النظام الجزائري يمنع أساتذة التاريخ من التصريح للإعلام الأجنبي دون إذن مسبق: الخوف من الماضي؟    المسؤول الأول في وكالة التنمية الفرنسية في زيارة ميدانية لمدن الصحراء المغربية    افتتاح فعاليات المعرض الدولي السابع والعشرون للتكنولوجيا المتقدمة في بكين    أسود الأطلس... فخر المغرب الذي لم ينقرض بعد    الزفزافي يلتقي والده خارج أسوار السجن    "فيفا" يرفع عدد المنتخبات المشاركة في كأس العالم للسيدات إلى 48 منتخبا ابتداء من 2031    الملك محمد السادس يهنئ البابا الجديد: المغرب والكرسي البابوي شريكان في بناء السلام العالمي    تحليل اقتصادي: لماذا تستثمر الصين مليارات الدولارات في المصانع المغربية؟    تنويه حقوقي وشعبي بمبادرة السماح للزفزافي لعيادة والده    الأمن يوقف قاصراً قادما من الشمال بحوزته 90 صفيحة حشيش ويطيح ببارون مخدرات    أخنوش يصدر منشورا لتفعيل الاتفاقات الاجتماعية والحث على انتظام الحوارات القطاعية    النجم المصري محمد صلاح يتوج بجائزة لاعب العام في الدوري الإنجليزي للمرة الثالثة في مسيرته    الحرب في كاشمير: من المستفيد الأول؟    رئيس موريتانيا يستقبل راشيد العلمي    إسرائيل ألقت 100 ألف طن متفجرات وأبادت 2200 عائلة وارتكبت نحو 12 ألف مجزرة في غزة    تطورات فاجعة فاس.. الحصيلة ترتفع وخمسة ضحايا من أسرة واحدة    مع اقتراب الصيف.. وكالة تحذر من السباحة في سدود جهة طنجة تطوان الحسيمة    ليبيريا تسعى للاستفادة من تجربة ميناء طنجة المتوسط    لطيفة رأفت تدخل على خط قضية "إسكوبار الصحراء".. والناصري يواجه اتهامات بالوثائق    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    ضواحي طنجة.. رجل أعمال أجنبي يحصل على 2 مليار سنتيم لمفرخة أسماك لم ترَ النور    تراجع عجز السيولة البنكية ب 9,28 في المائة من 1 إلى 7 ماي    افتتاح الجناح المغربي في المعرض الدولي للعمارة بينالي البندقية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    نواكشوط: المنتدى البرلماني الاقتصادي الموريتاني المغربي ينطلق برؤية تكاملية وتنموية جديدة    مجموعة برلمانية تدعو إلى بلورة استراتيجية وطنية شاملة ومندمجة خاصة بالذكاء الاصطناعي    ألونسو يعلن الرحيل عن ليفركوزن بعد موسم تاريخي بلا هزيمة    علاء اللامي يكتب: ردا على المقولة المتهافتة «فوز مرشح ترامب» لباباوية الفاتيكان    تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. لوديي يستقبل وزير الدفاع بجمهورية كوت ديفوار    تحريض على القتل الممنهج والإعدام يورط هشام جيراندو في قانون الإرهاب    السعودية تشارك في معرض الدوحة للكتاب ب 10 آلاف إصدار دعوي وتوعوي    الصويرة تحتضن الدورة الثالثة من المعرض الوطني للنزعة الخطوطية    بعد تتويجه بجائزة أحسن ممثل.. البخاري: المسار مستمر رغم المكائد    باير ليفركوزن يعلن رحيل تشابي ألونسو نهاية الموسم    مهرجان ربيع الشعر الدولي بآسفي في دورته الثالثة يكرم محمد الأشعري    ندوة وطنية تكريما لسعيد حجي: المثقف والوطني    "انبعاثات" تضيء ليالي مهرجان فاس    أسرة أم كلثوم تستنكر استخدام الذكاء الاصطناعي لتشويه صوت "كوكب الشرق"    كوسومار تستهدف 600 ألف طن سكر    نصف قرن في محبة الموسيقار عبد الوهاب الدكالي..    أجواء معتدلة غدا السبت والحرارة تلامس 30 درجة في عدد من المدن    بدء منتدى برلماني موريتاني مغربي    سباق اللقب يشتعل في الكامب نو والكلاسيكو يحدد ملامح بطل الليغا    حكيم زياش يتصدر العناوين في قطر قبل نهائي الكأس    مباحثات حول هدنة في غزة جرت هذا الأسبوع مع الوسطاء    البطولة الاحترافية.. الجيش الملكي يتشبث بمركز الوصافة المؤهل إلى دوري أبطال إفريقيا    الذهب يصعد وسط عمليات شراء وترقب محادثات التجارة بين أمريكا والصين    "مؤثِّرات بلا حدود".. من نشر الخصومات الأسرية إلى الترويج للوهم تحت غطاء الشهرة!    عملة "البيتكوين" المشفرة تنتعش وسط العواصف الاقتصادية العالمية    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ومضات عن "وثيقة المطالبة بالاستقلال 11 يناير 1944" لماذا، وكيف؟
نشر في شبكة دليل الريف يوم 12 - 01 - 2015

مع وصول يوم 11 يناير من كل سنة تحل على الدولة المغربية ذكرى احتفال بما يسمى ب "وثيقة المطالبة بالاستقلال" حيث أقرت الدولة هذا اليوم، ك "يوم عيد وطني وعطلة رسمية في جميع مؤسساتها العامة والخاصة"، ويقدم هذا التاريخ من داخل الدولة ومؤسساتها على أنه "يوم تاريخي وطني من خلاله حصل المغرب على استقلال البلاد من الاستعمار الفرنسي"، وذلك نسبة إلى الوثيقة التي قدمها "حزب الاستقلال" في 11 يناير من سنة 1944، إلى فرنسا "مطالبا فيها باستقلال المغرب" وأمام هذه القراءة التي تقدمها الدولة بشكل رسمي لهذا اليوم قد يقف القارئ والباحث التاريخي الموضوعي في تاريخ المغرب مستغربا، وطارحا عدة تساؤلات عن مثل هذه المحطة التي نفخ فيه كثيرا لتجعل هي الكل والأهم في تاريخ المغرب المعاصر، في مقابل ذلك هناك استصغار من شأن محطات بطولية سجلتها المقاومة المسلحة وجيش التحرير في ملاحم تاريخية كبرى ضد العدو الاستعماري، أكبر من مجرد "وثيقة" تقدم للإدارة الاستعمارية حتى سنة 1944، مع العلم أن فرنسا الاستعمارية دخلت إلى المغرب سنة 1912، بمعاهدة وقعت مع السلطان المخزني نفسه لحماية عشره المهتري أمام تمرد القبائل الغير الموالية له، أو ما سمي ب "قبائل السيبة".
لن نركز في هذه المقالة عن "الحركة الوطنية" وكيفية بروزها حتى بعد مضي 18 سنة على دخول فرنسا لبلاد موراكش، مستغلة صدور ظهير 16 ماي 1930، ومن كان وراء ذلك؟ ومن أجل ماذا؟ بل سنعطي الأهمية لهذه "الوثيقة" وكيفية التأسيس لها، ولماذا تأخرت "الحركة الوطنية" في شخص "حزب الاستقلال" حتى 11 يناير 1944 لتطالب بالاستقلال من خلال هذه الوثيقة؟ وما سياق الدولي والوطني الذي أتت فيها هذه الوثيقة؟ وبعض البنود التي نصت عليها، وهل قدمت تصورا فعليا لما يسمى بالاستقلال أم هي مجرد وثيقة مطلبية لم تقدم أدنى شروط الدولة المستقلة؟ وأكثر من ذلك، هل استقلال الدول يخول لشعوبها من خلال وثائق مطلبية؟
يعلق محمد منيب عن تأخر المطالبة بالاستقلال من طرف "الحركة الوطنية" من خلال قوله هذا "لم يفكروا –الحركة الوطنية- قبل هذا التاريخ -1944- في مطالبة فرنسا بالخروج من المغرب بسبب ما كانوا يجنوه من فوائد وامتيازات وثراء من احتلال المستعمر الفرنسي للمغرب وبقائه فيه" (محمد منيب، الظهير البربري أكبر أكذوبة في تاريخ المغرب المعاصر ص.28)، إذن ما سمي بالحركة الوطنية وزعمائها لم تكن فرنسا الاستعمارية عدوهم، بل كانت تضمن لهم مصالح وامتيازات، وهذا ما يؤكده أحد زعمائها المسمى -علال الفاسي- بقوله "قطع مرحلة من التعاون تحت النظام القائم" (صحيفة المناضل-ة- العدد 11 مارس 2006)، ويتأكد ذلك أكثر من خلال المذكرة التي قدمتها الحركة الوطنية في شخص تنظيمها الروحي "كتلة العمل الوطني" تحت اسم "مطالب الشعب المغربي" المستوحاة مما سمي ب "دفتر الاصلاحات" Cahier des réformes الذي كتبته لجنة الاشراف الفرنسية Comité de patronage قبل أن ينسب للحركة الوطنية، حيث قدمت "كتلة العمل الوطني" هذه المذكرة في دجنبر 1934 إلى المقيم العام الفرنسي في المغرب، والسلطان ثم إلى رئيس الوزراء الحكومة الفرنسية تطالب فيه ما يلي:
المطالبة بتطبيق معاهدة الحماية
مشاركة الوطنيين في الوظائف الإدارية (مجالس البلديات والغرف التجارية)
تأسيس مجلس وطني يضم نواب مسلمين ويهود
إذن فالقارئ الموضوعي لهذه البنود سيستشف أن "الحركة الوطنية" لم تكن تعتبر فرنسا الاستعمارية عدوا لها ولا عدوة للوطن، حيث طالبت فرنسا بتسريع تطبيق معاهدة الحماية وليس إلغاءها وترحيل جيوشها عن الوطن، بل أكثر من ذلك طالبت في بندها الثاني الثالث برغبتها في التعاون المشترك، وذلك من خلال اشراك "الوطنيين" في الوظائف الادارية ومناصب السلطة، وهذا ما كان يعنيه علال الفاسي من خلال كلامه الذي ذكرناه أعلاه، كما أن القارئ لديباجة ما سمي ب "دفترالإصلاحات" الذي نسب للحركة الوطنية وغيرت اسمه إلى "مطالب الشعب المغربي" سيجد هذا "الدفتر" -عبارة عن كتيب صغير يحتوي على 134 صفحة- في ديباجته لا يعتبر فرنسا الاستعمارية عدوا للمغرب ولا للحركة الوطنية نفسها، بل يؤكد أن هذه الأخيرة "ليس لها أي مشكل مع الاستعمار الفرنسي وهي تسعى إلى بناء العلاقات الجيدة معه..." وهذا ما كان بالفعل، لأن الاستعمار الفرنسي والاسباني من يوم دخوله إلى البلاد مراكش، وهو يحارب القبائل الغير الموالية للمخزن المركزي، ولم تسجل أية مقاومة له من داخل بلاد المخزن والقبائل الموالية له.
فبعدما انشقت كتلة العمل الوطني في سنة 1937 بسبب الصراع على القيادة بين علال الفاسي ومحمد حسن الوزاني عند تأسيس أول مؤتمر للكتلة (محمد ظريف، الأحزاب السياسية المغربية 194-1975 منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي) وفي اطار هذا التعاون والدعم المشترك بين فرنسا و"الحركة الوطنية" أرسل "الحزب الوطني لتحقيق مطالب الشعب" عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية بعثة في غشت 1939 لمقابلة المقيم العام الفرنسي من أجل "التأكيد على التضامن المغربي الفرنسي ومساندة فرنسا أمام الخطر المحدق بها" (انظر كراسات حزب الاستقلال بعنوان "المغرب")، والتزام "الحركة الوطنية" وتعاونها المشترك إلى جانب فرنسا في حربها ضد دول المحور، كان على أساس طمعها بالاستفادة من نتائج الحرب العالمية الثانية.
وأمام نشوب الحرب العالمية الثانية، تغيرت الخريطة السياسية الدولية، حيث بدى الاستعمار المباشر صعب المواصلة والتحقيق أمام هذه التغيرات، وبدأت الدولة الاستعمارية تفكر في كيفية الانسحاب من مستعمراتها بأقل خسائر ممكنة، وذلك بالحفاظ على مصالحها السياسية طبعا، وبالخصوص الدولة الاستعمارية الأوروبية التي اجتاحت النازية بقيادة هتلر أوروبا ودمرها عن آخرها، ومن بينها فرنسا نفسها، ويذكر المؤرخ ألبير عياش في كتابة "المغرب والاستعمار حصيلة السيطرة الفرنسية" هذه التغيرات العالمية بشكل الآتي:
محاولة هتلر وموسوليني التقرب من الدول الإسلامية
تعبير روزفلت وتشرشل في ميثاق الأطلسي وميثاق الأمم المتحدة عن حق الشعوب في تقرير مصيرها
انتصار الجيوش السوفياتية بعد معركة ستالينغراد (12/194202/1943) كان له انعكاسات عميقة في المغرب
وهذه التغيرات التي برزت مع الحرب العالمية الثانية لم تحكم على "الحركة الوطنية" بالمغرب لوحدها أن تنادي بالاستقلال، بل حتمت على الدول الإمبريالية أن تراجع أسلوب تحكمها في البلدان المستعمرة، وذلك أمام تنامي حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار في كل بقاع العالم (شمال إفريقيا، الهند الصينية، الهند، استقلال سوريا ولبنان 1943...) مما خلق مناخا عالميا مناهضا ومعاديا للاستعمار، وجعل الدول الاستعمارية تفكر في اختيار الاستعمار الجديد الغير المباشر الذي سيضمن لها الحفاظ أكثر على مصالحها السياسية والاقتصادية من داخل مستعمراتها.
وفي هذا لم تجد فرنسا الاستعمارية من سيضمن مصالحها من داخل المغرب أكثر من عملائها الأوفياء من "الحركة الوطنية" الذين كانوا دائما يطالبون فرنسا بالعمل التعاوني المشترك، وهكذا ستدفع عملائها للمطالبة بالاستقلال، عندما أحسوا أن فرنسا تستعد للخروج من المغرب، بسبب ما تعيشه من أوضاع مزرية من داخل مستعمراتها، والخسائر الحربية الذي كبدتها من الحرب العالمية الثانية على مستوى فرنسا بالتحديد أمام النازية، لهذا ستخرج "الحركة الوطنية" لأول مرة مطالبة بالاستقلال، الذي سيطالب به لأول مرة في منطقة الشمال تابعة للحماية الاسبانية وذلك سنة 1942 من قبل حزبين بعد مثاق الوحدة في دسمبر 1942، حيث صدرا بيان مشترك يطالب فيه "الاستقلال المغرب، وإلغاء نظام المناطق، واقامة نظام عربي مسلم وطني براعة الاسرة الملكية" كما سيطالب بنفس الشيء "حزب الشيوعي المغربي" سنة 1943، الذي أسس سنة 1936، من قبل المثقفين الفرنسيين أساسا المستقرين بالمغرب، ولم يسيطر عليه "الوطنيين" حتى سنة 1946، حيث عرض سنة 1943 برنامج الحزب من خلال جريدة "الوطن" تطالب فيه ب "استقلال الأمة المغربية، وحق التحكم في نفسها" وبعدما تأسس "حزب الاستقلال" كان كاتبه العام بلافريج، سيقدم الحزب في 11 يناير 1944 بيانا إلى السلطان والسلطات الفرنسية والحلفاء يطالب بما يلي:
الاستقلال
دخول المغرب إلى المحفل الدولي
الإعهاد إلى السلطان بإصلاح المؤسسات السياسية
بعدما وقع على هذه الوثيقة 58 شخص تابعيين ل"حزب الاستقلال" من بينهم ¾ من المثقفين الذين ينتمون إلى البورجوازية المتوسطة، إلى جانبهم بعض التجار والملاكين الأغنياء، على شكل التالي (8 تجار وصناعيين، 5 فلاحين أو ملاكين عقاريين، 6 موظفين مخزنيين، 4 قضاة، 7 من أعضاء المهن الحرة، 10 علماء، 18 شخص من سلك التعليم). ويذكر عبد الكريم غلاب بالتفاصيل تلك البروتوكولات التي اعتمدها الحزب من أجل الترويج لهذه الوثيقة وكيف استعانوا بعلماء الدين واستغلال المساجد (بالنفس الأسلوب الذي تصدوا فيه للظهير 16 ماي 1930) وكيفية إيصالها إلى السلطان والمقيم العام الفرنسي. (عبد الكريم غلاب، تاريخ الحركة الوطنية المغربية من نهاية حرب الريف إلى إعلان الاستقلال، الجزء الأول).
إلا أن القارئ لهذه الوثيقة سيجد أن "الحزب" الذي قدمها لم يذكر ولم يحدد فيها طبيعة الاستقلال المنشود ولا المدة التي سيتحقق فيها هذا الاستقلال ولا الخطوات العمل من أجل تحقيقه، ولم تتطرق إلى أهم مقومات الدولة المستقلة متمثلة في السياسة الداخلية والخارجية والجيش والثروات الاقتصادية والحدود الجغرافية، ونصت الوثيقة في بندها السابع على "ضرورة العمل بين فرنسا والوطنيين من أجل إحرام عروبة المغرب" وهذا ما يبن بالملموس أن فرنسا عند دخولها للمغرب لم تأتي لحماية المخزن المركزي وفقط بل لكي تخلق له دولة جديدة ذات سلطة عروبية، لأن فرنسا كانت تعي جيدا أن خلق دولة تمارس السلطة في المغرب باسم الانتماء إلى الأرض كما كانت تمارس قبل سنة 1912 سيهدد استقرارها وبالتالي مصالحها المشتركة التي تجمعها بين عملائها الذين ستسلم لهم الحكم يوم مغادرتها للمغرب.
هذا هو السياق العام الذي أتت فيه هذه "الوثيقة" التي تقدم في التعليم المغربي ومع وصول يوم 11 يناير من كل سنة على أساس أنها، هي التي كانت وراء حصول البلاد على الاستقلال الشكلي، وطريقة التي أتت بها وحتى بعض مضامينها، فهل يكمن أن تكون مثل هكذا "وثيقة مطلبية" بدون تصور واضح ولا إستراتيجية واضحة وموقعت من 58 شخص محسوبين على "حزب الاستقلال" أن تكون هي السبب الرئيسي التي دفعت البلاد للحصول على ما سمي بالاستقلال؟ أليس هذا تحقيرا واستصغارا بالتضحيات الجسام التي قدمتها المقاومة المسلحة وجيش التحرير؟ وما موقع هذه المقاومة الباسلة من هذه المعادلة؟
اذن فالقارئ لسياقات الدولية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وافرازاتها الجديدة، سيستشف بكل موضوعية التغير الذي حدث في سياسية الدولة الاستعمارية الامبريالية في علاقتها بمستعمراتها، وما فرنسا المستعمرة لبلاد موراكش لا واحدة من هذه الدول الأوروبية التي تكبدت خسائر قاسية في جيوشها سواء من داخل فرنسا بعدما اجتاحتها النازية ولا خارجها (في المستعمرات)، وأمام هذا الحول في بروز على الساحة الدولية تشكل أحلاف جديدة، وذلك بصعود الحلف السوفياتي القوي (بلغاريا، هنغاريا، رومانيا، تشيكوسلوفاكيا، ويوغوسلافيا) واتساع المد الشيوعي الذي أصبح يهدد كل أوروبا، ودخول الاتحاد السوفياتي لبرلين سنة 1945، هذا كله سيجعل التواجد المباشر لفرنسا وللقوي الامبريالية عامة في المستعمرات أمرا مكلفا للغاية وبالخصوص لفرنسا في ظل بروز معطى ثوري من جديد في المغرب والجزائر بقادة جيش التحرير الذي ينضوي تحت "لجنة تحرير شمال إفريقيا" التي كان وراء تأسيسها الأمير الخطابي في القاهرة، وبالتالي اعلانها للكفاح المسلح بقيادة جبهة التحرير الوطني في الجزائر سنة 1954، وانطلاق جيش التحرير المغربي بقيادة عباس لمسعدي في 2 أكتوبر 1955 وما كبده من خسائر في الجيش الفرنسي، في مثلث الموت، (أكنول، البورد، تيزي وسلي) نواحي تازة، بالإضافة إلى الهزيمة التي تلقتها فرنسا في معركة "ديان بيان فو" في الفيتنام ماي 1955 التي لم يسبق أن عرفها تاريخها الاستعماري من حيث خسائرها...
هذه كانت من الأسباب الرئيسية التي جعلت الاستعمار الفرنسي للمغرب، يفكر في اختيار الجديد الذي يتمثل في الاستعمار الغير المباشر، وهكذا عملت فرنسا على فتح حوار مع عملائها وحلفائها المحليين في المغرب الذين يتمثلون في "الحركة الوطنية" حتى يتم إجهاض تنامي المقاومة وإيقاف القوة المتزايدة لجيش التحرير لمهددة لتواجدها ولمصالحها في المغرب، وبالتالي ستفتح المفاوضات في غشت-شتتبر 1955 ب "إكس ليبلن" بحضور ممثلي "الحركة الوطنية" (حزب الاستقلال، حزب الشورى والاستقلال) وممثلو السلطان والاستعمار الفرنسي، وفي 2 نونبر 1955 سيتم إعلان "نية فرنسا بمنح الاستقلال للمغرب" أما التفاصيل النهائية والاتفاق على البروتوكولات التوافقية بين الطرفين ستعلن حتى 2 مارس 1956، ، وبهذا ستتنازل فرنسا "للوطنيين" على قسط من الثروات التي كانت تسرقها من المغرب حتى تضمن لها مصالحها السياسية والاقتصادية الكبرى، وهذا سيشجع إسبانيا على إبرام اتفاقية على نفس الشاكلة مع محمد الخامس في 2 أبريل 1956.
هكذا ستباع البلاد في سوق نخاسة معاهدة "اكس ليبان" من قبل من يدعي "الوطنية" بأبخس الأثمان، في حين كان الوطنيون الحقيقيون ما زالوا حاملين لسلاح ويخوضون معارك باسلة مع المستعمر، في شخص جيش التحرير، وذلك انسجاما مع مواقف الأمير الخطابي ومشروعه التحرر الشامل، بجلاء كل القوات الاستعمارية عن البلاد، بما فيه الجزر المحتلة إلى يومنا هذا، لكن شاءت الوطنية الزائفة أن تبيع البلاد في معاهدة الخز والعار كما سماها الخطابي، وكما سبق أن وصفها المفكر المغربي المهدي المنجرة ب "الخيانية" ليعودوا للبلاد مهللين بأن "المغرب حصل على الاستقلال" ناسين ومتناسين أنهم باعوا البلاد وفوتوا عليها وعلى شعبها الاستقلال الحقيقي الشامل، بدل الاستقلال الأعرج الشكلي، الذي ما زال المغرب من خلاله يعيش التبعية السياسية والاقتصادية لفرنسا، ومن خلال تنفيذ بنود هذه المعاهدة الخيانية، قام "الوطنيين" بتصفية أعضاء جيش التحرير، حتى يتم تعبيد طريق الحفاظ على المصالح الفرنسية في المغرب المهددة بتواجد خلايا المقاومة الحية، هكذا سيغتال قائد جيش التحرير عباس لمسعدي وآخرون، ويفكك جيش التحرير، وما تبقي منه تم دمجه فيما سمي ب "الجيش الملكي"، وفي الأخير وصلت فرنسا الاستعمارية وعملائها المتمثلين في "الحركة الوطنية" إلى قتل مشروع التحرر الشامل الذي حملته المقاومة المسلحة وجيش التحرير، ومن ثم نجاح خطة فرنسا في الاستعمار غير المباشر للمغرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.