يعتبر الباحث في الثقافة الأمازيغية، الدكتور عمر أمرير، اختيار الكتابة عن السوسيين في الدارالبيضاء، ليس «نزعة» تحصر العصامية في المنحدرين منه، وتنفيها عن غيرهم من إخوانهم في كل ربوع المغرب.قصة هذا الكتاب كما يرويها الباحث أمرير، هي تحفيز لذاكرته في الدارالبيضاء على امتداد حوالي 40 سنة من مسار حياته فيها. منذ زمن طفولته، حيث سافر به والده – رحمه الله- من سوس، للدراسة فيها،عندما بدأ والده ممارسة التجارة مع شقيقه.منذ ذلك الزمن وإلى اليوم، سيجد الدكتور عمر أمرير في موضوع الكتابة أن من بين ما سجله شريط ذكرياته، أسماء لسوسيين مسلمين ويهود، انطلقوا من الصفر في ميادينهم، معتمدين على إمكانياتهم الذاتية، ومواهبهم الشخصية. وبلغوا أوج تفوقهم في حياتهم بتجارب إنسانية عميقة. رغم أن محمد بلحسن يعد رجل اقتصاد تخصصا. ورغم أنه يعد قارئا نهما، وبدعا بالفرنسية شعرا. رغم ذلك، فإن نبوغه في رياضة كرة القدم، وصحافيا في راديو المغرب، وناقدا ولاعبا ومدربا، نبوغه ذاك حجب ما سواه من المواهب في مسار الرجل، الذي صار يعتبر أول مغربي لعب في الفرق المؤسسة على عهد الحماية الفرنسية مثل فريق "اليسام"، الذي سبق أن تأسس منذ 1912. ثم لعب لنادي "الرسينغ"، الذي تأسس بدوره منذ سنة 1917 (يازغي 89). نعم، كان محمد بلحسن أفضل ظهير أيمن في فترة لعبه، والتي سيشتهر فيها بلقب "جيكو"، الذي ورد قولان في سبب إطلاقه عليه هكذا: قول يرى أن لاعبا اسمه "جيكو" كان من نجوم اللاعبين في كرة القدم قبل جيل نجومية محمد بلحسن. ونظرا لما لاحظه العارفون من شبه كبير بين اللاعب "جيكو" ذاك، وبين اللاعب المغربي في القامة المديدة، والبنية الجسدية المتينة، وفي طريقة اللعب بمراوغات بديعة وتسديدات قوية. لذلك شبهوا محمد بلحسن بسابقه "جيكو". قول يرى أن كلمة "جيكو" نطق مغربي دارج لأصلها الفرنسي gigot، بمعنى فخد العجل، والمقصود بها في إطلاقها على محمد بلحسن كونه مفتول العضلات، بالإضافة إلى طول قامته، مما يجعل اتكاءه الفني شديد الوطء خلال احتدام التنافس بينه وبين لاعب آخر قصد السيطرة على الكرة. ج في عز نجوميته سينادي بتأسيس الجمعيات المغربية والاعتراف بها من طرف الإقامة العامة الفرنسية (يازغي نفسه). وبعد نضال عنيد أسس بلحسن جيكو مع محمد بنجلون أقدم ناد وطني يمارس إلى حد الساعة، هو الوداد الرياضي الذي يرجع تاريخ تأسيسه إلى سنة 1973، حيث بدأ بفرع السباحة – كرة الماء- ثم تعزز بفرع ألعاب القوى سنة 1938، ففرع كرة القدم سنة 1939. جعل "محمد جيكو" فريق الوداد خلية رياضية وسياسية وتربوية". وباعتبار الرجل مدرب الفريق، فإنه هو والرئيس الإداري عبدالقادر بنجلون- المحامي، المعروف من حزب الشورى والاستقلال، "قاما معا بمفاتحة الوالي العام الفرنسي للقطر الجزائري الجنرال كارتو بهدف إعفاء الوداد من وجود الأجانب به، وذلك بمناسبة وجودهم بالجزائر لخوض مباراة أمام منتخب إنجليزي (يازغي). بدأ مساره الكروي لاعبا، ثم مسيرا، ثم مدربا، فكان يشكل النواة الصلبة لفريق الوداد "مدربا وكاتبا عاما" (كوايري ص 14). في عهد أدرك فريق الوداد بطولات المغرب والشمال الإفريقي بعناصره الممتازة، من أمثال اللاعبين المرموقين محمد صوبيص، وحسن الحفاري وعبدالسلام وإدريس، والزهر، والشتوكي، وغيرهم من رواد كرة القدم الذين أصبحوا عالميين في فترة وجيزة ( كوايري، نفسه). كما تولى الأب جيكو الإشراف على تدريب فريق "اليوسا" – usa – مع حرصه على نوع من التكوين المستمر في كل مرحلة من المراحل التي يعيشها، ومن ذلك استفادته من تعامله ومراسلته مع أشهر المدربين العالميين. بعد انفصاله عن فريق الوداد صار يردد قولته المشهورة يومئذ: "سأقود فريقا يقتسم مع الوداد هواء الدارالبيضاء"، وهو ما حصل فعلا بتأسيسه فريق الرجاء. وبذلك منح الأب جيكو للمغاربة "ديربيات" سنوية تشعل الحماس في المدرجات وتقسم خريطة الدارالبيضاء إلى شطرين، على حد قول حسن البصري، الذي نشر مقالاته في جريدة المساء. وأكد لنا الحاج محمد الدعداع من أصدقاء طفولة الأب جيكو أنه قال له يوما عن تأسيس فريق آخر لينافس به الوداد. قال له: فريق الوداد "فعل"، وفريق الرجاء "رد الفعل". ونظرا لما عرف به من خبرة غميسة بالتسيير، ولما يمتاز به من عناية فائقة باللاعبين وصدق في العاطفة نحوهم، بالإضافة إلى ثقافته الموسوعية، فقد صار الجميع ينادونه "با" أي "الأب"، كما هو في الدارجة المغربية "باجيكو"، وهكذا أضيف شرف الأبوة لخصال الرجل وصار يسمى ب"الأب جيكو". تفتقت عبقرية الأب جيكو خلال هذه الفترة عن مجموعة من الابتكارات الفنية وظفها بحنكة في إدارة فريقه، وهي مستمدة في مجملها من أمور بسيطة وعادية، نذكر منها من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، كيف كان يوظف "طربوشه" للتحكم عن بعد في تسيير خطة لاعبيه داخل الميدان، وبهدوء وصمت من دكة المدربين، إلى أن انكشف سر توظيفه الذي يكمن في تغييره أوضاع طربوشه بيده، وتلقينه للاعبيه الدلالات الرمزية للأوضاع التي سَيروْنَ عليها الطربوش فوق رأسه، أو حتى إذا أزاحه عنه.