لماذا يُصر النقيب السابق محمد زيان على اعتبار كل طلب تتقدم به النيابة العامة في مواجهته بمثابة تهديد ومصادرة لحقه في الدفاع؟ وفي المقابل لماذا يسمح النقيب زيان لنفسه بتهديد كل المسؤولين القضائيين والأمنيين بالمتابعة القضائية أمام وسائل الإعلام وفي منصات التواصل الاجتماعي؟ منشأ هذا الحديث هو أن النقيب السابق محمد زيان خاصم وجرّح في حيادية النيابة العامة، وشكّك في تجرد دفاع المطالبات بالحق المدني خلال الجلسة الأخيرة لمحاكمة توفيق بوعشرين، وعندما طالبت النيابة العامة بتضمين تلك الادعاءات في محضر الجلسة، انتفض النقيب السابق متهما سلطة الادعاء بتهديده! فهل المطالبة بتطبيق القانون، وتوثيق مجريات المحاكمة يعتبران تهديدا في نظر القانون؟ تساءل مستغربا ومستنكرا ممثل النيابة العامة الذي كان يدافع عن الحق العام. وازدواجية الخطاب والمواقف لدى النقيب السابق محمد زيان لم تقتصر فقط على السماح لنفسه بتهديد الجميع، ومصادرة حق القضاء في تطبيق القانون في مواجهته، بل تعدى ذلك إلى حد المجاهرة بالتهديد باللجوء إلى المساطر الخاصة للأمم المتحدة في مواجهة القضاء المغربي، وكأني به يحنّ إلى نظام “المحميون” غير المأسوف عليه، متوعدا ممثل النيابة العامة بتقديم شكاية في حقه أمام آليات المقررين الأمميين، ناسيا أو متناسيا بأن هذه الآليات هي ذات طابع استشاري وليس هيئات قضائية بالمفهوم الذي يعتقده النقيب السابق. ومن بين قفشات الجلسة الأخيرة من المحاكمة الاستئنافية لناشر أخبار اليوم السابق، هي عندما ادعى النقيب محمد زيان بأن المتهم توفيق بوعشرين محروم بشكل عمدي من الأكل والشرب، وهي الادعاءات التي كذبتها رائحة وجبة الدجاج التي أزكمت أنوف الحاضرين، بعدما كانت مندوبية السجون وإعادة الإدماج قد انتهت لتوّها من تمكين المتهم من وجبة، قال عنها مازحا نائب الوكيل العام للملك أنها من “فاكهة ولحم طير مما يشتهون”. فإمعان الأستاذ محمد زيان في تقويض ونسف محاكمة توفيق بوعشرين لا يمكن أن تكون مسألة اعتباطية أو بريئة، إذ من غير المستساغ – لا عقلا ولا منطقا- أن يحول محامي دون محاكمة موكله في إطار القانون، بل ويصر على افتعال المشاحنات والملاسنات بسبب أو بدونه لتفادي المناقشة والترافع القانونيين. واستجلاءً لخلفيات هذا التقويض الممنهج للمحاكمة، أوضح محامي من دفاع المطالبات بالحق المدني بأن الأستاذ محمد زيان يعرف جيدا بأن الوضع القانوني لموكله صعب وصعب جدا، وأن التهم المنسوبة إليه ستقوده حتما إلى السجن بعقوبات سالبة للحرية مشددة، كما أنه يدرك حد اليقين بأن وسائل الإثبات دامغة في مواجهة موكله، ولذلك فهو يراهن على تسييس الملف وتحميله أبعادا حقوقية وسياسية للنأي به عن نطاقه القانوني الطبيعي. وفي تعليقه على مجريات الجلسة الأخيرة لمحاكمة توفيق بوعشرين، أكد خبير قانوني بأن دفاع المتهم بصدد خلق سوابق قضائية خطيرة على المستوى القانوني، سيكون لها تداعيات سلبية على مستوى المتابعات الجنائية بالمغرب، لأن هيئة الدفاع أضحت تهدد باللجوء إلى المساطر الخاصة للأمم المتحدة، وهي مسألة فيها تأثير صارخ وصريح على القضاء المغربي، وإن كانت هذه الآليات غير مختصة في هكذا شكايات. كما أن التأسيس لهذا التصور المعيب في المحاكمات الزجرية، سيجعل كل متهم مؤازر من طرف محامي أجنبي، مثل البريطاني روني ديكسون، يتمتع بالأفضلية في المحاكمة بدعوى أنه يحظى بحماية دولية، وهي مسألة غير سليمة من الناحية القانونية وفيها مساس واضح وجدي بالأمن القضائي. وناشد الخبير القانوني هيئة دفاع المتهم توفيق بوعشرين بأن تناقش القانون بالقانون، والحجة بالحجة، وأن تحصر مرافعاتها وملتمساتها في مناقشة العناصر التكوينية المادية والمعنوية للجرائم المرتكبة، في محاولة للبحث عن ظروف للتخفيف لفائدة المتهم. أما المجاهرة باللجوء إلى آليات الأممالمتحدة والإمعان في نسف المحاكمة وتسييسها…فهي مجرد محاولات مجهضة سيكون مآلها الفشل، لكنها ستقتات من سمعة بلادنا، وستمس بنظامه القضائي، ولن تحقق في الأخير سوى أتعاب غير مستحقة لفائدة أصحابها لأنهم لا يخدمون المتهم وإنما يخدمون أنفسهم.