في هذه الحلقة يحكي «الزايغ» كواليس أول لقاء له مع السلطان محمد بن يوسف وكيف أهداه بندقية «غنمها» في الحرب من جندي ألماني، وتبرير السلطان لإشراك الجنود المغاربة في الحرب إلى جانب فرنسا دولة الاحتلال ترجمة : أيوب الريمي
لماذا نقاتل من أجل الغير وليس من أجل المغرب؟ هذا هو السؤال الذي كنت أطرحه دائما على نفسي عندما كنت ضابطا في الجيش الفرنسي، وأقاتل في صفوفه ضد الجيش الألماني النازي. وأتذكر أول لقاء لي مع الملك محمد الخامس، عندما كنت طالبا في المدرسة العسكرية بالدار البيضاء، حيث التقيت به في القصر الملكي بمدينة مكناس. وعندما وقفت أمامه انحنيت لكي أقبل يده، لكن محمد الخامس أوقفني وقال لي «العسكري يلقي التحية العسكرية ويقاتل»، هذه الجملة ستؤثر فيّ كثيرا، ولكن سيبقى سؤالا «لماذا نقاتل من أجل الغير؟» ملحا عليّ. خلال إحدى المعارك ضد الجيش الألماني، كدت أفقد حياتي بعد أن تعطلت بندقيتي ولم أجد بدا من استعمال بندقية عسكري ألماني، أُلقي عليه القبض هو ومجموعة مكونة من سبعة جنود ألمانيين وسأحتفظ بهذه البندقية حتى أوفي بوعد قطعته على نفسي. هذه البندقية ستكون هي السبب في اللقاء بالسلطان محمد الخامس، ذلك أنني تعهدت بأنني سأقدم بندقية العسكري الألماني إلى السلطان، وبعد عودتي إلى المغرب أقيم حفل بالمناسبة، لكن الفكرة الوحيدة التي كانت في ذهني هي كيف أصل إلى السلطان. حاولت الوصول إليه بكل الطرق على الرغم من تحذيرات العماري صديق والدي الذي قال له بأنه في حال ما أعطيت البندقية للسلطان محمد الخامس فهذا يعني أنني اتخذ موقفا من فرنسا، «وأنت الآن كل العيون تترصدك ومخبرو المراقب الفرنسي في كل مكان» يقول العماري، الذي وصف اللقاء بالسلطان على أنه إلقاء للنفس بين نارين «نار المخبرين الذين سينقلون كل شيء إلى الحاكم الفرنسي ونار الأفعى الموجودة في القصر والتي تنقل إلى فرنسا كل حركات السلطان من برنامجه اليومي حتى طريقة تناوله لطعامه، وحينها ستصبح في آذانا صاغية، وبعد مجهود سأتمكن من الوصول إلى السلطان عن طريق فقيه يُدعى مولاي هاشم، وجدته شخصا متواضعا ويتحدث هامسا وكأنه سيفضي إلي بسر، وخلال هذا اللقاء سأطرح على السلطان محمد الخامس سؤالا لماذا نقاتل من أجل فرنسا وليس من أجل المغرب، فكان جواب السلطان «هي مسألة أخلاقية ونتيجة لأخطائنا، إن المسألة تتعلق إذن بأكثر من بندقية أو الرغبة في القتال، وسأعتبر أن هذه البندقية هي دليل على تشكل وعي جديد لدى المغاربة، ولكن في انتظار الوقت المناسب سأعتبرها عربون وفاء لشخصي وللوطن وسأطلب منك بأن تحافظ على ثقتك فينا وفي الوطن، كان هذا اللقاء سنة 1943، وحينها كان السلطان محمد الخامس يرى بأن شروط مواجهة فرنسا لم تكتمل بعد. لكنني لم أفهم رسالة السلطان محمد الخامس جيدا، لذلك توجهت لصديق لي سيكون له تأثير كبير في حياتي، إنه أزين أوموحا الذي شرح لي رسالة السلطان حين قال بأننا نقاتل إلى جانب فرنسا لسبب أخلاقي «فقد كان يعني أنه من غير الأخلاق أن نطعن فرنسا في ظهرها وهي تقاتل الجيش النازي»، لكنني لم أخف حزني أو خيبة أملي من الأوضاع الحالية حيث إننا كنا ندخل القصر مثل اللصوص من أجل مقابلة السلطان» ، فكان جواب موحا أوزين «بأن السلطان محمد الخامس يغلب عليه الحذر أكثر من روح التمرد وهو يرى أن أي عمل لمواجهة فرنسا يحتاج إلى الوقت أما الآن، فلن يكون له جدوى، دعنا ننتظر حتى تنتهي هذه الحرب ونتعلم القتال وحينها سنعرف قيمة الحرية». وخلال رحلتي إلى إيطاليا من أجل القتال في الجبهة واجهني موقف سيجعلني أقسم على أنني لن أطلق رصاصة واحدة بعد الآن لصالح فرنسا. فخلال وصولنا إلى إيطاليا لاحظت أن ضابطا فرنسيا كان يتعمد إهانة ضابطين مغاربة وينعتهما بالقرويين وهما ليوتنون إدريس بنعيسى الفقير وليوتنون الفاسي، حيث كان مكان إقامتهما في المعسكر لا يليق برتبتهما العسكرية، عندما رأيت هذا الموقف، صحت في وجه ليوتنون إدريس بنعيسى، نعامل معاملة دونية حتى في إيطاليا. وبعدها قلت له وأنا على وشك البكاء أقسم أنني لن أطلق أي رصاصة بعد اليوم لصالح فرنسا، الحرب اقتربت من نهايتها وعلينا أن نسأل أنفسنا لماذا لا نحارب من أجل المغرب. لماذا نقاتل من أجل فرنسا وليس من أجل المغرب؟ هذا هو السوال الذي سيلح دائما على أحرضان إلى أن قابل شخصا ارتبط اسم والده بالخيانة، إنه ابن التهامي الكلاوي الذي كان مختلفا عن والده، إذ كان يفكر في طريقة لمواجهة الاستعمار الفرنسي، وذلك بأن يجعل الأمير مولاي الحسن قائدا لهذه المواجهة كيف ذلك؟ الجواب خلال الحلقة المقبلة.