ما الذي يمكن للمغرب فعله في الأزمة الليبية بعد إقصائه عن مؤتمر برلين؟ الجواب يتوقف على طبيعة الاتفاق الجديد والظروف التي أحاطت به. الأنباء القادمة من ألمانيا تفيد أن المؤتمرين من قادة الدول المعنية بالأزمة، اجتمعوا خلال ساعات على أساس الوصول إلى “تفاهمات الحد الأدنى”، وفق تعبير المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، وهو ما حصل فعلا، حيث إن الاتفاق اكتفى بتحديد “قواعد عامة” مثلت الخطوط العريضة لتسوية الأزمة، دون الخوض في التفاصيل، التي تُرك التفصيل فيها لبعثة الأممالمتحدة في ليبيا. قرارات الاتفاق، التي أوردها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، تتمثل في قواعد عامة، كتلك التي تقول بأنه “لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للنزاع في ليبيا، وأن كل الأطراف المنخرطة في هذا النزاع أكدت ذلك، واتفقت حوله”، ودعوة كل الأطراف إلى الامتناع عن المشاركة في هذا النزاع، ودعوة كل الليبيين إلى الانخراط تحت جهود الأممالمتحدة لحل النزاع والعودة إلى العملية السياسية. وعموما، تضمن الاتفاق 6 بنود، موزعة على إصلاحات في مجالات الأمن والاقتصاد والسياسة، لكن من خلال البنود التي وردت في تصريحات مسؤولي الأممالمتحدة، يظهر أن التركيز اتجه إلى وقف إطلاق النار، وتطبيق حظر توريد الأسلحة، وتشكيل لجنة عسكرية مشتركة من طرفي النزاع للإشراف على تطبيق وقف دائم للقتال، والبدء في مشاورات لتوحيد المؤسسة العسكرية، كما أوكل للبعثة الأممية مهمة المضي في تطبيق الجانب السياسي من الاتفاق، من خلال لجنة الأربعين المنتظر أن تجتمع في جنيف قبل نهاية يناير الجاري، لبدء حوار سياسي من أجل تشكيل مجلس رئاسي جديد، وحكومة وحدة وطنية. ويلف الغموض المسار الاقتصادي، سوى دعوة أطراف النزاع للامتناع عن “الأعمال العدائية ضد المنشآت النفطية”، واعتراف مسودة الاتفاق بالمؤسسة الوطنية للنفط الليبية في طرابلس باعتبارها الكيان الشرعي الوحيد المسموح له ببيع النفط الليبي. التوافق حول هذه النقط يبدو أنه تم بين القوى المتدخلة في النزاع، بعيدا عن أصحابه الحقيقيين، أي حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا برئاسة فايز السراج، والجنرال خليفة حفتر. ثلاثة مؤشرات تدل على ذلك؛ أولا، أن الصورة الرئيسة للمؤتمر أظهرت زعماء القوى الدولية والإقليمية المتدخلة في الأزمة، دون حفتر والسراج. ثانيا، أن كلا الطرفين، أي حفتر والسراج، امتنعا عن الإدلاء بأي موقف اتجاه الاتفاق طيلة يوحد الأحد. ثالثا، أن كلا الطرفين لم يحضرا قاعة الجلسات الرئيسية في المؤتمر، وظلا في قاعات جانبية، وبالتالي لم تتم استشارتهما حول أغلب بنود الاتفاق. ولم يظهر بعد كيف ستشرع تلك القوى في تنفيذ الاتفاق، خصوصا وأن فايز السراج يشترك انسحاب قوات حفتر إلى الشرق الليبي قبل البدء في أي حوار سياسي، بينما يشترط حفتر حلّ ما يسميه “ميليشيات الحكومة” قبل وقف القتال والشروع في أي حوار سياسي. في هذا الصدد، يبدو أن تصور دور للمغرب في تسوية النزاع الليبي صعب ومستبعد. إدريس الكنبوري، محلل سياسي، يرى أنه “منذ الوقت الذي أعلن حفتر فشل اتفاق الصخيرات، ولم يرد عليه المغرب بقوة، ومهد الطريق لكي يصبح الصراع الليبي صراعَ محاور دولي وإقليمي، بات المغرب متجاوزا”، وبالتالي، يرى الكنبوري أن المغرب “انتهى دوره باحتضان مؤتمر الصخيرات، والتزامه الحياد في الصراع بين أطراف الأزمة، ويصعب عليه، بعد إبعاده من مؤتمر برلين، القيام بأي دور، خصوصا في غياب الاتحاد المغاربي”. الموقف عينه عبّر عنه بلال التليدي، محلل سياسي، “ما يجب على المغرب القيام به هو الترقب عن كثب التطورات المقبلة، لأن احتمال نجاح مؤتمر برلين ليس أكيدا”، وأردف “لا خيار لنا إلا أن ننتظر فشل اتفاق برلين، للتموقع من جديد”. لكن هناك رأيا آخر يمكن للمغرب أن يستعيد من خلاله المبادرة، وبالتالي، الحضور الإيجابي والفاعل في تنفيذ اتفاق برلين. يمكنه ذلك من خلال احتضان الفرقاء الليبيين مرة أخرى، لتثبيت قرارات اتفاق برلين وبحث كيفية تنفيذها، في إطار تصور دبلوماسي يسعى إلى “بناء السلام” في ليبيا، أي بحث كيفية بناء الديمقراطية، والتنمية، وحقوق الإنسان، وتعزيز دور المجتمع المدني. وبالتالي، إمكانية أن يساهم المغرب في تحويل علاقة الأطراف الليبية في الصراع إلى علاقة إيجابية، عن طريق استهداف مصادر الصراع وموضوعاته. وفي الوقت عينه مساعدة الأطراف المتنازعة على اكتساب سلوكيات صراع صحية تمكنهم من التعامل مع خلافات بمفردهم، ويمكنه الاستفادة في ذلك من الخبرة التي راكمها في اتفاق الصخيرات.