بعد ثلاثة أشهر من تواجدهم في الصفوف الأمامية لمواجهة فيروس "كوفيد-19′′، يعيش أصحاب البذلة البيضاء بعيدين عن عائلاتهم وأسرهم، إذ هناك من لم ير أبناءه منذ مارس الماضي، كما يخاطرون بحياتهم من أجل إنقاذ حياة المرضى، دون أن يشتكوا أو يتراجعوا إلى الخلف، ورغم أيضا خلافهم وصراعهم مع وزارة الصحة، وضعوا ذلك جانبا، وتجندوا جميعا من أجل خدمة الوطن وأبنائه. يقول العلوي المنتظر، رئيس النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، إنه "رغم نضالهم لأزيد من ثلاث سنوات من أجل الظفر بحقوقهم، خلال هذه الظروف وضعوا ملفهم المطلبي جانبا، وتوقفوا عن تقديم الاستقالات من القطاع العام مثلهم مثل جميع الهيئات المهنية في القطاع، وتجندوا لخدمة الوطن"، مسترسلا: "هذا ظرف استثنائي يعيشه العالم، إذا لم نشتغل في ظل هذه الجائحة ونساعد المواطنين فمن سيساعدهم". وبينما يتواجد الأطباء بجميع تخصصاتهم في الصفوف الأمامية لمواجهة الفيروس في ظل نظام صحي هش، تتقاضى هذه الفئة أجورا زهيدة، إذ لا تتجاوز أجرة الطبيب العام بعد ثماني سنوات من الدراسة 8600 درهم، فيما يحصل الطبيب الذي أنهى تخصصه، أي بعد 12 سنة من الدراسة على 10500 درهم، وهي أجور جد متدنية مقارنة مع الأجور في القطاعات الأخرى وعدد سنوات الدراسة. وفي هذا الصدد، يقول المنتظر إنه القطاع الوحيد الذي لا تعترف فيه الدولة بشهادة الدكتوراه، رغم الدراسة لمدة ثماني سنوات، وهي المدة التي تعادل الدكتوراه في التخصصات الأخرى، إذ تعتبر الدولة الشهادة المحصل عليها بمثابة "ماستر"، وهو ما يعتبره المتحدث ذاته حيفا في حق الأطباء. في الوقت الذي لوح فيه وزير الصحة بمنح تعويضات للأطر الطبية التي تواجه الحرب ضد كورونا، قال المنتظر: "ليس هناك تعويضات، وهذا مجرد كلام"، مشيرا إلى أنهم يخدمون الوطن قناعة وليس من أجل التعويض، لكن يشدد على أنه في حالة كانت هناك تعويضات للجميع، فيجب أن يستفيد أطر قطاع الصحة، وزاد الكاتب العام للنقابة أن "تعويضات الأطباء عن الحراسة إذا تم استدعاؤهم لا تتجاوز 96 درهما لليلة الواحدة، وهو تعويض هزيل". وعن ظروف اشتغالهم في ظل الجائحة، يوضح المتحدث ذاته أنهم "يشتغلون في ظروف صعبة، إذ أن هناك من لم يلتقي أبناءه وأسرته منذ ثلاثة أشهر خوفا من أن ينقل إليهم العدوى، وأنهم يشتغلون قريبين من الفيروس وإمكانية انتقاله كبيرة، كما أن الأطباء المتخصصين الذين يشتغلون في المدن الصغرى، هم أكثر تضررا، إذ يشتغلون بدون توقف، لأنه ليس هناك من يعوضهم بخلاف المدن الكبرى، إذ تجد أربعة أطباء في نفس التخصص". وبخصوص الحديث عن استنزاف طاقة الأطر الطبية خلال ثلاثة أشهر من العمل، يقول المنتظر إن "الأطر الطبية استُنزفت من خلال العمل المتواصل، في ظل تواجد خصاص كبير، إذ تجد طبيبا يقوم بعمل أربعة أطباء، علاوة على أن تفاوت التجهيزات من منطقة إلى أخرى يؤثر في عمل الأطباء، إذ تم تجهيز عدد من المستشفيات، فيما المراكز الصحية أغلبها لم تنل نصيبها من هذه التجهيزات". إلى جانب الأطباء والأطباء المتخصصين، يعيش الأطباء الداخليون، وهم طلبة السنة السابعة، ظروفا صعبة في ظل الجائحة، إذ لم يتوصلوا بعد بتعويضاتهم منذ ثمانية أشهر، وهو الأمر الذي يزيد من صعوبة الظروف التي يعيشونها. أيوب أبو بيجي، طبيب داخلي، يتحدث ل"أخبار اليوم" عن معاناتهم في ظل مواجهتهم لفيروس كورونا قائلا: "الأطباء الداخليون هم الأكثر احتكاكا بالمرضى، إذ نشتغل في الاستقبال والمستعجلات، كما نتعامل مع المريض، ونجري له الفحوصات قبل إجرائه للتحاليل ومعرفة إن كان مصابا بالفيروس أم لا، وهو ما يجعلنا أكثر فئة معرضة للإصابة بكورونا". واستغرب أبو بيجي عدم التزام وزارة الصحة بإصدار مرسوم يؤشر على زيادة تعويضات الأطباء الداخليين من 1500 درهم إلى 2000 درهم في الشهر، بناء على المحضر الموقع في غشت الماضي، بعد الاحتجاجات التي خاضوها ومقاطعتهم للدراسة طيلة شهور من السنة الفارطة، وزاد أن "هناك من لم يتوصل بتعويضاته منذ شهر يناير والبعض الآخر منذ شهر نونبر، وهو ما يجعلهم يعيشون ظروفا صعبة". واعتبر المتحدث نفسه أن "هذا التعويض هزيل جدا ولا يكفي لمصاريف الأطباء الداخليين، والوزارة لا تصرفه في وقته، ما يجعلنا نعيش وضعية مالية مزرية"، ودعا الوزارة إلى أن "تصرف للأطباء الداخليين مستحقاتهم، وتواظب على صرف التعويضات كل شهر وأقصى تقدير في ثلاثة أشهر".