عند ما تطأ قدماك ساحة مهرجان للفروسية التقليدية بالمغرب ، فإنك تلج عالم الأعراف القبيلية أو قانون الجماعة ، ويحكم بها مقدمي السرب كل وتقاليد منطقته، تحضر النخوة التي تجمع “صحاب البارود” ، حيث يتفنن “الباردية ” ومتتبعي هذا الثرات في اداء مجموعة من الطقوس التي اصبحت تصاحب تنظيم مثل هذه التظاهرات . ” با التهامي” الرجل النحيف المبلل الثياب على الدوام او “مول الكربة” كما يحلو للبعض ان يلقبوه ، صاحب الرقصة الفريدة التي تصاحبها صيحة طويلة لا يعلوها صوت ، تليها جملة ” الله أكبر … ودكوها عاود ثاني دكوها ” و هو يكسر “كربته” أمام الخيام الرسمية بأكبر المهرجانات وتحت أنظار كبار المسؤولين طيلة ساعات التبوريدة ، تلك هي ردة فعله بعد سماعه صوتا موحدا لطلقات البارود من بنادق الفرسان كأنها فرحة لاعب كرة قدم سجل هدفا حاسما في مباراة مصيرية. “با التهامي ” حكم مهرجانات التبوريدة العصامي ، فرض نفسه و بات يشق طريقه نحو وضع اسمه شريكا اساسيا في المواسم او المهرجانات و قد يتسابق منظمو مواسم التبوريدة على الإستفادة من خدماته في تنشيط الفضاء ، دون أن يدفع له أحد مقابل على ذلك ، سوى ما يجمعه من تبرعات مقدمي السرب الذي كسر من اجل طلقته ” الكربة ” أو بعض المواطنين عشاق فن التبوريدة الذين تروقهم حركاته ….. شهرته فاقت شهرة بعض أعيان القبائل ورجالات السلطة و حتى أبطال بعض الرياضات ، بل طغت حتى على أسماء مقدمي أشهر السربات في الحواضر و الأرياف التي تحتفل بمهرجانات الفروسية ، فلا جدال في تحكيمه، قد يكون يوما ما في منصة لجنة الحكام بهندام أنيق و ربطة عنق و سط الأعيان و رجالات السلطة لاختيار أجود السربات و أخذ رأيه في مدى التزام الفرسان بقانون لعبة التبوريدة و العمل بمشورته… إن هو رضي أن يتخلى عن كربته التي اكسبته شهرة لم يكن يحلم بها و لو ركب أجود الخيول و لبس أبهى الثياب. فكرة هذا الرجل كما جاء على لسانه ، انتابته وهو صبي يركض خلف الخيل حيث وجد نفسه ذات يوم يعبر عن فرحته بانسجام صوت طلقات بنادق الفرسان في إحدى المهرجانات بتكسير برادة والده المملوءة بالمياه التي يجلبها معه لإطفاء عطشه، لم يلق أي توبيخ أو عتاب من طرف والده بل على العكس من ذلك شجعه على الإتيان ب “برادتين ” من المنزل ، وكانت هذه أولى الشرارة التي ستوقد في داخله حسا اكتشفه صدفة لا يملكه غيره في التعبير عن فرحة ستجعله مداوما على تكسير أو “تفرشيخ ” آلاف البرادات يخبطها على الأرض وهي مملوءة بالمياه، أمام الخيام الرسمية في العديد من مواسم الفروسية وسط تصفيقات الحاضرين ، فحين يرتاح ” للفرصة ” حسب لغة الفرسان ، يحمل ” برادة ” على كتفه ويقوم برقصته الشهيرة التي تكاد تشبه أحيانا رقصة الهنود الحمر،غير عابئ بالمياه المنسابة على ملابسه وكأنه دخل في حالة غيبوبة ، قبل أن يستيقظ منها و يطلق صيحته المعهودة ” الله أكبر دكوها عاود تاني دكوها ” ليرفع البرادة عاليا ويهوي بها على الأرض ، حيت تتناثر المياه فيما تتحول البرادة إلى شظايا على الأرض و بعدها يلوح بيديه للجماهير الحاضرة التي تشجعه و تصفق له و تصيح باسمه كلاعب رئيسي في تنشيط فضاء المهرجان ، و هكذا يستمر في عمله بكل حرية دون كلل أو ملل من دون أن يزعج أحدا أو يعترض طريقه أو يمنعه منظم أو رجل أمن من التحرك في الفضاء ، ما دام يحمل شارته “بادج” – برادة – على كتفه.