في غيابٍ شبْه تامّ لما يُسمّى "السلفيين" المغاربة، نظمَ المجلس العِلمي الأعلى أوّل ندوةٍ حوْل موضوع "السلفية: تحقيق المفهوم وبيان المضمون"، إذْ لمْ يبْرزْ بيْن الحضور من السلفيين غيْر الشيخ محمد الفيزازي، فيما غابتْ باقي الوجوه البارزة للتيّار السلفي. ويأتي تنظيمُ النّدوة التي شرعت اللجن التي شكّلها المجلس العلمي الأعلى للإشراف على الإعداد لها منذ سنتيْن بعْد تأجيلها "لمراعات شرْط المناسبة"، كما قالَ أحدُ المشرفين على الندوة، التي تُعتبر ثاني أكبر ندوة علميّة ينظمها المجلس العلمي الأعلى بعد ندوة الإرهاب بمدينة الدارالبيضاء قبل سبْع سنوات. ويتّضحُ أنّ "شرطَ المناسبة" الذي أُجّلتْ بسببه الندوة إلى الوقت الراهن، هو التحوّلات الإقليمية والدولية، في الجانب الديني، في ظلّ تصاعد توظيف الدّين في النزاعات والصراعات الطائفية والمذهبيّة، والتي "جزّأت الأمة وزادت من فرقتها وجعلت أبناءها يستبيح بعضهم دماء وأموال وأعراض بعض"، بحسب ما جاء في أرضية الندوة. واستهلّ محمد يسف، رئيس المجلس العلمي الأعلى أشغال الندوة العلمية حول السلفية بكلمة قال فيها إنّ ما ظهرَ على السلفية من لُبْسٍ "زادَها بَلّة وعِلّة، وأوْقع الناس في حيرة من أمرهم، وجعلَ الحقّ يختلط بالباطل"، وحثّ يسف على التمسّك بالمذهب المالكي معتبرا إيّاه "المذهبَ الذي يجدُ فيه المغاربة سلفيّتهم الحقيقية". وفي إشارة إلى تغلْغُل المذاهب الأخرى وسَط المجتمع المغربي، وهو ما جعَل الدّولة تُعلنُ مخطّط إعادة تأهيل الحقْل الدّيني، بعْد التفجيرات التي استهدفتْ الدارَالبيضاء سنة 2003، قال يسف "المذهب المالكي غشِيَته لحظة سهْو قلّصت بعض حضوره، غيْر أنّ الملك أعاد له روْنقه وبريقه، وحرّك ما كان ساكنا وأيقظ ما كان نائما، ونبّه من كان غافلا". وتحدّث مصطفى بنحمزة، وهو عضو المجلس العلمي الأعلى ورئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة عن الجذور التاريخية للسلفيّة، قائلا إنّ السلفية تتجلّى في "الجماهير الكثيرة من المسلمين، وهي سلفية مشتركة جامعة لا تُقصي أيّ فئة إلّا إذا خرجتْ عن منهج السنّة والجماعة". ويبْدو أنّ المغرب يسعى إلى نهج "سياسة استباقية" لصدّ أيّ تهديد للأمن الروحي للمغاربة، ففيما حرص المجلس العلمي الأعلى على التأكيد في ورقة أرضية الندوة أنّه لا ينخرط في سجالات الرأي الخاصة أو المحدودة، "إيمانا منه بهامش الحرية المتاح في هذا الاتجاه"، أكّد على "حضوره حيث يجب وتدعو الضرورة". وشدّدت المؤسسة العلمية الأعلى في المملكة على أنّها تتدخّل "حينما يتمّ الاقتراب من حصن الأمن الفكري والروحي الذي هو حقّ البلد والمواطنين جميعا ماضيا وحاضرا ومستقبلا"، وفي حين قال وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية خلال الندوة إنّ مناقشة موضوع السلفية "لا يتعلق بتحرير فضاء محتلّ"، أكّد المجلس العلمي الأعلى أنّ الندوة ليست موجّهة لفائدة جهة ضدّ أخرى".