في مداخلة مثيرة للتفكير خلال ندوة علمية نظمتها الجمعية المغربية لعلم الاجتماع بكلية علوم التربية بالرباط، اليوم الأربعاء، تحت عنوان « أي دور لعلم الاجتماع في فهم وتفسير التحولات الاجتماعية؟ »، أطلق سعيد بنيس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس، سلسلة من الأفكار الجريئة التي حذرت من نهاية المغرب الذي نعرفه، لصالح مغرب جديد تشكله التكنولوجيا، والرقمنة، وتحولات المجتمع الافتراضي. تحولات عميقة: من الواقع إلى الافتراضي أكد بنيس أن المغرب يعيش تحولًا جذريًا يتمثل في الانتقال من « مجتمع التواصل الواقعي » إلى « مجتمع الاتصال الرقمي »، ومن « ثقافة الشفهي » إلى « ثقافة السمعي البصري »، حيث أصبح التعبير المجتمعي اليوم محكومًا بالوسائط الرقمية. وأشار إلى أن المواطنة نفسها أخذت شكلاً جديدًا تحت مسمى « المواطنة الافتراضية »، مع بروز ما أسماه ب »التنشئة الافتراضية داخل محاضن ديجيتالية »، بل وحتى داخل فضاء الذكاء الاصطناعي. واستند بنيس إلى معطيات بحث ميداني وطني أنجزته الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات سنة 2018، ليدق ناقوس الخطر بشأن تأثير الرقمنة على الروابط المجتمعية. أبرز الأرقام تشير إلى أن 99% من المغاربة يستخدمون الإنترنت، و94.3% من المستخدمين فوق سن الخامسة يشاركون في المنصات الاجتماعية، مقابل وعي ضئيل بالمخاطر المرتبطة بها (21% فقط). وطرح بنيس سلسلة من التساؤلات المحورية حول مدى صلاحية أدوات علم الاجتماع التقليدية لمواكبة التحولات المتسارعة في زمن الرقمنة، مقترحًا تطوير منهجيات جديدة تعتمد على « الميدياغرافيا » و »الأنثروبولوجيا الديجيتالية »، ومقاربة ثنائية تجمع بين الواقعي والافتراضي لفهم المجتمعات المعاصرة. تحذير من الانحرافات الرقمية وتوقف بنيس عند مخاطر المنصات الرقمية الكبرى (GAMA)، واستشهد بحالة منصة « تيك توك » في فرنسا، حيث شكلت أحد أسباب انتحار الشباب، والقيام بعمليات سادية على الجسد، واضطرابات الأكل. ووصف هذا الانحراف الرقمي بأنه بات أحد تحديات السياسات العمومية، نظرًا لتزايد العنف، التنمر، الابتزاز، والكراهية، مضيفًا أن « الرابط الاجتماعي بات يمر عبر جسر افتراضي »، وهو ما يستدعي إعادة التفكير في مفاهيم التراحم وصلة الرحم في ظل هيمنة رموز مثل: « بلوك »، « لايك »، « سينيال »، و »ديبلوكي ». من « تمغربيت » إلى « نيُوتمغربيت » من بين المفاهيم اللافتة التي طرحها سعيد بنيس، تلك المتعلقة بظهور شكل جديد من الهوية سماه « نيُوتمغربيت »، تتأسس على التفاعلات الرقمية، وتتجلى في سلوكيات ومواقف تعيد تشكيل علاقة الفرد بذاته وبمحيطه. واختتم بنيس مداخلته بالدعوة إلى إحداث مسارات علمية في السوسيولوجيا الرقمية داخل الجامعة المغربية، وإنشاء معهد وطني للعلوم الاجتماعية يكون همزة وصل بين البحث الأكاديمي وصناعة القرار.