لازال النقاش حول موضوع الإجهاض بالمغرب، يثير ردود فعل ومواقف مختلفة، أحيانا حادة ومثيرة للانتباه، حيث إن كل طرف ينطلق من مرجعيته وإيديولوجيته وخلفياته، ما دفع ملك البلاد إلى الدخول على الخط، والأمر بلجنة مشتركة بين الجهات المعنية لحسم هذا النقاش الدائر. وأبان اللقاء الوطني الأخير حول الإجهاض السري عن اختلافات جوهرية بين عدد من التيارات، حيث إن جمعيات نسائية وناشطين مدنيين، من بينهم أطباء ومتخصصون، طالبوا بالترخيص لعمليات الإجهاض، بهدف محاربة آفة الإجهاض السري الذي يتم بطرق غير قانونية. وبرز في ذات النقاش الساخن حول الإجهاض السري، تيار آخر طالب بجواز إجراء هذه العمليات في حالات محددة، ووفق شروط قانونية معينة، خاصة عند وقوع الاغتصاب مثلا، أو زنا المحارم، أو تشوه الجنين، فضلا عن حالات طبية أخرى تبيح ممارسة الإجهاض. وبالمقابل، وقفت أطراف أخرى معنية بنقاش الإجهاض ضد هذه الممارسة في المغرب، مخافة أن تتوسع الإباحة إلى القبول بالإجهاض في جميع الحالات، رافضين هذه العمليات لكونها "تشكل إجحافا في حق حياة الجنين، باعتبار أن الحياة هي أقدس شيء في الشرائع الدينية". الشيخ عبد الباري الزمزمي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يقول إنه "في هذا الملف الشائك يتعين الوقوف بموقف وسط، فالمنع المطلق للإجهاض لا جدوى منه، لكونه ممارسة تحدث على أرض الواقع بطريقة فوضوية"، مؤكدا أن "الإجهاض ليس حراما مطلقا ولا مباحا مطلقا". وأوضح الزمزمي، في تصريحات لهسبريس، بأن الإجهاض جائز خلال الأربعين يوما الأولى لتشكل الجنين، أي قرابة ستة أسابيع، حيث يكون الجنين لا حياة بشرية فيه"، مبرزا أنه "من بين العوامل والظروف المبيحة للإجهاض برأيه، هناك الفقر المدقع والظروف الاقتصادية الصعبة". ويشرح الفقيه بأنه "يحق إجراء الإجهاض الآمن لامرأة تعيش ظروفا حياتية قاسية بسبب الفقر، ولديها أولاد وأبناء كثيرون، ما يجعل الحمل شاقا عليها بسبب قدوم مولود آخر قد يشكل معضلة كبرى بالنسبة لها"، مشيرا إلى أن "عدم قدرة الأم على رعاية الأبناء، وبأن ذلك قد يفضي بأسرتها إلى التشرد يبيح الإجهاض أيضا". ولفت المتحدث أيضا إلى أنه من بين الأحوال المبيحة للإجهاض، ودائما في حدود ال40 يوما الأولى من الحمل، مرض الزوجة التي لا تستطيع الحمل، وحالات الاغتصاب وزنا المحارم"، قبل أن يؤكد وجود حالة واحدة تبيح الإجهاض، بدون اعتبار شرط ال40 يوما، وهي إذا كان الحمل يهدد حياة المرأة". ولفت الفقيه إلى أنه "لا يوافق من يبيح الإجهاض في حالة إذا كان الجنين قد يولد معاقا ذهنيا أو حركيا"، وشدد على أنه "لا يجوز القضاء على حياة الجنين فقط من باب الظن واحتمال أن الجنين سيولد معاقا، كما أنه إذا فُتح هذا الباب سيتم القضاء على النفس البشرية بدعوى التخلص من الأجنة المعاقة، وهذا ليس مسوغا شرعيا" يقول الزمزمي.