سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هكذا يستغل مدراء المؤسسات العمومية تهنئة عيد العرش لنيل الحماية الملكية وتجنب المحاسبة. لم يخل عهد محمد السادس من استمرار استعمال هؤلاء الموظفين السامين لمناصبهم من أجل الاغتناء السريع وامثلة بنعلو وعليوة واضحة
رغم حديث الحكومة عن الأزمة الاقتصادية الخانقة وسنها لسياسة مالية تقشفية في مجال الاستثمار، مما نتج عنه تقليص مناصب الشغل، لازال هدر المال العام مستمرا من طرف مجموعة من الانتهازيين وأصحاب المصالح الخاصة، الذين وكل لهم تدبير مؤسسات عمومية وشبه عمومية على طول خريطة المملكة. مناسبة الحديث عن هذه البيروقراطية الانتهازية المنتشرة كالطاعون في الإدارة المغربية، هو الكم الهائل من تهاني عيد العرش الذي تعج به الجرائد والصحف الأسبوعية هذه الأيام.
والمثير للسخرية أن هناك جرائد محلية وجهوية تصدر فقط بمناسبة عيد العرش لتتكلف بكراء مساحات لنشر تهنئة العيد التي يبعثها الموظفون الكبار ورؤساء الجماعات والبلديات والعمال، وتتوقف عن الصدور هذه المنشورات مباشرة بعد مرور عيد العرش، لتنتظر"الهمزة" مع قدوم المناسبة في السنة القادمة.
ومن المعلوم أن تهنئة عيد وصول الملك إلى الحكم في الصحف هي عادة مشرقية، لكنها انتشرت في المغرب، منذ أن أصبح المغاربة لا يستوردون من الشرق سوى العادات السيئة .
هذه السنة وبمناسبة الذكرى 14 لوصول الملك إلى الحكم، اختارت مؤسسات وشركات ومكاتب تابعة للدولة أن تتهافت وتتسابق لاستئجار مساحات في الجرائد لمباركة المناسبة للملك، بدل أن تبعث فقط ببرقيات للديوان الملكي للتهنئة بالعيد، تجنبا لتبذير المال العام في عز الأزمة المالية التي يعيشها المغرب.
فعندما تتصفح الجرائد تتوقف على إعلانات شركات "العمران" و"الوكالة المستقلة للماء والكهرباء بمراكش" و"القرض الفلاحي للمغرب" و"مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل" و"التعاون الوطني" و"الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات" و"المجمع الشريف للفوسفاط" و"صندوق المقاصة"،.. والقائمة طويلة.
فهؤلاء الموظفون السامون أدوا ثمن الإعلانات كاملة دون خصم للجرائد، وطبعا كل هذا التملق الغير المبرر للمك ليس من جيوب هؤلاء المدراء، بل من المال العام الذي وكل لهم الإشراف والحفاظ عليه.
ولفهم سلوك هؤلاء المتملقين والانتهازيين، وجب أن نبحث عن الربح الذي يمكن أن ينتفع به هؤلاء من خلال قيامهم بهذا السلوك المشرقي الغريب.
فمن خلال التهنئة يظن كبار المدراء في الإدارة المغربية أنهم كسبوا الحماية الملكية، وبالتالي فبإمكانهم القيام بكل السلوكيات المنافية للقانون ولن تنال منهم العدالة شيء.
فتسابق النخب على الحماية الملكية عاشه المغرب منذ هيمنة القصر على التعيين في المؤسسات العمومية والمناصب السامية، بعد أن تم إقصاء النخب الحزبية من الإشراف على هذه التعيينات في هذه المناصب المهمة، منذ أن تولى الأمير الحسن في سنة 1960 رئاسة الحكومة.
وقد شهد المغرب قبل هيمنة القصر صراعا كبيرا ما بين الملكية والأحزاب حول استقطاب ولاءات الأطر خاصة منها المكونة في المدارس العليا، التي استخدمها في الأخير القصر لحماية مصالحه ودوام استمراره عبر ورقة التعيينات بظهير.
وقام في عهد الملك الحسن الثاني أغلب مدراء المؤسسات العمومية بتوظيف الحماية الملكية من أجل الاغتناء السريع، حيث كانوا يتسابقون أثناء توليهم مناصبهم على شراء الأملاك العقارية والاستفادة من رخص الاستيراد ورخص التجارة والصفقات العمومية من دون إعلان عروض.
غير أن هذه الحماية الملكية التي كان يتسابق عليها هؤلاء الموظفون لم تشفع لهم، حيث ستعرف السنوات الأخيرة من حكم الحسن الثاني متابعة مجموعة من مدراء المؤسسات العمومية أمام القضاء، بتهم تبديد أموال عمومية والاغتناء السريع. نذكر منهم مدير القرض العقاري والسياحي مولاي الزين الزاهيدي ومدير القرض الفلاحي ومدير الضمان الاجتماعي ومؤسسات عمومية أخرى، ومنهم من لازال لم يحسم بعد في ملفه أمام القضاء إلى اليوم.
كما سبق للباحث الأمريكي جون واتربوري في كتابه "أمير المؤمنين الملكية والنخب السياسية المغربية " ان تحدث عن هذه الظاهرة في مغرب ما بين الاستقلال وسنة 1971 قائلا:"تعد الإدارة الأداة الرئيسية لحكومة الملك، يفتح أبوابها ويراقب نشاطات الذين ينعم عليهم بالدخول إليها، ويمنح بذلك الرضى الملكي، ويعتبر ذلك دعوة مباشرة للاغتناء السريع".
ولم يخل عهد الملك محمد السادس من استمرار ظاهرة استعمال هؤلاء الموظفين السامين لمناصبهم ونيلهم التعيين بظهير ملكي، من أجل الاغتناء السريع. مما استدعى القبض على بعضهم ومحاكمته بالسجن النافذ مثال "بنعلو" مدير المطارات أو المتابعة أمام القضاء بنفس التهم في حال سراح كخالد عليوة والإبراهيمي وآخرون.
والمثير أنه رغم كل هذه المحاكمات لازالت هذه النخب الإدارية التي تتفنن فقط في ارتداء"الكوسطارات" وتدخين السيجار الباهظ الثمن، تستعمل نفس الآليات العتيقة لنيل الرضى والحماية من القصر، لضمان عدم متابعتها في حالة ارتكابها لمخالفات قانونية.