الخط : إستمع للمقال = بتعيين الوزير برادة أظهر رئيس الحكومة للمغاربة أن هناك من هو أسوأ منه في ما يخص العربية، اللغة الدستورية للمملكة ولغة المدرسة التي يرأس وزارتها! = كثر الحديث عن الوزير الجديد الذي جاءت به رياح التعديل الحكومي الأخير، ورمت به على شط قطاع حيوي عميق وخطير وترتعد له فرائص كبار المتعلمين ورجال السياسة.. وهو قطاع التربية والتكوين. وفي الكثير من الأحيان ينتفي الطابع الجدي في التعامل مع خرجات وزيرنا في التربية والتكوين، ويطغى طابع التنكيت.. والحقيقة، للذين يختارون الجدية ألف مبرر لكي يلطموا الخدود ويضربوا الرؤوس مع الجدران ويُوَلْولوا، لأن هذا القطاع الذي كان موضع قلاقل اجتماعية في تاريخ المغرب ولا يزال كذلك، كان يستوجب تعاملا خاصا. ولعله كان دوما أكبر امتحان لكل الحكومات منذ الاستقلال وكان محط تجاذب رهيب في أحيان كثيرة ووراء أحداث يشيب لها الولدان.. لا داعي للعودة إلى تلك المراحل. ونكتفي بالإشارة إلى واقعين اثنين، أولهما المواسم الاحتجاجية التي طالته في السنوات الأخيرة، وما كلف الدولة من لحظات توتر اجتماعي اهتزت لها البلاد شهورا عديدة. وثانيهما اختيار وزير مثل شكيب بنموسي كان له وقع غير بسيط في كل الأوساط، وكان تعيينه يحمل رسالة سياسية وأخرى مجتمعية عميقة. حيث أن شكيب بنموسى جاء إلى القطاع بعد أن كان على رأس واحدة من أهم اللجن التي أنشأها الملك محمد السادس، لأجل التفكير في نموذح تنموي جديد، بعد أن كان جلالته قد لاحظ أن النموذج التنموي المغربي أصيب بالوهن وأن كل وعوده قد استنْفذَت. وكيف ما كانت المآخذ على الوزير السابق في القطاع، فقد قام بنموسى على رأس اللجنة بمجهود معتبر، بل حاور كل المجتمع وكل أطيافه السياسية والفكرية والسوسيومهنية. ولم يترك طريقة ولا مقترحا إلا وجرَّبه، وتجوَّل في المغرب، والتقى بكل العقول المغربية، هنا وفي الخارج. وأدى المهمة بسلام وقدم لملك البلاد صيغة النموذج التنموي الجديد باعتباره خارطة طريق. وقد كان ذلك موضوع بلاغ للديوان الملكي، والتفاف سياسي، وتفرع عن ذلك ما صار يعرف بالميثاق الوطني للتنمية، وانطلق الحديث عن مغرب النموذج التنموي الجديد... إلخ إلخ. الذي وقع هو أن إعفاء بنموسى لم يكن لفائدة شخصية علمية أو سياسة أو ثقافية ذات اطلاع على الملف الحارق في التربية، بل اختار رئيس الحكومة «مؤهلات» أخرى غير هاته في تحديد بروفايل الوزير الجديد. كان زولها القرب منه شخصيا، قرابة مالية واقتصادية وإنسانية... وعائلية. وهو بهذا يعرف الرجل معرفة جيدا ولا شك. وقد حاول تبرير تعيينه (هو والوزراء الجدد)، بكونه رجلا سياسيا (عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار). !!! وكونه (هو الوزراء الجدد) رجل التنزيل الميداني للمقترحات المتفق عليها (يمتلك شركة للأشغال العمومية مدرجة في البورصة)!!!!! وواو.. وخلاصة ذلك أنه رجل مقرب منه، يعرف في الأرقام الرابحة وفي المشاريع وينتمي إلى حزبه! نظريا تعتبر هاته مبررات معقولة.. لكن كان على المغاربة أن ينتظروا الجانب العملي لكي يصدروا حكمهم! وجاءت المناسبة .. أول مناسبة في احتكاك الوزير مع المدرسة المغربية كانت تحت قبة برلمان... الطفل! طبعا لم يستطع الوزير أن يقوم بأي خطوة رمزية للذهاب إلى المدرسة المغربية بعد تعيينه، فقرر محبوه ومستشاروه أن يأتوه بالمدرسة إلى البرلمان، ربحا للوقت ولا شك في إطار... تقريب المدرسة من وزيرها في الحكومة! في البرلمان اتضح الفرق الشاسع بينه وبين.. البرلمانيين التلاميذ! في وقت تحدث التلامذة بلغة طليقة وسلسلة وبثقة في النفس وفي النحو الصرف والتراكيب، تلعثم الوزير في الجواب. والغريب أنه صرح بأنه «سيرسل الجواب كتابيا» من بعد! وهو نفس الرد الذي نطق به في جلسة برلمانية مع «كبار» المنتخبين، وبنفس التلعثم والهروب إلى.. الكتابي! لقد تصرف كما لو أن برلمان الطفل ينتخب بدوره، لخمس سنوات، ويعقد جلساته الدستورية كل أسبوع ويوجه أسئلته الكتابية والشفهية مرتين في الأسبوع، مثل البرلمان المنتخب، ويبدو أنه لا أحد من المستشارين نبهه بأنه تمرين تعليمي تربوي (من المفروض أن وزير التعليم والتربية يعرفه) على الديموقراطية ليس له طابع دستوري ولا إجباري. فخلط في حسابه بين البرلمان وبرلمان الطفل. كان على أحد المعلمين أو الأساتذة أن ينتحي به جانبا ويلقي عليه درسا في المادة..( الدراسية طبعا وليس الأخرى التي يجيد الوصول إليها بسهولة!).. بعض الظرفاء كان حكيما عندما أسر لكاتب هاته السطور أن الذي عيَّن السيد سعد برادة وزيرا للتربية والتعليم، أي رئيس الحكومة كان داهية و«حساسبي» ذكيا. قلت لماذا وكيف؟ كان جوابه: بتعيين الوزير برادة أظهر رئيس الحكومة للمغاربة أن هناك من هو أسوأ منه في ما يخص العربية، اللغة الدستورية للمملكة ولغة المدرسة التي يرأس وزارتها! ومن شاهد الوزير يعذر رئيسه... بل لعل رئيس الحكومة يكون قد أقنع المغاربة بأن المدرسة المغربية الوطنية العمومية بخير .. ودليله في ذلك أن التلاميذ الذين تلقوا تعليمهم في أقسامها يجيدون اللغة والحديث بها أحسن من وزير تلقى تعليمه في مدرسة جد خصوصية وهو من أنصارها..! الوسوم أخنوش عزيز الحكومة المغربية المغرب