الخطوط الملكية المغربية تتوج كأفضل شركة طيران بإفريقيا    وفد من مالاوي يزور الصحراء المغربية    الفتح الرياضي يتفوق على حسنية أكادير    "الديمقراطية على الحافة".. سياسيون يفككون تفاعلات الرقمنة وصعود الشعبوية    صرف دعم مالي استثنائي لفائدة 371 موظف موظفة شرطة يعانون شخصيا أو ذووهم من أمراض خطيرة            رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية تجدد دعم فرنسا لسيادة المغرب على صحرائه    المغرب يستضيف فعاليات بطولة العالم للشراع "صنف الأوبتيمست" 2026    اتحاد طنجة يقدم موعد جنازة عبد اللطيف أخريف    المجلس الأعلى للحسابات ينبه إلى تحديات نظام التأمين الإجباري عن المرض محذرا من تأثيرات على توازنه المالي    إغلاق مركز معالجة الإدمان بالحسيمة يجر وزير الصحة للمساءلة البرلمانية    من نيامي إلى لوساكا.. المغرب يعمّق امتداده الإفريقي بالتنمية والتعاون    "الشعب السوري واحد" .. الآلاف يحتفلون في دمشق بانتصار الثورة وسقوط الأسد    المنتخب المغربي للسيدات يتراجع بمركزين في الترتيب العالمي الجديد    ميناء طنجة: توقيف مواطن دنماركي موضوع أمر دولي بإلقاء القبض    عائلة لاعب اتحاد طنجة الراحل أخريف تعجل دفن جثمانه الجمعة بدلا عن الأحد        ثورة طبية في اليابان .. اختبار عقار جديد يعيد نمو الأسنان المفقودة    رئيس زامبيا يبعث رسالة إلى الملك    الثلوج تغطي مرتفعات غرب إقليم الحسيمة (صور)    توقيف التيكتوكر "مولينيكس" فور دخوله المغرب بسبب التشهير    رحيل نجم التمثيل المحبوب فتحي الهداوي يحزن التونسيين    "جوي أواردز" ترشح ياسين بونو ووجدان سعيد للتتويج    بورصة البيضاء تغلق بأداءات مربحة    إحداث منطقة التصدير الحرة لسوس ماسة يُعيد الحديث عن المخطط الجهوي للتسريع الصناعي للواجهة    جهود بتطوان لإخراج مشروع المتاحف الافتراضية لحيز الوجود    أخبار الساحة    إيمانويل ماكرون يعين فرانسوا بايرو رئيسا جديدا للوزراء    شوارع الرباط‮ ‬في‮ ‬معرض للصور الفوتوغرافية‮ «‬بورتريهات من البيرو والمغرب‮»‬    عملية احصاء قطيع الأغنام تمر في ظروف جيدة    باحثون يابانيون يختبرون عقارا رائدا يجعل الأسنان تنمو من جديد    تزامنا مع تألقه في جوائز "البيلبورد".. "طوطو" يرزق بمولوده الأول    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    دفاع الناصري يرفض "شهادة عن بعد"    مندوبية السامية للتخطيط…ارتفاع الرقم الاستدلال للأثمان عند الإنتاج بنسبة 9,2 في المائة    آخر ساعات بشار الأسد في سوريا .. الرئيس يخدع المقربين لضمان الهروب    الخارجية الأمريكية تسلط الضوء على استراتيجية المغرب الشاملة في مجال مكافحة الإرهاب    الفنانة شيماء عبد العزيز تعلن طلاقها بشكل رسمي    بالأمل سيكْتملُ في سوريا.. ربيعُها المُؤجّل!        إعفاء المنتخب المغربي النسوي تحت 20 سنة من خوض الدور الأول من تصفيات مونديال 2026    إدانة الناخب الصيني السابق لكرة القدم بالسجن 20 سنة        أوكرانيا تشتكي هجمات على الطاقة    لماذا لا تستفيد بلداننا من برغماتية وعقلانية قادة التحالف الأوراسي؟    أسعار النفط تغلق على انخفاض    سقوط بشار الاسد يرعب تل أبيب!    السلطات في الجزائر تقرر إبقاء الكاتب بوعلام صنصال رهن الحبس المؤقت    الرئيس التنفيذي لشركة "غوغل": تطوير الذكاء الاصطناعي لن يُحدث تغييراً كبيراً في سنة 2025    مؤتمر يستحضر "دبلوماسية الفنون" .. بنسعيد: ثقافة المملكة قوة ناعمة    الانفراد بالنفس مفيد للصحة النفسية    أسباب محتملة وأعراض .. ما المعروف عن "شلل النوم"؟    افتتاح مركز للتعليم العلاجي بالرباط    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الواجب الفكري في واقع الأمة - بقلم حسن بلحسن
نشر في التجديد يوم 29 - 02 - 2008


الحاجة للفكر في أبين صورها في تاريخ الإنسانية قرين المخاضات الكبرى للوعي الذاتي وهذه المخاضات حركيات كبرى لاكتشاف الفجوة بين الواقع والممكن ولرفع الممكن إلى مستوى الواجب أو لنقل أنها حركيات كبرى لكسر الانسدادات المزمنة وللخروج من حال إلى حال ولتحويل حدود الممكن التاريخي وللعثور على مفاتيح التوجيه نحو المستقبل وهذه الحركيات تتخذ شكل مخاض طويل للهوية لان الإنسان هو الكائن الذي يعي ذاته في ممكناته ويزداد إحساسه بالوجود من أحد الوجوه بقدر زيادة قدرته على الفعل و يضمر بقدر تناقص هذه القدرة ولان تحويل حدود الممكن التاريخي مسارات معرفية وعلمية عسيرة بطيئة، طويلة وثقيلة. والممكن في المخاضات الكبرى للوعي الذاتي دعوة ونداء للخروج من الوضاعة الوجودية إلى الكرامة ، وهذه الدعوة تفترض إشكالية للرؤية والإبصار أو لنقل أنها تتخذ باستمرار شكل نداء للتفكير من وجوه : - فالممكن يتخذ ابتدءا شكل السلب أي رفض واقع الوضاعة الوجودية والتاريخية ومقاومة المظاهر الشعورية والعملية التي تتبدى فيها هذه الوضاعة والممكن كسلب مجال واسع للرؤية والتفكير، فقد لا يتجاوز الرفض حدود ثقافة سطحية فقيرة للمقاومة وقد يتحول إلى نظرية نقدية للخروج من حال تاريخي إلى حال والى مشروع اعتراض حضاري عالم يعرف إلى أين يذهب وماذا يريد. - والممكن يعرض نفسه أيضا كدعوة وإمكانية لرفع مستوى قراءة الذات الحضارية أي لرفع السقف الروحي والمعنوي للإرادة المعرفية والعملية ، و رفع مستوى قراءة الذات الجماعية هو الشرط النفسي للخروج من الإتباع اليالابداع وللاضطلاع بالأدوار التاريخية الكبرى ، لماذا؟ لان المتمثل لوجوده تمثلا وضيعا لا يمكن أن ينتج شيئا ذا بال ، وتحقيق هذا الشرط النفسي داخل الثقافة نداء للتفكير ومجال واسع للرؤية والاجتهاد هو الآخر ، فقد لا يتجاوز إشباع الحاجة للاعتبار الذاتي عبر آليات الدفاع والهجوم وقبول أي فكرة تصب في هذا المصب مهما كان سقمها ولكنه قد يتخذ صورة عالمة عميقة تتجه نحو تغيير دلالات العلم والمنهج بما يسمح بظهور الممكنات الذاتية في أفعال الموضعة والتأويل ونحو البناء النقدي للذات الحضارية والبحث عن مسالك التدخل في نحت المصائر الكبرى وتحقيق تفوق حقيقي ملموس يخول نقل مركز الحضارة الخ........ - والممكن يعرض نفسه كعدة عقلية ومعرفية وكامكانات أداتية يوفرها العصرلتفعيل المثل العليا المجردة من جهة ولتسخير الإنسان للكون لمنفعته من جهة أخرى . ومن أمثلة العدة العقلية التي يوفرها العصر للتفعيل الملموس الأجود للمثل العليا المجردة يمكن أن نذكر مثلا عثور الحداثة السياسية على سنة وقانون معالجة أدواء الشأن السياسي الذي لم تعثر عليه البشرية خلال آلاف السنين من التجريب الخيالي و النظري في هذا الباب و هذا العثور مثال واضح على الفارق بين المقصد المجرد و المقصد الملموس : المقصد السياسي المجرد هنا هو الحرية أو التحرر من التسلط و الاستعباد و أما المقصد الملموس فهو تحقيق الحرية عن طريق المعالجة المؤسساتية القانونية الموضوعية لأدواء الشأن السياسي بتقسيم السلطة و إخضاعها للقانون وحد السلطات بعضها بالبعض الآخر . ومن أمثلة العدة العقلية التي يوفرها العصر لزيادة نصيب المثل الأعلى من المثال التاريخي وللحركة من المقاصد المجردة إلى المقاصد الملموسة يمكن أن نذكر ما يوفر ه علم النفس التربوي من معرفة بالمراحل العمرية وللطفولة والمراهقة وباحتياجاتها النفسية والتربوية وهو ما ييسر تحويل القيم المجردة إلى مسارات تربوية ملموسة منتجة والأمثلة أكثر من أن تحصى، لكن المهم هو أن عرض الممكن لنفسه كحركة ثقيلة في شروط الامكان التاريخية وفي العدة العقلية والامكانات الاداتية لتفعيل المقاصد الوجودية المجردة ، كل ذلك مجال شاسع للاجتهاد و المعرفة و التفكير و موقف الفكر هنا يمكن أن يتراوح أيضا بين نزعة إيديولوجية سطحية في معرفة العصر تلامس القشر و تعجز عن النفاذ إلى اللباب و بين مكابدة مشقة الوعي التاريخي و التأهل للحضور في دورتي الزمان و المكان. - و الممكن يعرض نفسه كعلاقة تبادل معقد بين حقل التجربة و أفق التطلع لجماعة تاريخية ما ، و المقصود بحقل التجربة التاريخ و الذاكرة و بأفق التطلع الأحلام و الانتظارات الجماعية ، و الزمن التاريخي الفعلي للشعوب و الأمم هو باستمرار تبادل معقد بين هذين البعدين و هذا التبادل مجال واسع للمعرفة و التساؤل : ما منفعة التاريخ للحياة ؟ كيف نبني ذاكرة نقدية قويمة بين حدي الإفراط و التفريط ؟ كيف نعالج أدواء الذاكرة و الترسبات المعيقة للتاريخ في أنسجة الثقافة و الشخصية الجماعية ؟ كيف يكون التاريخ في خدمة المستقبل ؟ كيف نحرر توجهنا للمستقبل من هاجس التأصيل التراثي و التاريخي ؟ الخ...و لا شك أن النجاح أو الإخفاق في بناء هذه المعادلة الدقيقة بين حقل التجربة و أفق التطلع له حكمه على صورة المستقبل و المصير الجماعيين، و كل هذا دعوة للمعرفة و التفكير. - و أخيرا فان الممكن يمثل كفرصة ملموسة يعرضها التاريخ للمؤهل لها من يبن الأمم لأداء دور و رسالة ، فالمطالب و الاحتياجات الكبرى للعصر هي التي تنسج خيوط المستقبل و هذه الاحتياجات بمثابة قوى للحركة و التغيير و التصيير تمكن المتملك لها من قيادة قاطرة المستقبل العالمي ، و لا شك أن قدرة المسلمين على قراءة المؤشرات المستقبلية لحاضر الإنسانية و على معرفة قوى التغيير و التصيير في حاضر العالم ضعيفة و غالبا ما يستعاض عن هذا الضعف بالاحتماء بالمجردات و بالانكفاء على الذات و أحيانا بايديولوجيا حربية بائسة كما سيأتي لاحقا. و على العموم فان مخاض الهوية كمخاض لتحرير الممكن نداء و دعوة لممارسة مشقة الرؤية و الإبصار و للاستجابة للدواعي و البواعث الزمنية الملموسة للتفكير، لذلك قلنا أن الحاجة للتفكير قرين المخاضات الكبرى للوعي الذاتي.و ما سبق يضيء لنا الطريق بشان الواجب الفكري و دلالة التفكير فالواجب الفكري تحرير لممكنات مهدرة لا تتحرر إلا من مسلك العلم و أما التفكير فليس ممارسة ترفية و لكنه صورة المستقبل و معقد المصير، و التفكير في هذا الأفق ليس ممارسة سكولاستيكية معزولة عن مجرى التاريخ و لكنه استجابة لنداء الممكن و لبواعث التغيير. بهذا المعنى يمكننا أن نقول بان هنالك مسالة و مشكلة فكرية حقيقية في حياة الأمة اليوم، لماذا ؟ لان وضع الفكر فيها ليس على ما يرام أو لنقل لان هناك تفقيرا ثقافيا لمخاض الهوية و تراجعا مريعا لدور الفكر في حركة الإصلاح، و تراجع الفكر ليس معناه انه لم يعد هناك أناس يكتبون فهؤلاء كثر، بل معناه عدم القدرة على الاستجابة للدواعي و البواعث الزمنية للتفكير و على رفع مستوى قراءتنا لذاتنا الحضارية و لمخاض الهوية الذي تعيشه الأمة.إن الهدر الفكري في واقع المسلمين هدر عملي و لا مخرج منه إلا بمنعطف حقيقي في وعي إرادة الإصلاح لذاتها و بإعادة وعي المبادئ المؤسسة للأمة كمساحات عمل زمنية فالأمة الإسلامية في المبادئ المؤسسة لها حقيقة رسالية فهي الأمة التي صممت في خصائصها التكوينية و أصولها النشوئية لأجل الناس و منفعتهم و هي امة الخيرية من مسلك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و هي امة الوسطية لعلة و مقصد الشهادة على الناس وهي امة القوامة لله والشهادة بالقسط و الشهادة لله و القوامة بالقسط....ولا شك أن مختلف المبادئ التأسيسية الآنفة للحقيقة الرسالية للأمة مساحات عمل زمنية و تاريخية متجددة و ليست صفات ثابتة لها على أي حال كانت و هذا يعني أن كينونة الأمة و حقيقتها في التجدد و الحركة و المصير و أن وجودها قراءة متجددة لذاتها و حركة مستمرة نحو ترجمة المبادئ المجردة المؤسسة لها إلى ادوار تاريخية ملموسة أو لنقل أنها حركة متجددة من المجرد إلى الملموس و من الأساسي إلى التاريخي. يصدق هذا الفهم قول الرسول صلى الله عليه و سلم: إن الله يبعث لهذه الأمة على راس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ، لا شك أن الدين للإنسانية عامة فلماذا نسب هنا للأمة ؟ النسبة هنا تأسيسية و الدين حين يكون مؤسسا لذاتية جماعية يصبح حقيقة ر سالية و الله سبحانه و تعالى قد أجرى المبادئ المؤسسة للأمة على مقتضى سنن التغيير و الإمامة ( إمامة و قيادة الناس ) و الوراثة ( وراثة الأرض ) المودعة في الكينونة و التاريخ، و النسبة التأسيسية هنا تعني أن الدين لا يتجدد للناس إلا عن طريق حامل تاريخي يجدد وعيه بذاته و ممكناته و صورته عن نفسه و دوره. و أزمة العالم الإسلامي من هذا المنظور ليست سوى الهوة التي تفصل الأمة عن ممكناتها و قصورها عن الترجمة الزمنية الملموسة الأوفى لحقيقتها الرسالية و عن التحرير التاريخي للقوة الروحية و المعنوية للإسلام و مهمة التجديد انطلاقا مما سبق هي ردم الهوة و تجسير الفجوة بين الأمة و ممكناتها عن طريق التجديد الملموس لوعيها الذاتي و تجسيده في ادوار و مهمات تاريخية ملموسة.إن مخاض الوعي الذاتي للأمة مجسدا في وعي إرادة الإصلاح لذاتها ظل دون ممكناتها بكثير و بقي أسير مقاومة الاستلاب و التغريب و أسير منظور دفاعي فقير للذات وهو ما يتجسد في تخلف الفكر الإسلامي عما يحبل به واقع الإنسانية من امكانات لتفعيل الحقيقة الرسالية للأمة الإسلامية و عن المهمات و الأدوار الملموسة التي يعرضها و يهيئها التاريخ لها و عن امكانات التغيير و التصيير التي يحبل بها الواقع العالمي و بهذا المعنى فان وظيفة التجديد هي الالتقاط المعرفي للفرصة الملموسة التي يعرضها التاريخ لأداء دور و رسالة و القيام بهذه النقلة التاريخية المصيرية و الهائلة: التحويل من دلالة اختزالية سطحية لثقافة المقاومة إلى التحرير الزمني الملموس للقوة الروحية و المعنوية للعالم الإسلامي.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.