إسرائيل تستهدف قياديا في حزب الله    الوداد يحقق فوزا مهما على نيروبي يونايتد في كأس الكونفدرالية    درجات حرارة تحت الصفر بمرتفعات الريف    طنجة .. وفاة مسن داخل مرحاض مقهى تثير استنفار الأمن    طنطان تحتضن مشروعا أمريكيا ضخما لتعزيز الطاقة الشمسية    اللجنة المنظمة تكشف التميمة الرسمية لكأس العرب 2025شخصية "جحا" التراثية    الدرك يضبط كوكايين ويحجز سيارتين نواحي اقليم الحسيمة    تهم ثقيلة تضع "التيكتوكر مولينيكس" وراء القضبان                وزارة الصحة تغلق مصحة خاصة بورزازات بسبب خروقات        348 حافلة جديدة تعزز أسطول النقل بمدن طنجة وأصيلة وتطوان    رصيد المغرب من العملة الصعبة يتجاوز 432 مليار درهم    الركراكي يتجه لاستبعاد 4 أسماء من قائمة كأس إفريقيا    إغلاق حركة الطيران بمطار هولندي بسبب رصد طائرات مسيّرة    إجراء بطولة المغرب للدراجات الجبلية في للا تكركوست    بعد التتويج القاري.. الرميشي تكشف سر تألقها مع العساكر في دوري الأبطال    جائزة الصحافة والحاجة للتغيير    إنقاذ الثقافة من الرداءة    البرازيل.. إبراز أهمية قرار مجلس الأمن 2797 الداعم لمبادرة الحكم الذاتي    "التغطية الإعلامية للتظاهرات الرياضية" محور دورة تكوينية تنظمها مندوبية حقوق الإنسان    العزوزي يعود إلى الواجهة رفقة أوكسير    موعد مباراة الوداد ونايروبي يونايتد والقنوات الناقلة    فضيحة "مهداوي غيت" أو كافكا على ضفاف أبي رقراق    بنسليمان: البرلمان ليس ساحة ل"التبوريد" واستعراض العضلات بل فضاء لمصارحة المواطنين    وزارة التربية الوطنية تطلق "إحصاء الموظفين" وتشهر ورقة الاقتطاعات    مزاد خيري يبيع كاميرا البابا فرنسيس بأكثر من 7 ملايين دولار    لجنة الأفلام وCompany 3 تطلقان تعاونًا يعزز مستقبل ما بعد الإنتاج في المنطقة    النجم التركي إنجين ألتان دوزياتان في مهرجان الدوحة السينمائي:    الفنان جاسم النبهان في حديثه للصحفيين في مهرجان الدوحة السينمائي:    أرقام جديدة تؤكد الإقبال المتزايد على تعلم الإسبانية في المغرب    تكريم الفنانة المغربية لطيفة أحرار في افتتاح أيام قرطاج المسرحية بتونس    احتجاج جديد لعمال فندق أفانتي رفضاً للطرد التعسفي وتنصّل الإدارة من التزاماتها    دراسة: استخدام الأصابع في الحساب يمهد للتفوق في الرياضيات    "بابا والقذافي" في مهرجان الدوحة السينمائي    المغرب يتوج بلقب "وجهة السنة" في "جوائز السفر" 2025 ببروكسيل    نهضة بركان يستهل مشواره في عصبة الأبطال بفوز مستحق والجيش يتعثر    أوكرانيا.. اجتماع أوروبي أمريكي في جنيف لمناقشة خطة ترامب لإنهاء الحرب    إعصار "فينا" يضرب الإقليم الشمالي لأستراليا ويتسبب بأضرار واسعة وانقطاع الكهرباء    90 قتيلا في حصيلة فيضانات فيتنام    شائعة وجود مغارة ذهبية تفرض حظر التجول في جنوب سوريا    طقس الأحد: انخفاض كبير في درجات الحرارة وصقيع فوق المرتفعات    المغرب يتموقع ضمن الوجهات الأكثر جذبا للاستثمار في المنطقة (سفير)    "كوب 30" تتبنى اتفاقا بشأن المناخ            التساقطات المطرية تساهم في خفض أسعار زيت الزيتون بشمال المغرب    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش الانتحار!
نشر في شمال بوست يوم 07 - 07 - 2019

لم يكن الانتحار موقفا عاديا، وكثيرون يعتبرونه عملا جبانا، يحرمه التشريع الديني، كما يحرمه القانون ويعاقب عليه في موقف يظهر عدم إدراك المشرع لفلسفة المنتحر أصلا..
الاستاذ عمر أمزاوري
الإنسان المنتحر كائن فقد الرغبة في الحياة، لم تعد لديه غاية، يرى أن فكرة الموت حتمية فيقوم باستعجالها، فالمسألة لا تتعلق بالجبن، بل بالإقدام على تحقيق انقلاب ثوري ضد الطبيعة نفسها: أي استمرار الكائن الحي الذي يعد الغاية القصوى لأي حيوان..
في الانتحار تتلاشى فكرة الخوف، وهذا الأخير يجعل الحيوان يستمر، ومن خلال السيطرة على الخوف نستطيع أن نستمر ونخطط ونضع تصورا لتجنب المخاطر المحتملة..
ذهب Camus إلى اعتبار الانتحار أشجع موقف فلسفي في مواجهة العبثية التي تحيط بالعالم، عالم عبثي لا معنى له في نظر المنتحر، الذي يعاني كثيرا مثل سيزيف الحامل لصخرة العذاب فوق ظهره صعودا ونزولا..
لم يكن الانتحار ليصير حراما إلا مع الأديان التوحيدية؛ خاصة في العهد المتأخر من اليهودية كدين وثقافة قومية للشعب العبري لأنها تحولت إلى ثقافة مهددة بالانقراض بسبب عمليات إبادة الذكور؛ وهنا ندرك كيف يجعل العبرانيون الأوائل نسبة الأطفال للأم اليهودية، لقد تعلق الأمر بلحظة فارقة من تاريخ هذا الشعب الذي اضطهد كثيرا على أيدي المصريين والبابليين، والكنعانيين.. والانتحار سيصبح حراما لأن شعب الله المختار في حاجة إلى مقاتلين ومؤمنين ومربين لاستمرار وجوده وثقافته. هذه هي أصول تحريم الانتحار في الديانات التوحيدية.. وعطفا على ذلك استمرت التشريعات الوضعية المتأثرة بها في تحريم الانتحار.
وعلى عكس ذلك فإن الانتحار يعد فعلا مجيدا في الأديان القديمة، ولازال يحتفى به في اليابان التي توجد فيها ثقافة انتحار ذات جذور دينية وفلسفية..
مؤخرا ظهر مفهوم الموت الرحيم، اختراع آلة موت رحيم بالإنسان.. ذلك الإنسان المريض والفقير الذي لا يملك المال لتجميد نفسه والبقاء خالدا أو أن يفكر في استبدال جسده بالترانتزستور الذي يحمل الوعي البشري.
يظهر الانتحار مدى ألم الإنسان في عصر ما بعد الحداثة، ألم تغذيه مشاعر العجز الاقتصادي والاجتماعي، وانتشار سلوك التفاخر والتنمر الاقتصادي والاجتماعي على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب جهل الإنسان..
إن الإنسان يرى الصور والتدوينات ولا يرى حقيقة الإنسان في الواقع، يسمع الكلام مثلا دون أن يرى الفعل، يرفض الإنسان اليوم الإقرار بكونه صار وحيدا بلا صديق، لا يصدق أحدا، ويشكل الأثموسفير عالمه الحقيقي، حيث يتغذى إيديولوجيا ودينيا ليظل صاحب معنى، أي لديه موقفا رغم أنه لا أحد ممن يضع اللايكات يكترث في الحقيقة له، فإن جاع أو فشل فلا صديق ولا قريب يواسيه، وإذا شاخ فلا حفيد يؤنسه، وإن مات فلا أحد يسير في جنازته.
يرى الإنسان المنغمس في الوهم السيارة ولا يدرك مصاريف السيارة؛ يرى النجاح ولا يدرك ضريبة النجاح من عمل وإجهاد، يقرأ عن فلان المثقف ولا يدرك كم قضى فلان في المطالعة والبحث، يرى فلانا سعيدا ولا يعرف كم معاناة يخفيها بابتسامة مصطنعة.
لكن الحقيقة تختلف، لا يوجد إنسان لا يعاني، وكلما تقدم في السن، فإنه معاناة الإنسان تصير أكبر وأكبر..
كتبت هذا لأن حوادث الانتحار في مدينة تطوان مرتفعة جدا في الآونة الأخيرة، لا أدري السبب.. لكن ما ألمسه فإن منسوب الطاقة السلبية مرتفع جدا في واقع مدينتي، الوضع الاقتصادي شبه متوقف لأن المدينة محاصرة بين الجبال، تعرف نزوحا من ذوي الكفاءات نحو طنجة، فيها أيضا استهلاك عال من المخدرات، إضافة إلى نمط حياة سيء للغاية يعادي العمل التجاري ويعزز من الزينوفوبيا، بل الأكثر من ذلك هو أن الجيل الأخير نشأ على بحبوحة اقتصادية وهمية شعارها: (تطوانيين برزقنا ماشي سعايه)، في حين أن الواقع الإقتصادي مؤلم ولم يتحدث عنه أحد..
أتذكر في الصيف كان والدي رحمه الله يأخذني إلى المحل.. ليس لدي مفهوم اسمه الشاطئ صيفا، حتى إذا ما قمت وقلت له لماذا؟ قام رحمه الله وحكى لي طفولته القاسية.
وبعدما كبرت وعملت في عمل تطلب مني السفر بين مدن المغرب، لاحظت أن المرأة عندنا تتلقى تربية سلبية تترواح بين عالم زمردة وكتب تحفة العروس وفي أقصى الحالات نوال السعداوي بحمولتها المعادية للروح الرأسمالية العظيمة، لا تستطيع في تطوان أو الشمال بما فيه الريف أن ترى سيدة تركب دراجة نارية! رغم أن جدتي كانت تركب حمارا أو بغلا لتنتقل وتقضي أعمالها اليومية..
لا يمكن في الشمال اليوم أن يرى الناس شابا ببذلة محترمة دون أن يستغربوا، طبعا هناك طاقة سلبية كبيرة جدا تحيط بنا جعلت الكثيرين يعيشون على أمجاد الماضي العتيد، أو قصص المجد في الثمانينيات، أو صناعة قصص سعيدة جديدة عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، أو الانتحار في حالة تلاشي الأمل وانسداد الأفق، وفقدان الثقة في كل القيم الدينية والثقافية.. الانتحار موقف متمرد، والعبثية عند علي عزت بيغوفيتش هي احتجاج على غياب الألوهية، أي غياب المعنى الذي قتله عصر مفرط في المادية والهيدونية، استحال فيه التدين إلى طقوس وثنية، والتفسلف إلى فكر عقيم يدعي أنه عميق..
في كل الأحوال دون إدراك روح المقاولة (روح الرأسمالية) كما نظر لها فيبر فإن الانتحار دائما يفوز، هذا على الشق الفكري والفلسفي أما الشق الاقتصادي والاجتماعي فهو من اختصاص أهل الاقتصاد والهندسة الاجتماعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.