أطفال حينا ذكروني اليوم بأطفال الانتفاضة الفلسطينية ، ممنوع المرور بين الأزقة على الكبار ، هكذا حكم الصغار وبالحجارة المتطايرة من " المقاليع " أحكموا أمرهم ، ومن ندد أو ظن بأن له من القوة ما يكفي لكبح جماح الأطفال هذه الليلة فالرجم لا محالة سيكون نصيبه من حيث يدري ومن حيث لا يدري . مؤذن العشاء أذن ، ذهبت إلى أقرب مسجد من حينا المفتقر إلى مسجد،وأنت في الطريق لن ترى عيناك إلا أطفالا يدحرجون عجلات مطاطية مستعملة سرقوها من قبل لهذا الغرض ، وأطفال آخرون يجرون أشجارا وعيدانا تم توفيرها من قبل لإحراقها في مثل هذه الليلة … رأيت طفلا يفر من بيته وأمه تناديه بأعلى صوتها : " تعالى يا المسخوط رجع البريكة الله يجعلها تشعل فيك نشاع الله " . ما تمالكت نفسي أمام هذا الدعاء أبدا ، بل كدت أسب هذه الأم على مثل هكذا دعاء لعلمي أن دعاء الوالدين يقبل كيفما كان نوعه ، ولأنني خفت من رد مستفز منها ، فوضت أمري لله ، ودعوت لهما بالهداية بعدما تذكرت واقعة طفل صغير قبل سنتين ، دعت عليه أمه بمثل هذه الدعوة ، فما كان منه إلا أن ضرب دعاءها بعرض الحائط ، حتى إذا أشعل أطفال الحي نارا كبيرة يطلقون عليها اسم " الشعايلة " احتفالا بالعاشوراء ، أراد كغيره من الأطفال القفز عليها ، ولأنه كان " سمينا " ثخينا لم توصله قفزته إلا إلى قاع " الشعايلة " ليعيش بعد ذلك بعاهات ندمت معها أمه على دعوتها الله إحراقه بنار تلك الشعايلة . إمام المسجد يصلي بنا العشاء ، حاولت التخشع في الصلاة ، لكن صوت فتيات ونسوة يغنين بالقرب من المسجد أبى إلا أن يفقدني الخشوع في تلك اللحظات ، استعذت بالله من الشيطان الرجيم ، ثم أكملت صلاتي ، وحين سلم الإمام وساد الصمت في المسجد كانت عبارات من قبيل : " عاشوري عاشوري.. عليك نطلق شعوري " تقطع حبل الصمت لتخيم على المكان . خرجت من المسجد حذرا متخوفا من بطش حجارة طائشة ، عرجت على " عباس " " مول الحانوت " ، اشتريت منه ما تيسر من خبز وما تقدر من زيت وزيتون ، وقبل أن أدفع له ثمن ما اقتنيت منه ، سقطت بين رجليه " مفرقعة " متوسطة الحجم مجهولة المصدر ، فانفجرت أمامه محدثة صوتا فزع من شدته عباس وضحك لفعله الناس . تركت " عباس " يلعن أمام حانوته أبناء الزنى وأمهاتهم ، وعرجت على الزقاق الموصل لمنزلنا ، وبالقرب من باب الدار ألفيت نسوة وفتيات " ما عندهوم شغل " يضربن بالقرب من نار مشتعلة " بناديرهن " و " طعريجاتهن " وهن يرددن بأعلى أصواتهن : " هذا عاشور ما علينا الحكام آلالاّ… عيد الميلود كي يحكموا الرجال آلالاّ " ، وبالقرب منهن يرد عليهن ذكور " مساليين قبهوم " بصوت أعلى : " باردة باردة واللّي ما حماها تقطع يدّو " . دخان الخزامى، والشَّبَّة، والحرمل، والجاوي، والفاسوخ ،والريحان وروائح أخرى لمخلوقات ميتة وأعشاب ونباتات لم أعرف لها إسما أو رسما تزكم الأنوف وتدخلك في سوق رأسك بالجبر والإكراه . فتحت باب الدار ، ولجت إلى البهو ، تنفست الصعداء وحمدت الله على أنني لم أسحر أو " أتخطى " شيئا من تلك الأشياء التي حذرتني منها والدتي ذات مرة ،ثم صعدت إلى غرفتي وأنا عازم كل العزم على عدم الخروج من المنزل في اليوم الموالي لعاشوراء حتى لا أرجم " بالبيض " المغطوس " في " جافيل " بسبب أيام زمزم لا تنتهي في حينا ، وقبل أن أصل إلى غرفتي سمعت أمي تحذر أخي من مغبة الخروج إلى الشارع ، أو اللعب فيه هذه الليلة ، وحين سألها المسكين عن السبب ، أجابته بكل عفوية وتلقائية :