العلم نور و الجهل مهند، عبارة تكررت في مجموعة من المواقع والمنتديات العربية خاصة الخليجية منها ، وتعكس بوضوح الهوس الذي انتاب المجتمع العربي من الدراما التركية عموما و من مسلسل '' نور'' خصوصا. و تبرز أيضا التلازم اللاشعوري بين لفظتي '' نور '' و '' مهند '' . قصص كثيرة سمعت هنا و هناك ، من عمان إلى أقصى المغرب ، عن فتاوى شرعية تجرم الظاهرة '' المهندية '' ، و عن حالات طلاق و تفكك داخل بعض الأسر ، وعن أجهزة تلفاز كسرت ... هوس غريب لم يسلم منه لا الأطفال و لا المراهقون و لا حتى الكهول ... فهذه تتغنى بوسامة مهند، و هذا يثني على طيبوبة نور ، وتلك استلذت اللهجة الشامية ... هذا المسلسل أسال كثيرا من المداد، فمن المحللين من يرى أنه أبان عن خلل في التواصل داخل الأسر العربية ، بين الأزواج و مع الأبناء و بين الأبناء. و كشف عن حجم الفراغ عند البعض حيث تتسمر الأم و نسلها قرب التلفاز لمشاهدة المسلسل التركي الأول هنا و التركي الثاني هناك... بل و منهم من يشاهده صباحا و يعيد مشاهدته مساء بحرص شديد على أن يضيع مشهدا أو مقطعا. و منهم من يرى أن شهرة المسلسل نتيجة طبيعية للطفرة التي تعيشها الدراما و الصناعة السينمائية التركية التي تفننت في أساليب استقطاب المشاهدين من خلال تنويع المواضيع و الخروج عن القاعدة الثلاثية البالية: هو هي الشرير . و منهم من يرى أن اللهجة الشامية بمرونتها و سلاستها كانت سبابا في توسيع قاعدة المشاهدين. فغزارة الإنتاج السوري ساعدت على تدويل اللهجة الشامية على الأقل في العالم العربي. و رأى آخرون أن قرب المجتمع التركي من المجتمع العربي في عاداته و تقاليده جعل أحداث المسلسل أكثر واقعية ، على عكس المسلسلات المكسيكية حيث الميوعة و الابتذال... و التطويل و الإطناب و الحشو. و منهم من يرى أن '' نور'' لن تعيش في الخيال العربي أكثر مما عاشته سابقتها '' كوادالوبي '' التي تسمت بها حتى الأثواب النسائية ، و أن هذا الهوس موجة و زوبعة في فنجان سرعان ما تندثر، فكذلك كانت السينما الهندية و المسلسلات المكسيكية. و يقول آخرون أن هذا المسلسل امتداد للدراما السورية بحكم وحدة اللهجة و التي تفوقت في التعبير عن واقع العربي البسيط و عن تاريخ الأمة بلسان عربي فصيح ، فأصبحت خاصما عنيدا للدراما و السينما المصرية التي انحطت ، أو تكاد ، بعد أن أكثرت من الجرأة و العري، و صورت ، في أغلب أعمالها الحديثة ، المجتمع المصري كمجتمع ارستوقراطي ينعم بالرقي و الهناء، حيث الأزياء على آخر صيحات الموضة و السيارات الفارهة... و لا أدل على ذلك من تفاهة العناوين التي تعكس فراغ الموضوع : '' أمريكا شيكا بيكا '' '' كذلك في الزمالك '' '' زكي شان '' ... ومن المحللين من كان أكثر تشددا حين رأى أن هذا المسلسل هجمة اديولوجية من قبل العلمانية التركية تستهدف بالأساس منظومة القيم العربية... الأكيد أن تركيا روجت لتاريخها و جغرافيتها و تربيتها الوطنية من خلال مسلسلاتها، و قد زاد عدد سياحها من العرب خاصة الخليجيين و الخليجيات الذين أبوا إلا التبرك بتربة ''الشيخ مهند '' سالب الألباب ، الذي أصبح بطلا للكليبات و شعارا لبعض أنواع العطور. سؤال يطرح نفسه، أين الدراما المغربية من كل هذا ؟ ما دمنا متقوقعين في المحيط المغربي الضيق بأعمال كرمانة و برطال أو المجدوب فلن نستطيع غزو أي تلفزيون عربي . فالمطلوب مواضيع من نوع '' طاي ستوندار '' صالحة لكل مكان ، دون انسلاخ من الهوية الوطنية طبعا. إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل يونس حماد [email protected]