تطورت ظاهرة الإجرام بالمغرب كما ونوعا في السنين الأخيرة، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول المقاربة الأنجع للقضاء على الظاهرة أمام تعدد المقاربات، منها الأمنية والنفسية والتربوية والدينية والاجتماعية. ما حجم ظاهرة الإجرام في المغرب؟ وهل تلعب المقاربة الدينية دورا مهما في الحد أو القضاء على ظاهرة الإجرام؟ تشخيص الظاهرة يرى ابراهيم الحمداوي استاذ علم الإجتماع، أن ظاهرة الإجرام في المجتمع المغربي تتطور سواء على مستوى الكم أو النوع، أو على مستوى الفآت التي تتضرر من الظاهرة أو تشارك في الظاهرة، ويمكن القول، حسب تصريح الحمداوي ل»التجديد» أن «هذه الظاهرة لم تعد حكرا على فئة معينة مهمشة أو معطلة تعيش في أحياء هامشية بل تعدتها إلى أحياء راقية»، ويشدد المتحدث على أن الأرقام المعلن عنها لا تقدم الصورة الحقيقة، «لأن مصادر إحصائيات الجريمة بالمغرب، هي وزارة الداخلية بناء على ما يسجل من شكايات، إلا أن الكثير من الحالات تبقى خارجة عن الرصد أو يكون هناك التنازل والصلح ثم وجود تعقيدات أمنية من أجل تسجيل حالات الإجرام»، ولاحظ المتحدث تطورا على مستوى نوع الجريمة والفئة المستهدفة، إذ «لم تعد جريمة أفراد بل تحولت إلى جريمة منظمة أو شبه منظمة». بدوره، لاحظ حسن قرنفل الأستاذ الجامعي المتخصص في علم الاجتماع، أنه في العشر سنوات الأخيرة هناك ارتفاع ملموس في معدلات الإجرام بالمغرب، كما أن جرائم العنف والقتل والسرقة عن طريق الخطف وأعمال العنف بصفة عامة منتشرة بشكل كبير، ولم تعد تقتصر على الحواضر الكبرى، بل انتشر في المدن الصغيرة والمتوسطة التي كانت تنعم بالأمن، ولفت «قرنفل» الانتباه في تصريح ل»التجديد»، إلى ظهور جرائم كانت غائبة تماما عن المجتمع المغربي، مثل قتل الآباء والإخوة والأخوات إذ انتشرت بشكل كبير، «الشيء الذي يعبر بشكل كبير عن أزمة يعيشها المجتمع، في مرحلة انتقالية يشهدها المغرب تتميز بأزمة القيم، وبالتالي هناك انحراف يدفع عدد كبير من الشباب خصوصا إلى ارتكاب الجرائم»، يقول قرنفل. الإجرام و أزمة القيم وبخصوص فعالية المقاربة الدينية لمعالجة ظاهرة الإجرام، اعتبر حسن قرنفل أن «ارتفاع الجريمة مرتبط بأزمة القيم التي يعيشها المجتمع المغربي»، ويرى أن «التأطير الديني بأساليب عصرية وبالحوار يمكن أن يحمل نتائج إيجابية»، وأضاف قائلا، «مع الأسف الناس الذين يقومون بالإجرام، في الغالب مهمشين ويعيشون في جماعات مغلقة ليس لهم علاقة اجتماعية مع الآخرين، وبالتالي عملية استهدافهم من خلال التأطير الديني والتوعية الدينية تطرح مجموعة من الصعوبات في تطبيقه». أما ابراهيم الحمداوي، المتخصص في علم الاجتماع أيضا، يرى أن هناك غياب للدراسات التي تعالج تأثير الجانب الديني حول السلوك الإنساني بصفة عامة، ولكنه يعتقد أن «فئة المجرمين التي تمارس الإجرام هي بعيدة عن المسجد والزاوية وعن المراكز التي يمكن أن تؤثر فيها» وأضاف الحمداوي في حديثه مع «التجديد»، «الخطاب الديني يستهدف الآن فئة لا يفترض أن تكون مجرمة أو لها سوابق، الخطاب الديني عليه أن يتطور ويطور آلياته للوصول إلى هذه الفآت بغية التأثير فيها، والمطلوب أيضا إدماج هذه البرامج في المستويات التعليمية والتأكيد على الواجبات والحقوق». نوازع الشر ونوازع الخير يعتبر الدكتور محمد السايح المتخصص في الدراسات الإسلامية، وخطيب جمعة بمدينة تازة، أن الجريمة التي يرتكبها الإنسان بكامل وعيه وإرادته تفسر من الناحية الشرعية بكونها استجابة لنوازع الشر التي تغلب على نوازع الخير، في حال ضعف إيمانه وغفلته عن الوازع الديني، وهو خشية الله تعالى والخوف من عقابه، كارتكابه لجرائم المال مثل الرشوة أو السرقة أو خيانة الأمانة، أو جرائم العرض كالزنا والشذوذ والتحرش الجنسي وغير ذلك، أو جرائم النفس كالقتل أو ما دونها كالضرب والجرح وغير ذلك من الجرائم المتنوعة. ويرى «السايح» في تصريح ل»التجديد»، أن « بناء الوازع الديني مهمة تبدأ من الأسرة بين حضن الوالدين ثم تترسخ في المؤسسات التربوية مع المربين وفي المساجد بين يدي أهل العلم والوعظ وأيضا في فضاءات المجتمع المدني الهادف»، ويعتقد الواعظ والخطيب بمساجد تازة، أن «أهل العلم والوعظ أقرب إلى هذه المهمة، ومع ذلك هم جزء منها فقط»، يضيف قائلا، «إن هذا الوازع الديني هو من يمنع جمهور الناس من ارتكاب الجريمة، أما العدوانيون منهم فاللازم معهم تفعيل القضاء العادل، كما قال عثمان رضي الله عنه: إن الله ينزع بالسلطان – أي القضاء – ما لا ينزع بالقرآن»، ثم يشجعون على التوبة إلى الله تعالى.