منذ وَعَيْتُ ووقفتُ على طبيعة الأزمات التي تعاني منها الأمة الإسلامية من المحيط إلى المحيط ، وفي قلبها الأمة العربية من المحيط إلى الخليج ، وقعت على سببين دفعا بالأمة إلى قلب الأزمة التي تعيشها اليوم … أولهما ، تخليها عن الأسباب التي كانت صنعت نهضتها في الماضي .. فلا يختلف اثنان على أن أمتنا العربية ما كان لها أن تحتل مكانتها في صدارة العالم على مدى قرون من غير دينها الذي أسَّسَ لحضارةٍ وسياسةٍ ومدنيةٍ ملأت فضاء العالم عبقا ورَوْحًا ورَيْحانًا . ثانيهما ، سقوط الخلافة الجامعة لشتات الأمة السياسي ، ووقوع الجغرافيا والشعوب العربية والإسلامية ( الديموغرافيا ) تحت سيطرة وسطوة الاستعمار الصليبي الحديث الذي ما ترك وطننا العربي والإسلامي إلا بعد أن اطمأن الى تفتيته بعد ان كان واحدا موحدا ( سايكس – بيكو ) ، وتسليمه الى دكتاتوريات حكمت برأيه وبطشت برأيه وساست البلاد والعباد برأيه ، فما عاد للشعوب في هذه المعادلة من مكان ، وما عاد لأحلامهم وطموحاتهم من موضع ولا موطئ قدم …. كان ذلك كله مقدمةً لضياع البلاد والمقدسات والحقوق ، كما كان مقدمةً لاستبدادٍ وفسادٍ فَرَّخَ في كل زاوية في حياة الأمة حتى لا تكاد ترى إلا السواد أنَّى نظرتَ … هزائمٌ وتخلفٌ وأمِّيَّةٌ وجوعٌ ومرضٌ وشتاتٌ وفُرْقَةٌ واختلافٌ وصراعٌ ، وفوق كل ذلك ضياعٌ تحولت معه الأمة إلى غثاء كغثاء السيل لا ثقل لها في ميزان الحضارة ولا السياسة … ( 1 ) أخطر ما أصاب الأمة هو حرص أعظم أنظمتها – الا النادر – على شل حركة شعوبها ، فلا تسمح بأي هامش إلا في حدود ما يخدم مصالحها وأجنداتها التي لا مكان فيها لحرية تنظيم أو كلمة ولا لديمقراطيةٍ أو تعدديةٍ أو تداولٍ سلميٍّ للسلطة، حتى انفجرت براكين غضب في بعض مواضع من عالمنا العربي ما زالت تصارع على البقاء في مواجهة أذرع أخطبوط دولة الاستبداد العميقة ومن يدعمها من دول الفساد والاستبداد القائمة … في ظل غياب نظام راشدي على نهج النبوة يَعُمُّ الوطن العربي ، تخيلتُ وضعًا فيه استفاقتْ أنظمةُ الاستبدادِ من غيبوبتها السلطوية فاتفقت مع شعوبها على تقاسم الأدوار ، فمنحت قواها الحية دعما كاملا في التحرك الحر على الساحتين الداخلية بناء وإبداعا ، وعلى الساحة الخارجية جهادا ونضالا لتحرير الأرض والمقدسات والأوطان المغتصبة ، في مقابل عدم التعرض لما تعتبره ( حقها !!! ) في ممارسة السلطة ( بلا منازع !! ) … ماذا كان يمكن أن يصبح عليه حال الأمة ؟؟؟!! لا شك أن حالها كان يمكن أن يكون أفضل من حالها اليوم بكثير … المصيبة في أغلب أنظمة العرب الحالية أنها أنظمة استبداد من جهة وأنظمة خنوع وخضوع وارتهان مهين للقوى الخارجية بما لا يخدم مصالح الأمة العليا من جهة أخرى … بكلمات بسيطة ، أنظمة استبداد ودكتاتورية بلا كرامة وطنية ولا إرادة حرة ولا قرار مستقل ، فماذا نتوقع منها غير الذي نراه ونتابعه من انحطاط لا مثيل له في كل الدنيا… ( 2 ) نحن في الداخل الفلسطيني 1948 ، جزء من الأمة العربية والإسلامية ومن الشعب الفلسطيني ، وإن شاءت الأقدار أن نعيش ظروفا تختلف عنها سياسيا وموضوعيا، إلا أنني ألحظ أننا قريبون جدا من ممارسة ذات اللعبة الخطرة ، وَعَيْنَا ذلك أو لم نَعِيَهُ.. عندنا " شعب " وهو الجمهور العربي أو المجتمع العربي بكل مكوناته ، ولدينا "نظام حُكم محلي" ممثلا في البلديات والمجالس المحلية ، وعندنا "نظام قطري" ممثلا في لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية … كيف لنا أن نصف العلاقة بين ( النظام الحاكم ) وبين الشعب في حالتنا نحن داخل الخط الأخضر ؟؟!! … يجب ألا ننسى ونحن في خضم هذا النقاش أن شعبنا العربي ( مجتمعنا العربي ) ، وحُكمنا المحلي والقطري ، محكوم هو بنفسه بأنظمة دولة إسرائيل وحكوماتها وسياساتها ، الأمر الذي يؤثر على أدائنا مقابل طموحاتنا … إلا أننا يجب الا نعلق على هذه الحقيقة عجزنا غير المبرر عن إدارة أزماتنا واختلافاتنا بشكل يُفَوِّتُ الفرصةَ على الحكم المركزي ( اليهودي ) من الإجهاز علينا .. اخطر ما يواجهنا اليوم من خلال متابعتي لوضع نضالنا الجماعي ضد عدد من ملفات التآمر الصهيوني ضدنا ك – (مخطط برافر / نموذج لسياسات إسرائيل العنصرية تجاه الفلسطينيين من سكان الدولة العبرية ) والذي يهدف لاقتلاع الوجود العربي في منطقة النقب الفلسطيني " جنوب إسرائيل " ، أو ( قانون يهودية الدولة / نموذج لسياسات الاحتلال الإسرائيلي تجاه القضية الفلسطينية برمتها داخل فلسطين وخارجها ) الذي يهدف الى هدم روايتنا الفلسطينية واستبدالها برواية صهيونية مزيفة تضع قواعد جديدة للتعامل مع المشهد الفلسطيني والعربي لا وجود فيه لشعب فلسطيني ولا لرواية فلسطينية ، وإنما الوجود فقط ل – " شعب يهودي !!! " ول – " رواية صهيونية !! " ، أو ( قانون التقسيم الزماني والمكاني للأقصى المبارك / نموذج لإسقاط الجامع الأخير للأمة وقلعة صمودها الأخيرة ) ، أو غيرها من الملفات الشائكة التي لا تنتهي ، أخطر ما يواجهنا في المشهد كله ان نجمع على انفسنا نارين ، نارَ العنصرية والقهر القومي الاسرائيلي ، وناراً أخطر من الأولى إذ نسمح أن تتحولخلافاتواجتهاداتمكونات مجتمعنا العربي إلىحالةمنالصراع،بدلأننخلقفيمابينهاحالةمنالتعايشوتقاسمالأدواروالانسجامالايجابي،الأمرالذييحافظعلىاندفاعهادونعوائقوبعيداعنالمعاركالجانبيةالتيعلمناالتاريخأنهالنتكونإلاعلىحسابالكلالشعبيولنتستثنيأحدا ، اندفاعها نحو الهدف / التحدي الوحيد وهو مواجهة سياسات إسرائيل بكل ما أوتينا من قوة وحكمة في ذات الوقت.. ( 3 ) الذيدفعنيإلىمكاشفةالجميعبمايجيشفيصدريالجدلالذينراهونرصدهمنذفترةحولثنائيات معقدة ومحيرة … الأولى ، ثنائية ( الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية ) ومسألة المشاركة فيها : نعم / لا ، والتي كثيرا ما تخرج عن السيطرة بفعل الأساليب الشعاراتية التي تُغَلَّبُ فيها العاطفةُ على العقل والخيالُ على الواقعية الشامخة . الثانية ، ثنائية ( لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية الفلسطينية في الداخل ) ومسألة انتخابها مباشرة ، وهل هي " جسم تنسيقي " لا أكثر ، ام " قيادة وطنية " لشعب بكل ما تعني الكملة من معنى ، إضافة الى دورهافيحملالهمالوطنيالجمعي في الداخل والخارج،وكيف ؟؟ الثالثة ، ثنائية ( مستقبل القضية الفلسطينية عموما في الأراضي المحتلة في العام 1967 ) ، ومسألة القانون الدولي والقانون الشرعي ( السلطة الفلسطينية/فتح وحماس ) ، وتحديد الأولويات ورصد الموازنات في تحديد مصيرها ، ودور الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل/1948 في صياغة مشهدها حاضرا ومستقبلا.. الرابعة ، ثنائية جماهيرنا العربية الفلسطينية التي تحمل الجنسية الإسرائيلية بفعل الأمر الواقع الذي لم يكن لنا فيه خيار ، والذي افرزه واقع النكبة الفلسطينية ، ومسألة ما يجب ان تكون عليه العلاقة بيننا وبين الدولة العبرية كسلطة أمر واقع على المستويات الفكرية المبدئية ، والواقعية الميدانية ، والسياسية المطلبية . اعتقدأنناتجاوزناالحدالمسموحبهمنالاختلاففيآلياتالنضال،عندماعلاالصراخوالخلافبينالأطرافحتىكدتأخشىعلىقضاياناكلهافيظلقعقعةالطبولالتيتضربهاالأطرافالمتصارعة والمتنازعة …. ( 4 ) لابدمنوقفةمعالذات،وتغليبالمصلحةالوطنيةالعليا،ومنثمالبحثعنالوسائلالتيتضمنالانسجامبينكلالاجتهاداتوتحويلهاإلىروافديغذيبعضهابعضا،وانتراءىللبعض أنهامتناقضة … الذكاءيفرضعليناتقسيمالأدواربذكاءبشكليضمنللجميعالعملضمنمنظومةنضالنحرصدائماعلىألاتتصادم …هلهذاممكن؟؟؟نعمممكن …. ( 5 ) لو أخذنا قضية ( الحراك الشبابي ) كنموذج يمكن البناء عليه في تحديد بوصلة نضالاتنا في كل الميادين القائمة والمحتملة ، وأجرينا لها تحليلا موضوعيا على اعتبارها مسألة تصب في صلب الجهود الجمعية المبذولة لتحديد مسارات النضال المختلفة ، بهدف استثمار هذه الحراك لتعزيز العمل الميداني من جهة ، والبناء على مفرداته لتحديد شكل النضال المستقبلي بيننا وبين دولة إسرائيل من جهة أخرى ، لفعلنا خيرا لأنفسنا ولأجيالنا القادمة حتى ينفذ قدر الله .. إننحنأعطيناالشبابسواء من كان منهم مؤطرا فيالأحزاب إسلامية كانت أووطنية أو قومية أو يسارية ، ومعهمقطاعاتواسعةغيرمنتميةرسميالأيمنالأطرالقائمة،على قاعدة ان الوطن يضمنا ، والتحديات التي تواجهنا توحدنا.. أننحنأعطينا هؤلاء الشبابالفرصةأنيمضوافيطريقهمالنضاليتحتمظلةمنالتنسيقفيحدهالأدنى،إذاليسمنالحكمةدائماأنتكونالأحزابوالحركاتدائمافيالمشهد،كماانهليسمنالضروريأنيكونالشبابدائمافيالمشهد،كماقديكونمنالحكمةأنيعملالطرفانمعاأحيانا،وانيعملكلمنفرداأحياناأخرى .. وهكذا .. وهكذا .. اننحنفعلناذلكفقدكسبناالمعركة،إذ أن المعركة التي لاشبابفيهامآلهاالفشل … ( 6 ) علىالشبابأنيعرفواقدرالأحزابوالحركاتوالمؤسساتالعاملةفيإطارلجنةالمتابعة العليا،كماعليهمأنيعترفوابأهميتهاجميعافيإطارنضالناالمشروعلتحقيقأمانيناالإسلاميةوالوطنية،ويجبأنيقللوا ( لا ان يمتنعوا )قدر المستطاع منانتقاداتهم السلبية لها،فلايشكاحدفيإخلاصهاواناختلفالبعضمعبعضاجتهاداتها … كماأنعلىالأحزابوالحركاتولجنةالمتابعةأنيجدوالغةالتفاهممعالشبابحولمشروعنضاليشامليجدفيهالجميعمكانهمدونغضاضة ودونانتقاصودونصدام … يجبأننجدالمعادلاتالتييتقدمبناءعليهاالبعضويتأخرالآخر،ويتأخرالبعضويتقدمالآخر،كماوفيهااحتمالأنيتقدمالجميعأوأنيتأخرالجميع.. الكلخاضعلموازيندقيقةلانحيدعنها ، تقدم الصالح العام فقط دون غيره ، وخصوصا الأجندات الحزبية والحركية ، والتي إن قُدِّمَتْ أفشلتْ كل جهودنا وعرقلت كل تحركنا الجماعي ، وهذا في عقيدتي مُحَرَّمٌ ولا يجوز بحالٍ من الأحوال … ( 7 ) بدونذلكسيهددناالخطرجميعا ،ولنافيالجهادوالنضالالفلسطينيلمائةعام ونتائجه ، مايكفيلنتعلمالدرسقبلفواتالأمان.. من المناسب هنا التذكير بأن " الحركة الوطنية الفلسطينية " التي ننتمي اليها تجمعها اهتمامات أساسية وعامة ، ثم تتشعب عنها مدارس مختلفة الإسلامي والقومي واليساري .. لكن الأهم من ذلك ان أغلب شعبنا الفلسطيني في الداخل ( فلسطين 1948 ، وفلسطينالمحتلة 1967 ) وفي الخارج ( الشتات ) ، ليس بالضرورة منتميا للمدارس التي ذكرت ، انما ينتمي للحركة الوطنية العامة في اطارها الأوسع والأعمق ( الشعبي ) ، والذي تسكنه في اغلبه الأعم القيم الإسلامية الفطرية ، مما يفرض على ( المشتغلين ) بالسياسة و – ( المنشغلين ) بها ، وهي الأحزاب والحركات عموما ، الا يتجاهلوا من ( ينشغلون ) بالسياسة دون أن ( يشتغلوا ) بها وهم أغلبية شعبنا ، لأننا – بعد الله – بهم نكون ، وبغيرهم لا نكون .. النجاح الأكبر هو في جمع الخير بعضه إلى بعض أنى وجدناه ، ونَظْمِهِ في اطار جامع نحقق به الغاية من جهة ، ونشتت شمل ( الاجتهادات ) الضارة قدر المستطاع من الجهة الأخرى .. بهذا نضع اقدامنا على طريق الانتصار …