مدخل أي إصلاح يمر عبر وضع حد لنفوذ رؤساء جامعات لا يقيمون وزنا للجهاز الحكومي خرجت وزارة الشباب والرياضة عن صمتها بخصوص الحصيلة المخجلة للرياضة المغربية بالدورة الثلاثين للألعاب الأولمبية المختتمة أخيرا بالعاصمة البريطانية لندن، حصيلة لم تمكن البعثة الرياضية المغربية من احتلال إلا المرتبة التاسعة والسبعين، جنبا إلى جنب مع دولة أفغانستان، بعد ميدالية نحاسية يتيمة تحققت في ألعاب القوى. بلاغ الوزارة عبر عن «استياء عميق» من النتائج الرياضية المحصل عليها والتي «أساءت إلى صورة المغرب من خلال بعض حالات التعاطي لمواد محظورة»، مما جعل المغرب من بين الدول التي تصنف بالخارجة عن القانون الرياضي وقواعد التنافس الشريف. ووعدت الوزارة في بلاغها المذكور، بتقديم الحصيلة كما هي، بعد القيام ب « تقييم مفصل ودقيق» يهم الجامعات الوطنية للرياضات ال 12 التي تبارت في هذا الحدث الدولي، إضافة إلى اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية، وسيكون تقديم هذه الحصيلة خلال عقد لقاء إعلامي حدد له الأسبوع الأول من شهر شتنبر القادم. بلاغ الوزارة راهن في الأخير على هذا الموعد المرتقب ل «تقديم القرارات وكذا التوجهات الكبرى الخاصة بإصلاح وتقويم وهيكلة المنظومة الرياضية». وبعيدا عن الدخول في الحيثيات المرافقة للبلاغ وتوقيته المناسب، فإنه سجل مجموعة من النقط التي تدخل في صميم عمل الجهاز الحكومي، من حيث التتبع والمراقبة والتدخل والحرص على تطبيق القوانين، وكيفية صرف المال العام، إلا أن تجربة السنوات الماضية أكدت على تخلى الوزارة على هذه المهام الحيوية أمام النفوذ المتزايد لرؤساء الجامعات الذين حولوا بعض الجامعات إلى ملكيات خاصة يسودها قانون خاص بهم، رؤساء لا يكترثون لجهاز اسمه الوزارة، ولا يعيرون أدنى اهتمام لا لقرارات الوزير ولا لرئيس الحكومة، بكل ما يملك هذا الأخير من صلاحيات دستورية. ما يفهم من البلاغ المذكور بصيغته الهجومية والاتهامية، أن الوزارة تسعى لتبرئة ذمتها من مسؤولية ما حدث، وكأن أمر الحصيلة المخجلة يهم فقط الجامعات المعنية بالمشاركة، ومعها اللجنة الأولمبية الوطنية، فأين كانت أجهزة ومصالح الوزارة عندما كانت الجامعات تتصرف في أموال عمومية بلغت، حسب نور الدين بنعبد النبي بصفته أمين مال اللجنة الأولمبية الوطنية، ما يناهز 14 مليون دولار أمريكي؟ أين كانت الوزارة عندما كان الرياضيون ومعهم المدربون والمسيرون يسافرون عبر القارات الخمس للمشاركة بالتظاهرات الدولية؟ أين كانت الوزارة عندما كانت تصرف بسخاء الأجور والتعويضات؟... كل هذه الأسئلة وغيرها تهم بالدرجة الأولى الجهاز الوصي، وقد كانت من المفروض أن تخضع الرياضيين للتتبع والمراقبة والتقييم قبل المشاركة بتظاهرة كونية تقدم فيها الدول عصارة برامجها وخططها، ما حدث أن كل الأطراف استكانت لمجريات الأمور، والنتيجة كما وقف عليها الجميع .. تواضع فظيع وفضائح بالجملة... وبالرغم من أن المؤشرات كانت تدل على تراجع كبير على مستوى النتائج، فقد تم تسويق الوهم وعقد آمال كبيرة على بعثة اعتبرت الأكبر عددا في تاريخ المشاركات المغربية بالدورات الأولمبية، وخصصت لها بأوامر عليا أعلى الاعتمادات المالية في تاريخ الرياضة المغربية.. إلا أن النتائج جاءت عكسية، ومخيبة للآمال.. وما هي في الواقع إلا تحصيل حاصل. فحتى الأنواع التي كان يؤمل منها تسجيل حضور بارز كألعاب القوى، الملاكمة، التيكواندو وكرة القدم، تواضعت بشكل مريب، بل أن رياضييها غادروا مبكرا بعد أن عجزوا على المنافسة، وكأنهم لم يخضعوا لأي تدريب داخل المغرب وخارجه. إن مسؤولية ما حدث بلندن تقع بالدرجة الأولى على عاتق الجامعات الرياضية التي تعاني أصلا من اختلالات عميقة وخطيرة، اختلالات تهم كل الجوانب المرتبطة بوجودها، ويتعلق الأمر بالحكامة الجيدة، المجال التقني والشفافية في التسيير، والتدبير الإداري والمالي، وصولا إلى سؤال الديمقراطية المغيبة عن تفكير الأغلبية الساحقة من رؤساء الجامعات، والذين يرون فيها مجرد عرقلة لضمان استمرارية نفس الوجوه والأسماء. فهل ننتظر من موعد شتنبر المقبل، الذي حددته الوزارة لتقديم الحصيلة والإعلان عن استراتيجيتها الجديدة، بداية لتغيير جذري وعميق في المشهد الرياضى الوطني؟ تغيير يشمل كل الجامعات بدون استثناء، وصولا إلى اللجنة الأولمبية؟ وتغيير يمكن الفعل الرياضي من استعادة قيمته وخصوصياته الضائعة؟؟ لعل هذا كله يمر عبر سن سياسة رياضية وطنية مندمجة تحدد مجال تدخل كل الفاعلين، وتوضح بدقة كل الأهداف والغايات المنتظرة، وتراهن على المستقبل بأسلوب علمي حداثي، يقطع الطريق مع الأساليب التقليدية التي عمرت طويلا ولم تعد قادرة على مواكبة التحولات العميقة التي يشهدها القطاع على الصعيد الدولي.