يستسلم اليساريون المغاربة للتحليل النفسي بشأن وضعيتهم المتأرجحة بين مشاع الخطاب السياسي المسوق من لدنهم، وبين فراغ صناديق الاقتراع من الأصوات لفائدتهم. يستنبط قادة اليسار من ذلك أملا متخيلا في «عصر نهضة» انتخابية يوشك على البزوغ. ولكن، طيلة عشرين عاما حتى الآن، تتهاوى نتائج اليسار في الانتخابات بشكل مطرد. سمحت هذه الحالة لقادة يساريين بالتكيف مع نظم عمل يمينية -إن صح هذا التعبير في السياق المغربي- ولقد رأينا كيف جنح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى أن يعتنق المناهج نفسها التي كان قبل عقدين يُدينها بعنف. كذلك، فإن حزب التقدم والاشتراكية قطع نصف الطريق نحو الوجهة نفسها، لكنه مازال محافظا، على الأقل، على مظاهر حزب يساري. لم تؤت عملية التحويل هذه نتائج عملية في الانتخابات، لكنها سمحت لأطر الحزبين بالعمل أكثر فأكثر داخل بنية السلطة غير اليسارية على الإطلاق. على نقيض ذلك، كان يسار آخر يحاول ألا يخضع للشرط الانتخابي، وإن كان ذلك يدفعه إلى الهامش مرة تلو الأخرى. كانت فيدرالية اليسار الديمقراطي، في نهاية المطاف، عبارة عن خطاب مقاومة يسارية يلقى الحفاوة، لكن بالكاد يُسمع صداه داخل صناديق الاقتراع. يتعين عليه تغيير التكتيك إذن. هذه المرة، يبدو أن هؤلاء اليساريين عثروا على تكتيك مناسب: الصمت إزاء قوانين الانتخابات. دعونا من مذكرته المقدمة لوزارة الداخلية، وهي، في أفضل الأحوال، مجرد دفوعات غير واقعية. إن ما يجب الانتباه إليه هو «الحياد السلبي» لفيدرالية اليسار إزاء المناقشات المتعلقة بالقاسم الانتخابي. ليس هناك أي موقف رسمي حتى الآن. يظهر أن هؤلاء اليساريين قد أجروا حساباتهم بشكل دقيق، ولسوف يجدون أن الاستناد إلى قاسم انتخابي بناء على عدد المسجلين سيمنحهم نتائج أفضل في الانتخابات. لو حدث ذلك في 2016، كانوا سيحصلون على 10 برلمانيين بيُسر. وربما كانوا سيتفوقون أيضا على الاتحاد الاشتراكي نفسه. تتحول البراغماتية إلى عمل متحلل من القيم وهي تجعل الغاية الانتخابية مبررة للوسيلة المنتهكة لقواعد المعقولية في العمل السياسي. في نهاية المطاف، سيقال لنا إن الغاية عندهم أعظم من كل هذه التفاصيل. وهذه خدعة يسارية قديمة.