وسط نقاش وطني حول تجويد الحياة السياسية وتحديث المنظومة الانتخابية، تطفو على السطح من حين إلى آخر دعوات حزبية لرفع عدد مقاعد مجلس النواب، تحت مسوغات ديمغرافية أو شعارات تمثيلية. غير أن هذه المقترحات، وإن بدت في ظاهرها تقنيةً أو تنظيمية، تخفي في جوهرها مسعى مقلقاً لإعادة تقاسم النفوذ الحزبي، بعيداً عن هموم المواطنين، وعلى حساب ما تبقى من ثقة في المؤسسات. ما من شك أن العدالة المجالية في التمثيل النيابي مطلب مشروع، لكن المساواة لا تعني بالضرورة الزيادة. فالديمقراطية لا تقاس بعدد الكراسي، بل بفعالية من يشغلها. وأمام واقع برلماني يشكو أصلاً من ظاهرة الغياب، وضحالة الأداء التشريعي، وضمور المبادرة السياسية لدى كثير من النواب، تبدو هذه المقترحات فاقدة لكل وجاهة موضوعية، بل مستفزّة لحس المواطن، الذي يرى في الزيادة عبئاً مالياً إضافياً دون مردود سياسي حقيقي. إن الحديث عن تخصيص عشرات المقاعد ل"الكفاءات" أو ل"الجهات" أو ل"مغاربة العالم" يُضفي على المقترح هالة تجميلية، لكنها لا تحجب حقيقة واحدة: توسيع البرلمان لا يعني توسيع التمثيلية، بل تضخيم البنية دون إصلاح مضمونها. وإن كانت بعض الأصوات تدعو إلى إدماج النساء والشباب، فإن التمكين السياسي لا يكون بعدٍّ حسابي، بل ببناء مسارات حزبية سليمة، تتيح صعود النخب عبر التدرج والكفاءة، لا من خلال لوائح مفصلة على المقاس. اللافت أن هذه الدعوات تأتي في توقيت يزداد فيه منسوب الريبة لدى الرأي العام إزاء النفقات العمومية، ويعلو فيه النقاش حول ترشيد المال العام. فهل يُعقل أن يُطلب من المواطن مزيدا من الصبر في وجه غلاء المعيشة، بينما تُهيأ النوايا لزيادة تعويضات النواب، ونفقات المرافق البرلمانية، فقط لتلبية توازنات حزبية أو حسابات انتخابية؟ ثم إن المقارنة التي تُستدعى أحياناً مع دساتير دول أخرى تتجاهل السياق: ففي بلدان المؤسسات الراسخة يترافق عدد المقاعد مع قواعد صارمة في الأداء، وربطٍ للمسؤولية بالمحاسبة، وتمثيلية حقيقية قائمة على التداول السياسي، لا على الترضيات المتبادلة. أما في الحالة المغربية، فإن التحدي ليس في عدد النواب، بل في عدد المبادرات، وجودة النصوص، وجرأة المواقف، وحضور الضمير التمثيلي. إن المطلوب اليوم ليس نفخ المؤسسة البرلمانية بأسماء إضافية، بل ضخ الروح في أدوارها الدستورية، والقطع مع ظاهرة الترحال، وضمان استقلالية القرار الحزبي، فقد حان الوقت لأن تدرك الأحزاب أن إصلاح السياسة لا يكون بتضخيم الأرقام، بل بإعادة الثقة. وهذه لا تُشترى بمزيد من المقاعد، بل تُكتسب بمزيد من المصداقية.