بثينة القاروري* برلمانية من العدالة والتنمية بعد 15 سنة من إقرار المشرع المغربي ضرورة إثبات الزوجية، هل حققت هذه المادة أهدافها المنتظرة؟ أعتقد أنه ولحدود الساعة لا نزال أمام إشكال حقيقي مرتبط أساسا بثبوت الزوجية، فعلى مدى الحكومات المتعاقبة، لم تكرس الجهود الكافية في مجال القيام بحملات توعوية وتحسيسية، فكما تعلمون الفقرة الرابعة من المادة 16 هي أصلا إجراء استثنائي لمدة خمس سنوات، أي أن المشرع في 2004 كان واعيا بأن الأصل في ثبوت الزوجية هو عقد الزواج، أي الكتابة، وبالتالي فتح استثناء، خاص للوضعيات التي يعرفها في مناطق قروية وغيرها في أفق خمس سنوات، وكان المفروض على الحكومة في بادئ الأمر القيام بحملات توعوية تحسيسية لمضامين هذه المادة، وحملات تشمل هذه الفئات المستهدفة التي كانت وراء إقرار هذه الخمس سنوات، ولكن لم يتحقق هذا خلال الولاية الأولى، أي فور إقرار مدونة الأسرة، كما لم يتحقق ذلك لولايتين لاحقتين، لم تكن مجهودات فعلية وحقيقية في هذا الموضوع، وأكثر من ذلك، هل نحن لا نزال في حاجة لهذا الفصل من المادة 16؟ نعم للأسف، لا زالت لدينا حالات لمواطنين في الجبال والصحراء وغيرها ممن يتزوجون بالفاتحة، ومن حالت ظروفهم القاهرة التي حددها القانون دون توثيق الزواج. ولكن هذه الظاهرة نزحت أيضا إلى المدن والحواضر، كيف تفسرين هذا الأمر؟ نعم للأسف ما وقع الآن هو لجوء البعض للمادة 16 بهدف الاحتيال على مقتضيات مدونة الأسرة المرتبطة بالتعدد، وكذلك تزويج القاصرات، فصارت المادة 16 مدخلا لإشكالات أخرى، عوض أن تكون في الأصل هي حل مشكل الناس، الذين حالت ظروف قاهرة دون توثيق عقود زواجهم، وللأسف لا نملك معطيات وإحصائيات دقيقة بخصوص من تشدقوا بفصل ثبوت الزوجية لتحقيق التعدد، لكون الإحصائيات التي نتوصل بها من وزارة العدل سنويا بخصوص التعدد نسبتها 0.72 بالمائة، وفي ثبوت الزوجية نتوصل بأعداد كبيرة، ونحن لا نعرف من خلال هذه الأرقام هل هذه النسب هي خالصة لحالات الظروف القاهرة وكم نسبتها، وكم نسبة اللاجئين للمتحايلين على القانون. غياب المعطيات الإحصائية يحول دون ضبط الظاهرة وكيف أن المادة 16 هي مدخل لهذه الأمور، ولكن بالمشاهدة والمعاينة والملاحظة كمجتمع مدني أو كبرلمانية، أؤكد أن الفقرة الرابعة في المادة 16، أصبحت مدخلا أساسيا لعدد كبير من الرجال الراغبين في الهروب من مقتضيات التعدد إلى مسطرة ثبوت الزوجية. الحكومة اليوم أمام خيارين، الأول التمديد لخمس سنوات إضافية، أو تعديل المادة 16 ولربما تغييرها ككل، ما هو الحل الأقرب إلى الصواب في نظرك لوقف نزيف هذا التحايل على القانون؟ لا أعتقد أن الحكومة قد تملك الجرأة للتمديد هكذا وبشكل مطلق، ولاحظنا هذا خلال الولاية السابقة، حيث أنها لم تتجرأ لفعل ذلك لأنه عليها أولا إقناع المجتمع بضرورة ذلك، الإشكال الحقيقي هو أنه لم تبذل جهود حقيقية للتوعية والتحسيس، أخاف أنه إذا ما طالبنا بحذف الفقرة الرابعة، وألغينا مسطرة ثبوت الزوجية أن نقف أمام وضعيات معقدة حقيقية ويحرم الناس من حقوقهم، أي سنخلق إشكالات أخرى أيضا متعلقة بثبوت النسب والتمدرس وغيرها وبالتالي في نظري، الأمر يتطلب تعديل على المادة 16 لمنع أي إمكانية من إمكانيات التحايل. هل يمكن انتصار العادات والتقاليد أمام القانون، خاصة وأن ظاهرة تزويج القاصرات أو التعدد هي ثقافة ممارسة في بعض المناطق؟ القانون لا يجب أن يستسلم أمام التقاليد والأعراف، كما أنه لا يجب أن يحدث قطيعة معها، القانون يجب أن يسير في منحى التدرج، فالمشرع في 2004، تبنى هذه المقاربة من خلال خمس سنوات استثنائية، ولكن للأسف لم تواكبه سياسات عمومية وجهود فعلية من الحكومة آنذاك لتغيير هذه الثقافة، الأمر رهين بالزمن وبذل مجهود لترسيخ ثقافة جديدة هي توثيق الزواج، فلا يمكن أن نضع قانونا حبيس مجالات وفضاءات معينة، كما أن المواطن المغربي يعتبر أن هذا التوثيق متوفر دائما بموجب التمديد كل خمس سنوات، وبالتالي يتلكؤ في هذه الخطوة، أما إذا نبهته وحددت له ظرفا زمنيا محددا فالأكيد أنه سيبادر للاحتكام للقانون، رأيي أنه وجب أيضا أن يبقى باب التوثيق مفتوحا مع تحديد ماهية الظروف القاهرة قانونيا، بالموازاة مع الحملات التوعوية والتحسيسية، ووضع الحجرة العائق أمام التحايل على القانون، وطبعا أن يشمل هذه المداشر والقرى البعيدة، وليس المدن والحواضر، حيث لا ظروف قاهرة أمام الراغب في الزواج.