يعرف واقع تعليمنا الأساسي إلى التأهيلي ؛ ومنذ أزيد من عقدين ؛ تدهورا غير مسبوق في محصلات آداء التلاميذ ومخرجاتها .. تنعكس على تعلماتهم عموما فتصمها بالهشة وغير الفعالة .. ولا غرو في أن مكامن أسباب هذه المعضلة تناولتها أطراف عديدة ، مركزة على بيئة التعلم ؛ من مؤسسات تعليمية ومناهج وأطر.. وديداكتيك ... غافلة عن بيئة المتعلم نفسه وما تعج به من وسائل اتصال إلكترونية حديثة .. أحكمت قبضتها على اهتمامات تلامذتنا ، وصرفت إنتباههم إلى العالم الرقمي حيث يكتسح المجال السمع البصري Audio Visual الحياة اليومية .. وهي ؛ من الإغراء والتنوع والفعالية ؛ إلى درجة أنها ابتلعت كل أوقات متعلمينا . منها التلفاز الذكي Smart TV المتصل بشبكة الأنترنيت ، والهواتف الذكية Smart mobile ، والحواسيب ، والحواسيب الشخصية PC والألعاب الإلكترونية وليس من الغلو في شيء أن نجزم بأن أكثر من 95% من تلامذتنا في أنحاء المغرب يمضون أمسياتهم داخل منازلهم امام الشاشات الصغيرة والكبيرة ؛ إما يشاهدون أو يلعبون أو يدردشون Chatting أو يثرثرون ... وحتى إن كان لأحدهم " واجب أو فرض مدرسي " فإنه يوكل صديقه لانترنيت ليتولى مهام استنساخ ذلك الفرض .. دون أن يكلف نفسه عناء قراءته واستيعابه ..! وسنحاول ؛ في هذه الورقة ؛ تبيان نجاعة هذه الوسائل الإلكترونية .. وإمكانية تبنيها في بناء مناهجنا التعليمية . عالم الصورة يغزونا ... في خضم الانفجار المعرفي ؛ The Explosion of knowledge وما يزخر به من وسائل تكنولوجية اتصال متطورة ، أقدمت العديد من المدارس التربوية في العالم على تلقيح برامجها ومناهجها التعليمية بعدة إلكترونية استهدفت ؛ من ورائها ؛ مواكبة بيئة المتعلم .. ومركزة بالأساس على الوسائل السمع بصرية لما لها من أدوار فعالة في تشكيل شخصية المتعلم وتمرير التعلمات بطريقة سلسة وأحيانا مصحوبة بوصلات ترفيهية تشد اهتمام المتعلم . في دراسة بعنوان Picture perfect training " جودة التدريب بالصورة " توصلت مجموعة من الباحثين إلى الأهمية المذهلة للصور وتأثيرها على افكارنا وأداءاتنا من خلال عملية التواصل بين الطرفين صاحب الرسالة والمتلقي . وأضافت الدراسة أن المعينات البصرية في الفصول الدراسية تقوم بتحسين التعلمات بنسبة 400% ... ولذا فالمتعلم يتذكر السيناريوهات والصور الواردة في الخطب ... فالصورة هي التي تذكره بسياقاتها ... " التعلم عن بعد ؛Distance learning المتعلم لدينا ؛ في المغرب ؛ ما زال حبيس الحجرة الدراسية واللوح الأسود والمعلم...والتعلم بهذا التوصيف يشكل بيئة تعليمية ضيقة ، ينتهي التعلم ؛ من خلالها ؛ بانتهاء الحصة ومغادرة الحجرة .. في حين ان التعلم عن بعد والقائم على تعدد الوسائط السمع بصرية Multiple audio-visual media يمنح للمتعلم إمكانية الانضمام إلى العديد من الغرف والموائد التعليمية في اماكن جغرافية خارج الحدود .. تروج لتبادل الخبرات وبناء شراكات في مجالات البحث والتقصي والتعريف بالبيئات مصدر التواصل . التعلم البينى ؛ Interoperability Education هذا النموذج من التعليم ؛ وهو شائع في المملكة المتحدة وأمريكا والهند ..؛ يقوم أساسا على تبادل البيانات والتعلمات المفتوحة بين العديد من المؤسسات التعليمية المنخرطة في شبكة التعليم التفاعلي Interactive Education network والتي تتخذ الشرائط الإلكترونية همزة وصل ين المتلقين ، المتعلمين ، انفسهم . تعليمنا ... الواقع المزري قياس جودة التعليم من عدمها يعتمد ؛ كمقياس دولي ؛ على ماهية مخرجاته أي أطره التي تلقت ذلك التعليم .. فالأطر المغربية حاليا وفي جميع القطاعات تعرف نكوصا وهشاشة في التدبير، وفعاليتها لا تكاد تذكر في ضوء الأخطاء والأعطاب الناجمة عن ممارساتها المهنية ؛ فالمهندس المعماري لا يمر سوى حين على منشآته حتى تدب الأعطاب والشقوق إلى أوصالها ..والطبيب الجراح احيانا لا يفرغ من عملية جراحية حتى يتبادر إلى ذهنه نسيان مبضع أو منديل في جسد المريض..! والكهربائي يقف أحيانا حائرا أمام تماس كهربائي عالي الضغط ..والأستاذ حديث التخرج يجد صعوبة في تحرير رسالة قصيرة وميكانيكي السيارة ؛ قد يستبدل قطاع الغيار ثلاث مرات لسيارة دون إصلاح خللها ، وسائق السيارة ؛ في أحيان كثيرة ؛ يرتكب أخطاء قاتلة ...هذا هي مخرجات تعليمنا .. وهي ظواهر تشهد على ضحالة مستوياتنا المهنية في جميع القطاعات بالرغم من وجود دورات تكوينية لفائدة بعض القطاعات الخدماتية ، وقد لا نبالغ إذا قلنا إن الدبلوم المغربي غير معترف به لدى العديد من الدول..!! إقتراح أخير ... من المعلوم أن تكلفة ميزانية التعليم بالمغرب بلغت هذه السنة 43.5 مليار درهم ، أي بزيادة 8.75% من ميزانية 2013 . لكن ترشيد نفقات هذه الميزانية غالبا ما تهيمن عليها روح البيروقراطية في غياب شبه تام لوازع الروح الوطنية المسؤولة والتي تحمل في ثناياها قوة الغيرة على هذا البلد ... الغيرة التي تستمد قوتها من إشراك جميع الفاعلين في مجال إصلاح التعليم باعتباره قضية 38 مليون مغربي ... وذلك بدعوة جميع الشركاء بتمثيلية جميع القطاعات ؛ في جميع جهات المغرب ؛ إلى أيام دراسية واضحة المعالم وآخذة بالإعتبار خصوصيات كل جهة ثم اختتامها بتقارير عن نتائج هذه الدراسات معززة بتوصيات واقتراحات لتتولى ؛ في الأخير ؛ الوزارة الوصية أو المجلس الأعلى للتعليم بتفريغ هذه التقارير الجهوية وإعداد تقرير تركيبي شامل عن المخطط الإستراتيجي لإصلاح تعليمنا وإنقاذ أبناء المغاربة . -باحث ومفتش منسق بوزارة التربية الوطنية سابقا [email protected]