وزارة الداخلية تقود تعبئة وطنية شاملة لمواجهة موجة البرد وحماية آلاف الأسر في المناطق المتضررة    حصاد 2025 | الأمن الوطني يرفع الكفاءة الأمنية ويعزز الرقمنة ويحقق نتائج قياسية في مكافحة الجريمة    بنسعيد : الأخبار الزائفة تهدد الذاكرة الجماعية والثقة المجتمعية    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    الحوض المائي اللوكوس .. الأمطار الأخيرة عززت المخزون المائي بالسدود بأكثر من 26 مليون متر مكعب    مونديال 2026.. "فيفا" سيوزع 727 مليون دولار على المنتخبات المشاركة    سلامي: الأردن بحاجة للفوز بلقب كأس العرب أكثر من المغرب    الوكالة المغربية للأدوية تخطط لتعزيز الرقابة الاستباقية والتدقيق الداخلي لضمان استقرار السوق    كأس العرب (قطر 2025)..المنتخب المغربي على مرمى حجر من معانقة لقبه الثاني عند مواجهة نظيره الأردني    مقاييس التساقطات الثلجية المسجلة بالمملكة    بتعاون أمني مغربي.. إسبانيا تُفكك شبكة لتهريب الحشيش وتوقيف 5 أشخاص بألميريا    أمطار رعدية وثلوج وطقس بارد من الأربعاء إلى السبت بعدد من مناطق المغرب    ترامب يعلن رسمياً تصنيف نوع من المخدرات "سلاح دمار شامل"    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الصين تسجل رقماً قياسياً في رحلات السكك الحديدية خلال 11 شهراً من 2025    انتخاب الاستاذ بدر الدين الإدريسي نائبا لرئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية    فرحات مهني يكتب: الحق في تقرير مصير شعب القبائل    لماذا تراهن بكين على أبوظبي؟ الإمارات شريك الثقة في شرق أوسط يعاد تشكيله    ماجد شرقي يفوز بجائزة نوابغ العرب    حريق يسلب حياة الفنانة نيفين مندور        البنك الألماني للتنمية يقرض المغرب 450 مليون أورو لدعم مشاريع المناخ    هولندا.. توقيف شخص للاشتباه في التحضير لتنفيذ عمل إرهابي    الملك محمد السادس يبارك عيد بوتان    مطالب بتدخل أخنوش لإنقاذ حياة معطلين مضربين عن الطعام منذ شهر ونصف    لأجل الوطن والأمل    تشابي ألونسو يحذر من مفاجآت الكأس أمام تالافيرا    الحكم السويدي غلين المثير للجدل يدير نهائي كأس العرب بين المغرب والأردن    أكادير تحتضن الدورة العشرين لمهرجان تيميتار الدولي بمشاركة فنانين مغاربة وأجانب    وفاة الفنانة المصرية نيفين مندور عن 53 عاما إثر حريق داخل منزلها بالإسكندرية    مديرية التجهيز تتدخل لفتح عدد من المحاور الطرقية التي أغلقتها التساقطات الثلجية    "ترامواي الرباط سلا" يصلح الأعطاب    هجومان للمتمردين يقتلان 4 أمنيين كولومبيين    في حفل فني بالرباط.. السفيرة الكرواتية تشيد بالتعايش الديني بالمغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط تدين عملية الهدم في حي المحيط والتهجير "القسري" للمهاجرين    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن مقاطعة انتخابات ممثلي المهنيين في مجموعة صحية جهوية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    واشنطن توسّع حظر السفر ليشمل عددا من الدول بينها سوريا وفلسطين    تمارين في التخلي (1)    الفدرالية المغربية لمقاولات الخدمات الصحية.. انتخاب رشدي طالب رئيسا ورضوان السملالي نائبا له    محكمة تلزم باريس سان جيرمان بدفع أكثر من 60 مليون يورو لمبابي    منفذ "اعتداء بونداي" يتهم بالإرهاب    خلف "الأبواب المغلقة" .. ترامب يتهم نتنياهو بإفشال السلام في غزة    "بنك المغرب" يراجع فوائد القروض ويحضّر لتغيير طريقة التحكم في الأسعار ابتداء من 2026    إسبانيا تعتمد مسيّرة بحرية متطورة لتعزيز مراقبة مضيق جبل طارق    الدوزي ينسحب من أغنية كأس إفريقيا    تماثل للشفاء    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل من وصاية للدولة الحديثة على ضمير المواطن؟
نشر في هسبريس يوم 20 - 03 - 2014

يتحدّث البند 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن أهلية الفرد المُواطن الواعي في التحكّم في ضميره ومعتقده وقناعاته ومجمل طقوسه اليومية وتوجيهها وفق ما يراه مناسباً لحياته وتقلباتها العمرية؛ حيث يقرّ هذا البند بالأحقية الكاملة لكل شخص في "حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراّ أم مع الجماعة". وما دام الإنسان هو ذاتٌ حرةٌ، مفكرةٌ، واعيةٌ، مسؤولةٌ ومستقلةٌ؛ فيحقّ له كامل التصرّف في قناعاته وفلسفته في الحياة، سواء كانت ذات طبيعة شخصية ينفرد بها لوحده أو أنها ذات طبيعة جماعية يتقاسمها مع غيره من بني البشر بغض النظر عن البقعة الجغرافية التي يتواجد بها كل واحد منهم، حتى يضمن لنفسه قدراً من الانسجام والمعقولية بين أفكاره وممارساته اليومية.
وفي هذا الصدد نتساءل؛ بأيّ مدخلٍ يمكن أن تدبّر الدولة الحديثة قضايا الشأن الديني والعقدي في علاقتها بالحريات الفردية؟ هل يجوز للدولة الحديثة أن تستند في رؤيتها للدين والمعتقد والضمير على تراث السلف وحده أم أن من واجبها، الأخلاقي والحقوقي، أن تنفتح على مجمل الفكر البشري ما دام أن الكون أصبح قبيلة واحدة؟ ما حدود العلاقة بين مجال تدبير الدولة للشؤون الدينية والعقدية كمجال للسيادة وبين حرصها وسهرها على حرية مواطنيها وحقوقهم بكونها – أي الدولة - في علاقة تعاقدية مع مواطنيها بغض النظر عن معتقداتهم لاسيّما وأنها منخرطة في مقتضيات المنظومة الكونية لحقوق الإنسان؟ ما نصيب مساهمة مختلف الأجهزة الدولتية ومجمل فضاءات التنشئة الاجتماعية والثقافية في مسار التربية على قيم التسامح والاختلاف والحرية في مجال المعتقد والضمير؟ إلى متى سيصمت المواطن المتشبّع بقيمة الحرية والاختلاف في القناعة والضمير عن انتهاك الدولة لحقوقه الفردية وهو من يؤدي لها الضرائب مقابل ضمان حقوقه وحرياته (ومنها حقه في تدبير ضميره)؟
عادة ما تتدرّع الدولة بحماية الأمن العام وتكرار لازمة "المجتمع محافظٌ بطبعه وطِباعه"؛ وعليه لا يمكن "استفزاز" مشاعره و"زعزعة" ما ترسّخ لديه منذ قرون قَلباً وقالباً، وكأن عامل التطور تحول بدوره فأصبح جموداً. في المقابل تبدو الدولة شبه عاجزة عن نشر قيم التسامح والاختلاف والحرية والتعايش مع الفلسفة المثلى للتعددية وإعادة استنبات مجمل القيم الإنسانية الفضلى داخل مؤسساتها وأجهزتها. فالمجتمع يتطور ويتفاعل مع مؤثرات العالم الذي أصبح اليوم مرتبطاً بعضه بالبعض، غير أن تطور المنظومة القانونية والتشريعية للدولة الحديثة تبدو بطيئة جداً ولا تراعي عنصر السرعة والفاعلية التي استجدت بهما حياة الأفراد والمجموعات والشعوب مع الثورة الرقمية الحدثية.
إنها في الواقع ثورة حقيقية، لم تمس فقط علاقة الفرد بها، بل تأثرت مجمل العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والمجموعات سواء في ما بينها أو في ما بينها وبين المؤسسات والدولة. وهو ما نتج عنه تفاوتٌ ملحوظ بين سرعة المجتمع وتحولاته وتقلباته المتلاحقة وسرعة المُشرّع، بل أحياناً ما تعاني بنيته الذهنية من شللٍ معيق، لمواكبة تلك التحولات وتأطيرها وتنظيمها وحسن استفادة المواطنين/ت من خدماتها. فهل يُعقل مثلاً، في زمن الانفجار الرقمي الذي واكبه انفجار الوعي الحقوقي والتشبث بالحريات لدى الأفراد والمجموعات والشعوب، أن تعتقل الدولة راشدَين لهما كامل السلامة العقلية وهما يمارسان علاقات الحب في ما بينها بتهمة "الفساد" حسب مقتضيات الفصل 490 من القانون الجنائي؟ فمن الصعب قبول ازدواجية العيش في القرن 21 والتفكير والتشريع والتأطير بفكر الأموات والسلف دونما حاجة للإبداع والاستنباط والانفتاح عن دينامية الحريات لدى المجتمعات المتقدمة ديموقراطياً أو المنخرطة في مسارها.
وفي هذا السياق؛ نشير إلى ما ورد ضمن المؤلَّف التركيبي الذي أصدره المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب والموسوم ب"تاريخ المغرب: تحيينٌ وتركيبٌ" أنه - بالإضافة إلى ما هو بارزٌ من مكونات التعدد الديني والعقدي بالمغرب- هنالك "ظاهرة اعتناق عدد من المغاربة للديانة المسيحية، إذ يُلاحظ في هذا الصدد أن عدد المغاربة الذين دخلوا في الدين المسيحي قد تزايد منذ الثمانينات... ويُقدّر مجموع عدد هؤلاء المسيحيين المغاربة بحوالي الألف إذا ما احتسبنا أؤلئك الذين يعيشون بالخارج. على أنهم لا يتوفرون على أماكن رسمية للعبادة، إذ يُمارس معظمهم شعائره في سرية. ومن جهة أخرى فالظاهر أن هنالك بضع مئات من المغاربة المعتنقين للمذهب البهائي وعدد غير مضبوط من المتشيعين واللاّأريين والمُلحدين". فهل هنالك سياسة عمومية منسجمة تستحضر مجمل هذه العناصر الموجودة وسط المجتمع المغربي؟ وكيف يمكن أن نتصور مستقبل بلادنا في ظل الازدواجية بين تطور المجتمع وانخراطه في مسار الحريات وبين بطء القانون والتشريع وتطبيقاتهما في مسايرة تلك التحولات؟
وعطفاً على سبق؛ يتبيّن أن مضمون الفصل 222 من نفس القانون لا يأخذ في الاعتبار مجمل التحولات الاجتماعية والثقافية والقيمية التي عرفها المجتمع المغربي؛ ولأن الأمر يتعلق بضمير الفرد وسلطته على نفسه، فالأمر يقتضي تمكين المُواطن الحديث من كافة حقوقه الفردية المتعلقة به، سيّما وأنها لا تلحق أي ضرر بالآخرين والمُغايرين. ويحق له بذلك الاستفادة من الخدمات التي يخولها له الفضاء العمومي.
فإذا كانت المجتمعات الحديثة منخرطة، بحكم فاعلية التطور، في ديناميات مختلفة شملت مجمل أسسها القاعدية مثل القيم والمعتقدات والطقوس والفلسفة المهيكلة لها؛ فإن الدولة الحديثة المنظمة لها مطالبة بمواكبة تلك التطورات في مجال التشريع والقوننة والتنظيم والتدبير سواء في جوانبه المادية أو المعنوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.