إن من بين سلبيات التراكمات، على مدى البساط الزمني، في إفساد الشأن العام والخاص ببلادنا، أن أصبحت لدينا، نماذج بشرية، تدين بالوقاحة، منهجا في السلوك والتفكير، حتى غدا من "الطبيعي" جدا، أن تجد امرؤا من بيننا، مثلا، سليل سيرة شخصية عطنة، يخرج على الناس شاهرا.. صَلاَحَهُ. "" إننا نجتاز واحدة من أكثر مراحل الحياة السياسية والاجتماعية.. إظلاما، حيث تعز فيه الفكرة النافعة، والعبارة الطيبة، والنظرة الذكية.. وتُداس كل المشاعر الرقيقة، والسلوكات الأنيقة، بأحذية حُثالات القوم، وأرذلهم خِلقة وخُلُقا.. سُئِل الشاعر السوري المعروف "نزار قباني" يوما، هذا السؤال: ما موقع الحب في مُجتمعاتنا العربية؟ ليُجيب بسؤال من كلمتين، ولا أبلغ، هما: "أفي هذا الخراب؟". مِن "مُميزات" الحِقب المُجتمعية المُظلمة، أنها لا تسد جميع منافذ التهوية الفكرية والشعورية.. فقط، بل تجعل الكائنات التي تعيش في الظلام، تحسب أنه لا وجود لعوالم بشرية أخرى، فيعتقد الناس أن ما "يرونه" و يستشعرونه" هو سدرة المنتهى، وفي ذلك يستوي عندهم، الأعمى والمُبصر، ألا نقول فيما بيننا: "لعمش وسط العميان كايشوف"؟. لذا لم يكن غريبا، أن ينبري كل ذي عاهة "عمش" من بيننا، لتنصيب نفسه "قائدا" لقطيع العميان، وسط غياهب الظلام الدامس، الكثيف، والوِجهة، مزيدا من الإيغال، في عالم التخلف الشديد السواد. تجدهم حيثما وليت وجهك، وما من مناص، سياسيون ومثقفون وإعلاميون... عرفوا كيف تكون التجارة مُربحة، تحت جُنح الظلام، لذا انشغلوا أغلب الوقت، بالتموقع في الأماكن "المُناسبة" التي تجعل "عمشهم" امتيازا بين قطيع العميان. يحسبون كل صيحة عليهم، من فرط إيغالهم في الخسة والوقاحة، لذا فإنهم دائما، في وضع المُريب، الذي يكاد يقول: خُذوني. وللأسف الأسيف الأسوف، فإنه في غياب البوصلة الحقيقية، للخروج من متاهة الظلام، فإن حُثالة القوم، هم الذين اتخذوا مواقع القيادة، في كل مناحي حياتنا، حاثين الخُطى، نحو مزيد من التوغل في.. الظلام. إن من علامات الموت السريري للمجتمعات، حينما تضيع مراتب القيم، أن يُصبح الحقير والوضيع، وكل مشاء بزنيم، عالي الشأن و الهمة، ويتحول أهل "القرية" إلى وضع "مشقلب" فينقلب عاليها سافلها، وأذلة القوم أعزتها، والعكس بالعكس. في أجواء رديئة من هذا القبيل، لا يستغربن المرء، يوما، إذا ما اعتلت إحدى "العاهرات" (والعهارة أصناف وألوان، أهونها في نظري، وضع امرأة تقتات مكرهة من بيع جسدها) منبر الخِطابة، في أحد المساجد، لتخطب في الناس عن "الصلاح، وسبل الخلق القويم". لقد استتبت بيننا سلطة الوقاحة، فغدت عملة "الصرف" بين الناس، وبذلك قٌطعت كل السبل، لِلأخذ بالخُلق، والسلوك السويين. فمن يستطيع اعتلاء الصومعة ليُؤذن في "مالطا"؟ نحن قوم يأخذ بزمام الأمر فينا، أُناس جديرون بالسجون، والمصحات النفسية، وقٌمامات الأنواع البشرية، لذا لا غرابة، أننا تحولنا، إلى شرذمة خلق، تائهون، مثل أسراب فئران مذعورة، أليس الناس على "دين" حُكامهم؟ سيطوي الزمن أجيالا عِدَّة، قبل أن يأتي، من نسلنا، مَن يُسَفِّه كل هذه الحقارة البشرية، التي انقلبنا إليها، وفي ذلك أضعف.. التفاؤل