منذ بداية المشاركة السياسية للإسلاميين كان تقليص المشاركة سلوكا متكررا في سياقات ومعطيات مختلفة، تارة جرى اتخاذه ذاتيا دون تدخل خارجي، وتارة أخرى تحت الضغط والتهديد. في انتخابات 1992 الجماعية وكذا التشريعية في 1993 كانت حركة الإصلاح والتجديد برئاسة عبدالإله بنكيران، قد بدأت التقارب مع حزب الدكتور عبدالكريم الخطيب، الحركة الشعبية الدستورية، إذ جرى التفكير في تقديم مرشحين باسم الحزب لهذه الانتخابات، وتم الاتفاق مع الخطيب على ذلك. لكن الحسن الثاني أرسل مستشاره أحمد بنسودة إلى بنكيران ليحذره من مغبة مشاركة الإسلاميين في الانتخابات وقال له، حسب مصدر من الحزب، "إذا شاركتم في الانتخابات فاستعدوا للمواجهة". نقل بنكيران الرسالة إلى الخطيب، لكن هذا الأخير رفض وتمسك بالمشاركة، فرد عليه بنكيران بأنه لا يقبل بالمغامرة، ولن يشارك ولو تطلب الأمر الفراق. استدعى بنكيران أعضاء مجلس الشورى لحركة الإصلاح والتجديد، وعرض عليهم الأمر، فصوتوا على عدم المشاركة، وبلغوا الخطيب بالقرار، وبالتالي لم تكن هناك أي مشاركة للإسلاميين لا في الانتخابات الجماعية في 1992، ولا في التشريعية في 1993. في تلك الفترة كان شبح اكتساح جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر للانتخابات حاضرا، وما خلفه من رد فعل بالانقلاب على النتائج واعتقال قيادة الجبهة ودخول البلاد في دوامة العنف. ولما جاءت انتخابات 1997، كانت حركة الإصلاح والتجديد قد توحدت مع رابطة المستقبل الإسلامي التي كان يرأسها أحمد الريسوني، فشكلوا "حركة التوحيد والإصلاح"، وانخرطوا جميعا في حزب الخطيب، وعقدوا مؤتمرا استثنائيا للحزب بالرباط، أعلنوا فيه تشكيل قيادة جديدة، وقرروا المشاركة في الانتخابات الجماعية في يونيو 1997، لكن بالنظر إلى استحضار تداعيات مشاركة جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر، و"نصائح بنسودة" في 1992، فقد قرر إسلاميو المغرب أن تكون مشاركتهم محدودة، دون أن يطلب منهم أحد ذلك، وأبلغوا الدكتور الخطيب بذلك، لكنه غضب. يروي قيادي بالحزب أن الخطيب رفض حتى استقبالهم لشرح موقفهم. وأمام هذا الموقف تقدم الإسلاميون ببضعة آلاف من المرشحين في مدن مختلفة تقدموا كمستقلين، وفاز منهم حوالي 100 مرشح في عدد من الجماعات الترابية. ويؤكد قيادي في الحزب أن هذا التقليص جرى بدون أي تدخل من خارج الحزب، وإنما أتى بتقدير داخلي لقيادات الحركة. الأمر عينه جرى بخصوص الانتخابات التشريعية في نونبر 1997، والتي ستكون أول محطة انتخابية برلمانية يخوضها الإسلاميون في ظل حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية. كان رأي الدكتور الخطيب هو أن يغطي الْحزب جميع الدوائر الانتخابية البالغ عددها 325، لكن إخوان بنكيران كان لهم تقدير آخر، فقرروا من تلقاء أنفسهم تقليص المشاركة، بالترشح في حوالي 145 دائرة فقط. وحسب قيادي في الحزب، فإن الهاجس الذي حكم التقليص في تلك المرحلة هو عدم المساس بالتوازن السياسي وضمان الاستقرار، مشددا على أنه لم يطلب منهم أحد التقليص. وفعلا، فاز 9 برلمانيين إسلاميين في تلك الانتخابات، ثم أصبحوا 14 بعد إجراء انتخابات جزئية والتحاق برلمانيين آخرين من أحزاب أخرى بهم. لم تعترض السلطة على دخول الإسلاميين لأول مرة البرلمان، في سياق اتسم بخوض تجربة التناوب التوافقي، برئاسة عبدالرحمان اليوسفي، حيث كان واضحا أن القبول بدخولهم البرلمان جاء في سياق تحقيق توازن مع حكومة اليوسفي، ومما يرويه قيادي في الحزب أن الحسن الثاني سأل إدريس البصري قبل تلك الانتخابات عن عدد المقعد التي يمكن أن يحصل عليها الإسلاميون، فقال حوالي 9 أو 10، فلم يبد اعتراضه. لكن في انتخابات 2002 التشريعية ستعرف مشاركة الإسلاميين منعطفًا جديدا، رغم أن الحزب لجأ من جديد من تلقاء نفسه إلى تقليص المشاركة من جديد. استبق بنكيران هذه المحطة الانتخابية بسنة، حين صرح لجريدة ليكونوميست، بأن حزبه سيقلص مشاركته في تلك الانتخابات، ولكن عندما اقترب موعد الانتخابات استدعى وزير الداخلية حينها إدريس جطو قيادات من الحزب، وقال لهم "إن مركب حزبكم تدفعه الرياح إلى حيث يريد الوصول، فلا داعي للتجديف"، وفعلًا قلص الحزب مشاركته بعدم تغطية حوالي نصف الدوائر، ومع ذلك فاز ب42 مقعدا، وكانت تلك حصيلة مفاجأة سجلت انتقال عدد برلمانيي الحزب من 14 في انتخابات 1997 إلى 42 مقعدا، وظهر خلالها أن الحزب يمضي قدما في تعزيز حضوره السياسي. وفِي شتنبر 2003، حل موعد الانتخابات الجماعية، لكن الظروف العامة كانت متشنجة بعد أشهر على أحداث 16 ماي الإرهابية في الدارالبيضاء، والتي جرى فيها تحميل البيجيدي "المسؤولية المعنوية" عنها من طرف بعض وسائل الإعلام وجهات في السلطة، لدرجة مطالبتها بحل الحزب. وحينها تدخل فؤاد عالي الهمة، الذي كان وزيرًا منتدبا مكلفًا بالداخلية ليضغط على الحزب لتقليص مشاركته في تلك الانتخابات، وهو ما جرى فعلا، ورغم ذلك لم يمنع ذلك من فوز الحزب بعدد من المقاعد، خاصة في المدن الكبرى. وبعد هذه المحطات الانتخابية، لم يقع أي تقليص لمشاركة الحزب في المحطات الانتخابية المتتالية سواء في انتخابات 2007 التشريعية، التي فاز فيها الحزب ب46 مقعدا أو في الانتخابات الجماعية في 2009 التي غطاها الحزب، ثم في الانتخابات التشريعية في 2011، التي أتت بعد أحداث الربيع العربي، بحيث لم يكن واردا إمكانية تقليص الحزب مشاركته فيها، وفعلا فقد بوأته الصدارة ب107 مقاعد، ووصل إثرها إلى الحكومة لأول مرة برئاسة عبدالإله بنكيران. ثم جاءت انتخابات 2016، التي لم يتعرض فيها الحزب لأي ضغوط لتقليص مشاركته ففاز ب125 مقعدا، ولكنه واجه بلوكاج لمدة 6 أشهر منعه من تشكيل الحكومة وأدى إلى إقالة عبدالإله بنكيران من رئاسة الحكومة وتعيين العثماني بدلا منه.