفعهم، وبمجرد ما تصطدم مع مصالحهم يستيقظ فيهم الرجل التقليدي بعباءته وعمامته ورجعيته. الرواية تؤكد، أيضا، أن الصحافة العربية لم تغادر المستنقع إلا نادرا، إذ تنافست جرائد الحقبة في التشهير بالكاتبة ونسج الأساطير حول "جنونها"، دون أن تتجشم عناء التقصي، باستثناء جريدة "المكشوف" التي آمنت بقضية صاحبة "كتاب المساواة" ودافعت عنها حتى النهاية، مثلما وقف معها الكاتب أمين الريحاني بصدق وشهامة، في وقت خذلها معظم المثقفين المصريين، الذين كان لها ارتباط وثيق بهم لأنها عاشت في مصر وحصلت على جنسيتها أيام كانت القاهرة فعلا قاهرة!
عندما تفرغ من قراءة "ليالي إيزيس كوبيا"، اعطها لطفلك أو أخيك الأصغر، لعله يكتشف أخيرا أن مي زيادة ليست مجرد مدرسة أو إعدادية مجاورة، وربما عرف بالمناسبة أن "مَي" تنطق بالفتحة وليس بالشدة والكسرة على الميم: "مَيْ" زيادة وليس "مِّي" زيادة… لأنها لم تكن أما لأحد!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.