السلام عليكم، إخوتي، لازلنا مع ما يجب أن تكون عليه هممنا من العلو والسمو، إذ بالهمة العالية تشق أمتنا طريقها للمراتب السامية والقمم والمنازل العالية في الفانية والباقية، وبصيرتنا قول ربنا وحبيبنا ومبصرنا سبحانه وتعالى وهو يصف أصحاب الهمم العالية الذي استفادوا من بصائر ربهم، قال تعالى} إِنَّ اللَّهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقتِلونَ فى سَبيلِ اللَّهِ فَيَقتُلونَ وَيُقتَلونَ وَعدًا عَلَيهِ حَقًّا فِى التَّوراةِ وَالإِنجيلِ وَالقُرءانِ وَمَن أَوفى بِعَهدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاستَبشِروا بِبَيعِكُمُ الَّذى بايَعتُم بِهِ وَذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ، التّائِبونَ العابِدونَ الحامِدونَ السّائِحونَ الرّاكِعونَ السّاجِدونَ الآمِرونَ بِالمَعروفِ وَالنّاهونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحافِظونَ لِحُدودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ المُؤمِنينَ{..هكذا تكون الهمم وهكذا يكون أصحابها، الذين استناروا بأنوار بصائر القرآن ومنهج النبي العدنان صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى منواله نسج صحابته، ومنهم الملهم المحدث الفاروق عمر رضي الله عنه، إذ قال:'لا تصغرن همتك، فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته”. والهمة إخوتي هي الباعث الدافع على الفعل، فمن الناس من تكون همته عالية علو السماء، ومنهم من تكون همته دنيئة سافلة، تهبط به إلى أسفل سافلين...وقد قال ابن القيم رحمه الله ، واصفًا الهمّة العالية بقوله:(علو الهمّة ألا تقف - أي النفس- دون الله، ولا تتعوض عنه بشيء سواه، ولا ترضى بغيره بدلاً منه، ولا تبيع حظها من الله، وقربه والأنس به، والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية. فالهمّة العالية على الهمم، كالطائر العالي على الطيور، لا يرضى بمساقطهم، ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم، فإن الهمّة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها، ولكما نزلت قصدتها الآفات من كل مكان)..وقد قيل:'المرء حيث يجعل نفسه، إن رفعها ارتفعت، وإن قصر بها اتضعت'. . لذلك تجد همم هؤلاء سامية نفيسة تطير للمعالي،و تسمو مطالبهم إلى ما يحبه الله ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهم همة عظيمة في تحصيل مطالبه وأهدافه فهنيئًا لهم، و هم يجدون لذة عظيمة فيما يكابدون من الصعاب لبلوغ المعالي، ولذلك قال ابن عطاء الله:( من عرف ما قصد هان عليه ما وجد) وفي هذا المعنى قال ابن القيم:(كل أحد على حسب قدره وهمته وشرف نفسه، فأشرف الناس نفسًا، وأعلاهم همة، وأرفعهم قدرًا؛ مَنْ لذتهم في معرفة الله ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتودد إليه بما يحبه ويرضاه)". وقال أيضًا:"(ولله همم ما أعجب شأنها وأشد تفاوتها!، فهمة متعلقة بالعرش، وهمة حائمة حول الأنتان والحش)". إخوتي يتمايز الناس في هممهم، فتختلف على هذا أعمالهم وحظوظهم ودرجاتهم في الدنيا ثم الآخرة.. ولنا إخوتي في همة ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه البصيرة النفيسة لمن أراد أن ينتشل همته من أوحال تفاصيل الحياة إلى أحوال وأنوار الفردوس الأعلى، وقد قال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً:(سَلْ فَقَالَ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ' رواه مسلم والنسائي وأبو داود، نعم ما أراد إلا الجنة وما سأل غيرها، غير أن الجنة سلعة الله وسلعة الله غالية لا بد لها من همة عالية. وكان بعض الناس يسأله فقط ما يملأ بطنه، أو يواري جلده... نعم هكذا تكون الهمم السائرة بأصحابها إلى المعالي وتسعدهم في الدنيا والآخرة، وهاهو الشيخ عبد القادر الجيلاني يوجه ويربي غلامه قائلاً:(ياغلام: لا يكن همك ما تأكل وما تشرب، وما تلبس وما تنكح، وما تسكن وما تجمع، كل هذا هم النفس والطبع فأين هم القلب والروح، همك ما أهمك، فليكن همك ربك عز وجل وما عنده) لذلك أنشد الشافعي قائلاً: بقدر الكد تكتسب المعالي ومن طلب العلا سهر الليالي ومن رام العلا من غير كد أضاع العمر في طلب المحال تروم العز ثم تنام ليلا يغوص البحر من طلب اللآلي.. فاللهم أنعم علينا واجعلنا من أهل الهمّم العالية والغايات السامية والمقاصد الخالصة المخلَصة القاصدة النفيسة، وبارك لنا اللهم في أوقاتنا وأعمالنا وأعمارنا وبلغنا اللهم آمالنا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين..