اختار العثماني طريقه وحسم أمره. تخلى عن رفيق سفره بمجرد أن وصل إلى الطريق المعبدة. يعض نبيل بنعبد لله على أصابعه التي وقعت، ذا زمن خيالي، ميثاق تحالف بين نقيضين إيديولوجيين في زمن ما بعد الإيديولوجيا. تخيل بنبعد لله أن التاريخ انتهى، وأن منظر الرفاق الذين تتدلى أجسادهم وهم معلقون فوق الصواري بعدما أعدمهم حلفاؤهم الإسلاميون، إنما هو جزء من ذاكرة بائسة لا تتكرر. لكن التاريخ، رغم أي شيء، يعيد نفسه. وبعض الأشخاص الفاعلين في التاريخ يكررون بالفعل حماقاتهم. إنهم ليسوا أغبياء، لكنهم، دون شك، تنقصهم الحنكة السياسية. وفي العادة، عندما يعيد التاريخ نفسه، فإن النتائج تكون مأساوية. وبالنسبة إلى بنعبد لله، فإن المأساة مضاعفة. لم تكن بين الرفاق الشيوعيين وبين الإسلاميين مودة كبيرة في الماضي، لكن المزاج البشري يصور لك بعض الأشياء على غير ما تختزنه من حقائق محركة لعجلة التاريخ. الإسلاميون لا يحكمون في المغرب وفقا للطريقة التي يريدونها، وهم ليسوا وحدهم، وبشكل مؤكد، سيحتاجون إلى حليف ينزع عنهم التهمة التي تلاحقهم باستمرار عن كونهم أشخاصا عدائيين إزاء كل ما هو مختلف عنهم. الحاجة إلى الشيوعيين في حكومة يقودها الإسلاميون في المغرب مثل الحاجة إلى الملح في الطعام بالنسبة إلى شخص لا يعاني أي عارض صحي، والآخرون محض توابل. كانت مهمة بنبعد لله، التي قادها بفخر طيلة تلك السنوات الأربع في حكومة عبد الإله بنكيران، تشبه ما يصلح له «كلب حراسة». كان حارسا لا يحرص على ألا تتحول الإيديولوجيا إلى جحيم، وقد لعب هذا الدور بإتقان في مشكلة دفاتر التحملات المتعلقة بقنوات التلفزيون العمومي. كان ما يجمع بين الحزبين في الواقع مجرد «كيمياء» بين شخصين: بنبعد لله وبنكيران، وكان من الواضح أن زوال أحدهما سيجعل مستقبل الحزبين غائما. عندما تعرض بنعبد لله لتوبيخ من الديوان الملكي بسبب قضية فؤاد عالي الهمة، وجد في بنكيران السند المعنوي. في زمن العثماني، لا سند لأحد. أقيل بنعبد لله على خلفية ملف منارة الحسيمة، ولم يطرح ذلك للعثماني أي مشكلة. وفي الواقع، فإن العثماني لم يعد يهتم بأحد، كما لا يبالي أحد به. هذا شخص يلبس بزة أنيقة ويتصنع وظيفة رسمية. ومثل أي طبيب نفسي ماهر، يعتقد العثماني أن أعطاب «مرضاه» تعالج بالكلام أكثر مما تفعل المستحضرات الكيميائية، وإذا أضفت إلى ذلك الكلام الكثير من التضليل، فإنك ستحصل على الوصفة المثالية التي ستقودك إلى الاضطراب أكثر. هذا ما حصل للرفاق. الحلف الذي كان يبدو صلبا في ما مضى، يظهر الآن في أكثر أشكاله ترهلا. العثماني لا يرغب في أن يدافع عن أحد، لاسيما إن كان يواجه شيئا لا قبل له به. الرفاق يعانون منذ أكثر من عام، وهم غارقون في وحل سياسي بدأ بطرد أمينهم العام من الحكومة بمعية أكثر وزرائهم توهجا، وزير الصحة، الحسين الوردي، ويمر الآن بطرد «نصف وزيرة» بقرار من العثماني نفسه، ودون حتى إخبار حزبها. هذا الحزب الذي يعتقد أن بإمكانه أن يصمد في مواجهة التيار التحتي الذي يدفعه إلى الغرق، وجدد لبنعبد الله ولاية أخرى على رأس حزبه، هو نفسه الحزب الذي لم يكن يضع في حسبانه أن «تيارا فوقيا» سيدفع برأسه تحت الماء أكثر فأكثر. هذه طريقة تقليدية لنهاية حلف بين الشيوعيين والإسلاميين عادة. أحدهم يجب أن يُعلق على الصواري أو أن يزج به في غياهب السجون. ويبدو أن قدر الشيوعيين دائما أن يكونوا هم من يُفعل بهم ذلك. وهذه المرة، أعيد تصميم أعمال الشنق والسجن بطريقة فنية أفضل إخراجا. لكن، ماذا عسى الرفاق أن يفعلوا؟ إنهم ليسوا حائرين كما كنا نقول قبل عشر سنوات، لقد انتقلوا من تلك الحيرة إلى التوهم في ظرف وجيز. ويظهر أنهم أصيبوا بتخمة من الأوهام التي كانت تقدم على أنها تشكل ملحمة في التاريخ. ومع ذلك، بقي الاعتقاد الرئيس ثابتا؛ إن الرفاق خائفون من الاضمحلال. إن أعضاء التقدم والاشتراكية، وعقب سلسلة متتالية لحوالي 20 عاما من العمل الحكومي، قد يجدون أنفسهم لا هم أقلية، ولا هم مؤثرون دون هذه العباءة الحكومية. كان مولاي إسماعيل العلوي، الأمين العام السابق للحزب، يقول دائما: «إن ما لا يجب على السياسي أن يفعله هو أن يرتدي عباءة أكبر منه. الضفدع يبقى ضفدعا وإن ألبسته جلد سبع». حاليا، الخوف الوحيد هو أن يبقى الرفاق عراة.