في هذه الحلقة يتناول «الزايغ» علاقته بمهدي الگلاوي، شقيق الباشا التهامي الگلاوي، وهو الضابط بالجيش الفرنسي الذي أقنع أحرضان، حسب روايته، بالعمل على تحرير المغرب من خلال تنظيم توكل قيادته إلى ولي العهد آنذاك الأمير مولاي الحسن ترجمة: أيوب الريمي
«ليوتنان» مهدي الگلاوي، اسم معروف في صفوف الجيش الفرنسي، يمكن تمييزه بسحنته السمراء وبجرح تحت ذقنه، يشبه كثيرا صديقي موحا أوزين، وبفضل شخصيته الآسرة فقد استطاع مهدي الگلاوي، ابن باشا الگلاوي، أن يملأ الفراغ الذي تركه موحا أوحمو وأصبح مقربا مني. فبعد عودته إلى المغرب، تحدث معي وقال لي: «تقول بأن الحرية هي حق ولكن هل تعتقد صدقا بأننا نستطيع تحرير البلد وفرنسا بهذه القوة، ونحن في الحال الذي تعرفه جيدا»، فكان جوابي بأن اتهمته بأنه «قديس الاستعمار»: «عليك أن تلمس جلد يدي وستعرف من لونها وخشونتها بأنني لم أنفصل عن جذوري. صحيح أنني قاتلت مع الجيش الفرنسي كما هو الحال بالنسبة لك، وأعلم أنك تندم لأنك سافرت إلى الدارالبيضاء وانخرطت في المدرسة العسكرية». وفي اليوم الموالي، جاء مهدي الگلاوي وبادرني بالحديث، «بعد عامين من خروجي من المدرسة العسكرية الفرنسية «سان سير»، قدمت استقالتي لسبب واحد وهو أن رفاقي في نفس الدفعة كان يطلق عليهم «ليوتنان» وأنا لا، فقط لأنني لست فرنسيا. أحكي لك هذا حتى أعرف إلى أي حد أنت مستعد للتضحية من أجل بلدك»، فكان جوابي بأنني قد أقسمت على أنني لن أطلق رصاصة من أجل الجيش الفرنسي، ولكن من أجل بلدي أنا مستعد للموت. بعد أن تأكد مهدي الگلاوي من صدق رغبتي في القتال من أجل مواجهة الاستعمار في المغرب، حكا لي عن سره. «سنة 1942 تم نقلي عن طريق سفينة حربية أمريكية إلى مدريد، وقد خدمت في هذه السفينة من أجل ربط علاقات صداقة مع الأنگلوساكسونيين، وخلال هذه الرحلة تأكدت من أنهم مستعدون لمساعدتنا من أجل تحرير البلد، ولدي اتصال معهم ولا ينقص سوى التنظيم. ولكن قبل أن نذهب بعيدا في التخطيط سنقسم بأننا لن نخون هذا العهد، وسنمضي في هذا المشروع حتى آخر نفس فينا»، بعد أن أقسمت على الوفاء بهذا العهد، طلبت منه أن يمدني بباقي تفاصيل هذا التنظيم، على أنني سأخبر موحا أوزين بشأن هذا التنظيم، لأنه أقسم على أنه مستعد لخوض أي معركة من أجل استقلال المغرب. فكرة مهدي الگلاوي كانت تقوم على أساس إخراج الأمير مولاي الحسن من القصر وإبعاده عن عيون الفرنسيين، بشرط أن يقبل الأمير مولاي الحسن بهذه الفكرة حتى يكون هو رمز هذا التنظيم وقائده. وقد اختار الريف كقاعدة لهذا التنظيم، لأن الريف يتوفر على مقاتلين مدربين على القتال، وسنقوم باستقدام الأمير مولاي الحسن إلى الريف، كما أن بعض أصدقاء مهدي الگلاوي سيساعدوننا في بناء هذا التنظيم، خاصة وأنهم سيعتبرون أن هذه المعركة هي من أجل الوفاء لعبد الكريم الخطابي. مهدي الگلاوي قال بأن مولاي الحسن على الرغم من صغر سنه إلا أنه أهل لهذه المهمة. وبعد عودتي إلى المغرب طلب مني مهدي الگلاوي أن أتقرب من محيط الأمير مولاي الحسن، ومن أجل هذه المهمة طلب مني أن أتوجه إلى شقيقه مولاي محمد الذي كان قائدا على آيت أورير. وبالفعل توجهت إليه وأعطاني مفاتيح شقة في أنفا في الدارالبيضاء، وقبل التوجه إلى الدارالبيضاء فقد حذرني العماري وكالعادة من أن الأمير قد لا يوافق، وقال لي: «ما الذي يضمن لك بأن الأمير سيكون أفضل من والده؟ ما الذي ستجنيه من كل هذا؟ أنا متأكد من أنه لن ينصت إليك أحد، وسيتم طردك من القصر من طرف المحيطين بالسلطان، كما أن الأمير مازال صغيرا، وليست لديه أي تجربة حتى يقود مثل هذه العملية». فكان جوابي بأنني لن أخبر الأمير بأي شيء الآن، فأنا فقط أريد أن أبعث إليه رسالة من أخ لأخيه لا غير، وبعد أن حصلت على مفاتيح شقة أنفا ولائحة بالأشخاص الذين أود مقابلتهم والمقربين من الأمير. هذه اللائحة أعدها لي أخو مهدي الگلاوي «القايد محمد»، كل شيء كان على ما يرام، وأصبحت أرى نفسي وأنا في جبال الريف عضوا في القيادة العليا للأمير مولاي الحسن، لكن الموت يأبى أن تستمر هذه الأحلام، حيث توفي مهدي الگلاوي في إحدى المعارك قبل عودته إلى المغرب، لكن هذا الحلم سيبقى حاضرا في ذهني. وفي كل مرة أجد الشخص المناسب الذي من الممكن أن يكون أهلا لهذه المهمة. وهذه المرة وجدت السند في «ليوتنان» ادريس بن عمر الذي سيساعدني على أن أعوضه على رأس «بيت المحاربين» في الرباط. وهنا، ستبدأ مرحلة جديدة.