بين التشخيص القاسي لخطاب العرش، الذي رسم لوحة سوداء للوضع المؤسساتي والإداري والحزبي، وبين غياب ترتيب الأجوبة المطابقة لذلك، سقطت البلاد في انتظارية مخيفة. الحكومة انتقلت من هدوء «فترة السماح»، التي تمنحها لها تقاليد الأيام الأولى للولاية، إلى وضع الإدانة موقوفة التنفيذ الذي سجنت داخله بسبب سياق استثنائي. البرلمان تحول إلى مؤسسة باهتة بأعراض عجز وظيفي مزمن، حيث جعلته فورة «الشارع» يبدو بعيدا عن احتضان النقاش العمومي، وسط تشكيك يومي مستمر حول أدواره في التمثيل والوساطة. الأحزاب من جهتها لم تتجاوز لحظة الذهول الدراماتيكي، أمام ما يشبه سحبا علنيا للثقة الملكية في قياداتها وممارساتها. هذه الانتظارية، ليست سوى نزيف مستمر لمنسوب ما تبقى من مشروعية لهذه الوسائط، ذلك أن خطاب أزمة المؤسسات الذي تلتقي حوله السلطة والحركات الاحتجاجية، من شأنه أن يضعف مؤشر الانتظارات الشعبية المعلقة على أداء الحكومة والبرلمان، وهو ما يعمق من هشاشتهما البنيوية. لذلك، من الواضح أن المسؤولين السياسيين في مواقع المسؤولية يعانون من ضعف حاد في مقروئية أفق ومعالم المرحلة في المدى القريب والمتوسط. في هذا السياق، يبدو للانتظارية، كذلك، عنوان آخر، ليس سوى غياب القدرة على إنتاج مبادرة مستقلة من قلب الحقل الحزبي، للتفاعل مع التشخيص الملكي وتقديم عناصر للتعبئة حول أفق سياسي مغاير. بعيدا عن خيارات التأزيم، أو الاستبطان النهائي لوظيفة التبعية المطلقة لتقديرات الدولة والاستسلام لموقفها، وحدها فيدرالية اليسار الديمقراطي، كانت قد حاولت أن تفتح ثقبا صغيرا في جدار هذه الانتظارية القاتلة عندما عبرت، في رسالة موجهة إلى رئيس الحكومة، عن الحاجة إلى «فتح حوار وطني شامل جاد ومسؤول حول القضايا الوطنية الكبرى، بما فيها إشكالية العدالة المجالية كقاعدة لتقوية أسس الانتماء للوطن والحفاظ على الأمن والاستقرار». فكرة الحوار الوطني، تبدو من الناحية الموضوعية مطابقة لمتطلبات المرحلة، وللشرط الذاتي للقوى السياسية، لذلك يجب في الواقع أن تتحول من شعار عام للتعبئة، إلى مطلب سياسي مدقق يسنده تحالف واسع من القوى السياسية والحقوقية والمدنية، وتغذيه الحاجة الماسة إلى إعادة إحياء مسار الإصلاح الديمقراطي.