الركراكي يوجه الدعوة ل 27 لاعبا لمباراتي النيجر وزامبيا برسم تصفيات إقصائيات مونديال 2026    فتح بحث قضائي ضد حساب "جبروت".. أول رد رسمي على مزاعمه التي طالت مسؤولين مغاربة كباراً    باحثون روس يطورون شبكة عصبية تساعد على تشخيص مرض "باركنسون" بدقة 97%    أحفير.. توقيف شخصين بحوزتهما 5000 قرص مخدر في عملية أمنية مشتركة    "مهرجان الشواطئ" يجمع 200 فنان    رئيس الجزائر يُنهي مهام الوزير الأول    "البام" يدين استهداف الثوابت الوطنية    الركراكي: باب المنتخب مفتوح للجميع .. والهدف الأكبر لقب كأس إفريقيا    أوناحي يوقع رسميا مع جيرونا الإسباني    بوريطة يؤكد التزام المغرب بالحوار مع إسبانيا حول ملف ترسيم الحدود    تداولات الخميس ببورصة الدار البيضاء    أوقفوا المضاربات التي تستنزف القوة الشرائية للزوار والسياح    ترامب يقلّص إقامة الطلاب والصحافيين    دراسة: نمط الحياة الصحي في سن الشيخوخة يقي من الخرف    بورصة الدار البيضاء تفتتح تداولات الخميس على وقع الارتفاع                    برنامج الأغذية العالمي: منظومة الغذاء في قطاع غزة على "حافة الانهيار الكامل"    "سبيس إكس" تطلق 28 قمرا جديدا من "ستارلينك" إلى الفضاء    كرة القدم ..ميسي يقود إنتر ميامي إلى نهائي كأس الرابطتين الأمريكية والمكسيكية    تحديث قواعد "الفار" بعد ركلة حرة مثيرة    اتهامات ثقيلة تلاحق صامويل إيتو وتضع مستقبله على رأس الاتحاد الكاميروني في مهب الريح    الركراكي يحسم الجدل حول زياش ويؤكد: الباب مفتوح أمام عودته للأسود    لوفيغارو: مجلس الأمن قد يستبدل "المينورسو" ب"المنساسو" في أكتوبر المقبل لحل نزاع الصحراء    الغلوسي يرفض "استغلال" الإعلام الجزائري لتصريحاته ويهدد باللجوء إلى القضاء    ناشطون مغاربة يدعمون بسفينتين "أسطول الصمود العالمي" المتجه لغزة    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    واتساب تطلق مساعدا للكتابة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي    دفاعًا عن التصوف المغربي الأصيل بيان صادر عن جمعية مولاي عبد السلام بن مشيش للتنمية والتضامن    غروب فرنسا    كيوسك الخميس | سحب دواء "لوديوميل" من الصيدليات لمخالفته معايير الجودة    جمعية الإعلام والناشرين: مقالات "لوموند" وصمة عار لن تُمحى في تاريخها            الشاف المغربي أيوب عياش يتوج بلقب أفضل صانع بيتزا في العالم بنابولي    أحمد المصباحي يتألق على مسرح The Voice Suisse    في القيصر – لا مكان لا زمان سلوم حداد يعيد إلى الأذهان وجه أمني يعرفه السوريون جيداً    تصفيات مونديال 2026.. مباراة الأسود ضد النيجر ستجرى بشبابيك مغلقة    لذاك المسمار في الصدأ الصدارة / 5من5    أسئلة حارقة فجرها الإحصاء الوطني للماشية الجديد تفرض أجوبة مقنعة    المغاربة يغيرون وجهتهم نحو السيارات الصينية.. الجودة والسعر كلمة السر    إلياس الحسني العلوي.. شاعر شاب يقتحم المشهد الأدبي ب "فقيد اللذة"    "من صبرا وشاتيلا إلى غزة" .. عندما كتب الفيلسوف الفرنسي دولوز دفاعا عن الشعب الفلسطيني قبل أربعين عاما    شراكة استراتيجية بين مؤسسة طنجة الكبرى والمعهد الفرنسي خدمةً للشباب والثقافة    الحسيمة.. افتتاح قاعة رياضية متعددة التخصصات لفائدة موظفي الأمن الوطني    أمن طنجة يوقف شخصين متورطين في سرقات بالعنف استهدفت نساء    كيف تحوّل "نقش أبرهة" إلى أداة للطعن في قصة "عام الفيل"؟    الزاوية الكركرية تنظم الأسبوع الدولي السابع للتصوف بمناسبة المولد النبوي الشريف    اضطراب النوم يضاعف خطر الانتكاسات لدى مرضى قصور القلب (دراسة)        اختتام الدورة الثانية لمهرجان الموروث الثقافي بجماعة الحوزية بايقاعات روحانية و عروض للتبوريدة    الصين تحقق سابقة عالمية.. زرع رئة خنزير معدل وراثيا في جسد بشري    ينقل فيروسات حمى الضنك وشيكونغونيا وزيكا.. انتشار بعوض النمر في بلجيكا    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صدمة الحكم ونقاش حرية التعبير

سنة 2019 أقدمت فتاة مغربية تبلغ من العمر 23 عاما على تحريف السورة القرآنية "الكوثر"، ونشرت نصها الساخر على حسابها على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك تحت اسم "سورة الويسكي".
الفتاة التي تحمل الجنسيتين المغربية والإيطالية كانت في تلك السنة التي شاركت فيها منشورها، قد غادرت المغرب من أجل متابعة دراستها الجامعية، بعد حصولها على شهادة الباكلوريا، إلا أنها بعد عودتها قبل أسابيع إلى المغرب لقضاء عطلتها، فوجئت بوجود مذكرة بحث وطنية بحقها منذ سنتين، فتم توقيفها من طرف الأمن، ثم عرضها على القضاء، والحكم عليها بثلاث سنوات ونصف سجنا، وتغريمها مبلغ خمسين ألف درهم.
أول رد فعل لي يمكن أن أعبر عنه هو الصدمة، نعم الصدمة لهذا الحكم الذي بنته المحكمة على اتهام الفتاة الإساءة للمقدسات الدينية ونشر الإساءة للعموم، أتصور أن أحكاما &بهذه القسوة في مثل هذه التهمة لا يتصور وجودها بدولة حديثة، بل لا تذكرني إلا بالعقلية القروسطية التي سادت قرون الظلمات، ولا أتخيلها بدولة قطعت أشواطا مهمة في مسيرة التحديث والعناية بحقوق الإنسان.
قبل الخوض فيما يمكن أن يثيره هذا الحدث من إشكاليات مرتبطة بحدود التعبير ومدى حرية الفرد في انتقاد الأديان والسخرية منها، كان من المتاح جدا التعامل بأقصى أنواع التخفيف، مع شابة في مقتبل عمرها، وفي أولى سنواتها الجامعية بكلية الطب، وكل طموحها أن تكون طبيبة تقدم خدمة للإنسانية، لتجد نفسها تجاور بائعات المخدرات والمتورطات في جرائم القتل، بسبب لحظة طيش أخذتها قبل سنوات، كان من الممكن جدا الحكم عليها بما ينبهها لسوء ما قامت به، بل والتزامها بعدم العودة له مجددا، وغير ذلك من العقوبات البديلة، دون هدم مستقبل الفتاة وتحطيم أحلامها وطموحاتها، وفي الوقت ذاته تجنيب المغرب هذه النقطة السوداء في سجله الحقوقي.
لنعد الآن إلى ما أقدمت عليه هذه الفتاة، ومدى حقها في التعبير عما تؤمن به حتى لو كان مسا بالمقدسات أو جرحا لمشاعر المتدينين، لا بأس بقليل من الجرأة في معالجة الموضوع، هل انتقاد الأديان والسخرية منها مدعاة لمتابعة الشخص والحكم عليه، ولنر ماذا يقول الدين نفسه في الموضوع، وعلى ماذا تنص مواثيق حقوق الإنسان التي وقع عليها المغرب في مناسبات مختلفة؟
أما الدين فلا تعرف فيه أي عقوبة للساخرين به والمنتقدين، بل على العكس من ذلك، القرآن واضح جدا في أن التعامل الوحيد مع مثل هذا الموقف هو الإعراض والابتعاد، أكثر من ذلك، لم يتعرض القرآن لأي موقف سلبي من هؤلاء المنتقدين، بل لا حرج عنده في العودة إلى نفس المجلس مع نفس الأشخاص إذا انتقلوا إلى موضوع غيره، كل هذا واضح في الآية 140 من سورة النساء: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره"، فأين الحكم على من سخر بالدين بالسجن وتحطيم مستقبله وحياته؟
من الناحية الحقوقية، لا زال هذا الموضوع يثير كثيرا من الجدل، وإن كان الغرب في أغلبه قد حسم في الموضوع، فحفظ حقوق الناس في ممارسة أديانهم، لا تعني بالضرورة احترام الدين ولا نصوصه ولا تشريعاته، لأن الدين بنظرهم مجموعة أفكار، ولا توجد فكرة تستحق الحصانة حتى لو كانت مقدسة عند جزء من الناس، بل إنهم يرون أنها منظومة متكاملة من الحقوق، وحرية ممارسة الدين مرتبطة بحرية نقد أفكاره والسخرية من نصوصه، والحرية لا تقبل التجزيء، وقبول بعضها ورفض الآخر دليل على التعصب.
فيما يرى البعض أن تعزيز قيم التسامح بين الناس، لا يمكن أن يكون إلا باحترام الآخر واحترام مشاعره ومقدساته، لأنهم يرون أن الدين جزء من ماهية المتدين، وتوجيه الإهانة لها إهانة لمعتنقها، وهو ما سيشكل عائقا أمام نشر قيم السلام والتسامح والمحبة بين أتباع الديانات المختلفة.
رأيي المبدئي في الموضوع أن الدين أي دين يجب أن يمتلك قوته من نفسه، وأن يفرض نفسه بالحجج والبراهين، وألا تزعزعه أي انتقادات أو سخرية أو تنقيص، الدين برأيي لا يحتاج إلى أن يكون له حماة، لا يحتاج إلى محامين يترافعون عنه، هو كفيل بنفسه كما قال عبد المطلب جد النبي لأبرهة: "إن للبيت ربا يحميه".
لا ينبغي أيضا إهمال ما عرفه العالم من تغير، نحن لا نعيش بالقرون الوسطى ولا في ظل الحكم الدكتاتوري الشامل، نحن في عصر الفيسبوك والانستقرام واليوتوب حيث آلاف الصفحات والقنوات تنتقد الأديان وتسخر من معتقداتها، هل الحكم على فتاة وتدمير مستقبلها هو ما سيمنع آلاف الشباب اليوم، ممن ينتقدون كل شيء، ويسخرون من كل شيء، ويتساءلون حول كل شيء، ويتمردون على كل السلط، ويقتحمون كل الطابوهات من جنس ودين وسياسة؟ هل يدرك من لا زال يؤمن بمثل هذه الأحكام حجم ما يقع من تحولات في أوساط الشباب، في علاقتهم بالدين والمجتمع وكل القيم التقليدية؟ لا أعتقد أنهم على وعي، ولربما وعوا بذلك بعد فوات الأوان.
ثم إذا كان الإسلام دين العدل، فهل من ذلك منع انتقاد الإسلام وإباحة انتقاد ما سواه من الأديان والاعتقادات؟ حين يصف المسلمون المسيحية واليهودية بالأديان المحرفة أليس ذلك ازدراء لها؟ حين يسخر المسلمون من عبادة البقر لدى الهندوس، ويرون ذلك خرافة وقلة عقل، أليس في ذلك انتقاص لديانة يتبعها أكثر من مليار ومائة مليون نسمة؟
إلا أنني رغم إيماني المبدئي بحرية الفرد في التعبير، وتوسيع ذلك لأقصى الحدود، ما لم يكن في ذلك دعوة للعنف أو شرعنة له أو تحريض عليه، أو مس مباشر بالأشخاص وتعرض لهم، فأنا أيضا على وعي بأننا مجتمع يشكل الدين فيه جزءا من الهوية والوجدان والذاكرة الجماعية، وأن ما تعرض له هذا المجتمع خلال عقود متتابعة، من مد ديني مستورد، فيه شحنات كبيرة من التعصب والانغلاق، سيكون من الصعب الحديث فيه عن حرية مطلقة، بما فيها انتقاد الأديان والسخرية منها بكل حرية، سيهدد ذلك دون شك السلم الاجتماعي، وقد يؤدي إلى ردات فعل غير محسوبة، بل قد يكون ذلك هدية على طبق من ذهب للجماعات المتطرفة، التي تعتمد في استقطابها على توظيف بعض المظاهر التي تعتبرها حربا على الدين وعداء له، لذلك ليس من الحكمة المغامرة بالمناداة بحرية التعبير كما هي في بلاد الغرب.
ولكن بالمقابل، تعزيز التسامح بين الأديان، وتربية الناس على احترام معتقدات الآخر، لا يكون بالردع والأحكام القاسية، وإنما باعتماد مقاربة قانونية واجتماعية، يمكن من خلالها مراعاة المشاعر الدينية لغالب المواطنين، وفي الوقت ذاته، إتاحة المجال للنقد البناء وحرية الرأي والتعبير.
وفي انتظار ذلك، أتمنى أن تتدارك محكمة الاستئناف الموقف، لتنقذ وجه المغرب لحماية ما قد تم تحقيقه في مجال الحقوق والحريات، ولتنقذ حياة فتاة في مقتبل عمرها، بعد أن حكم عليها بالإعدام، وإن كان قرار المحكمة يتضمن الحكم بثلاث سنوات ونصف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.