قبْل سنة 2009 لمْ تكنْ نديّة قادرةً على رُؤيَة ما يكتبُه أساتذتها على السبّورة في الفصل، كانتْ شبْه عمياء، بسبب الضعفِ الحادّ لحاسّة البصر، فلمْ يكُنْ قياسُ درجة قوّة بصر إحدى عينيها يتعدّى 2 على عشرة، أمّا العين الأخرى فلمْ تكنْ تسعفها لرؤية مسافة متر واحد على مبعدة من قدميْها. الضعف الشديد لبصر نديّة كانَ يُسبب لها في إحراجٍ مع زملائها في المدرسة، خلال تلك السنوات الخوالي. كانتْ تجلس في الصفّ الأوّل داخل الفصل، على بُعْد خطوات من السبّورة المعلقّة على الحائط، لكنّها لا تُبصر الحروف والكلمات والأرقام التي يخطّها الأساتذة على اللوح الأسود بالطبشور. وتتحدّثُ نديّة عنْ مُعاناتها جرّاء ذلك بالقول "كان زملائي وزميلاتي في المدرسة يضحكون عليَّ، يقولون لي أنت تجلسين في الصفّ الأوّل بالقرب من السبورة، ولا تريْن شيئا"، لمْ تكنْ ندية حينها تجد ما تدافعُ به عن نفسها، وتعلّق على تلك اللحظات بفرنسية ممزوجة بالدارجة: "C'est grave زعما". نديّة التي قدّمتْ شهادتها خلال ندوة سابقة نظمتْها وزارة الصحة حوْل التبرع بالأعضاء والأنسجة، تغيّرتْ حياتُها جذريّا، وصارتْ حياتُها مختلفة تماما عمّا كانتْ عليه قبْل سنة 2009، تلْك السنة التي أخرجها فيه أحدُ المتبرعين من "ظلام" العمى، وفتحَ أمامها كثيرا من النوافذ التي يتسلّل منها النور. في مستشفى 20 غشت بمدينة الدارالبيضاء، أجرتْ نديّة العملية الأولى لزرْع القرنيّة سنة 2009، وكانت نتيجةُ العملية جيّدة، وتحكي عن إحساسها في تلك اللحظة الفارقة من حياتها قائلة "حْلّيتْ عيني لقيت راسي كانشوف أربعة على عشرة، كانَ ذلك مفاجأة كبيرة لمْ أكنْ أتخيّل يوما أنها ستحصل". بعْد العملية الجراحيّة ستُداومُ نديّة على زيارة مستشفى 20 غشت، وكانتْ تتبّع العلاج تحت إشراف البروفيسور خالد مغلول، والبروفيسور مدام علالي، وبيْن حصّة وأخرى تتحسّن درجة الإبصار لدى نديّة، وهكذا انتقلتْ من 4 على عشرة، لحظة إجراء العملية، إلى 8 على عشرة. بالنسبة إليها كان ذلك شيئا لا يُصدّق. وتقارنُ نديّة بيْنَ وضعيّتَها قبْل إجراء عملية زرع القرنية، ووضعيتها بعد إجراء العملية، وتتذكّر أنها حين كانت شبْه عمياءَ كانتْ تستعينُ دوْما بأمّها، ترافقها إلى المدرسة، ولا تخْطو خطوة خارجَ البيت إلّا برفقتها، "أما الآن، فأستطيع أنْ أقول لكم إنّ وضعيتي تغيّرتْ كثيرا، بْحالَّا هْزِّيتو بْنت وحْطيتو بنت"، تقول ندية بسعادة غامرة. سنة 2014 ستنفتحُ نوافذُ نورٍ جديدةٌ أمام نديّة، على يَدِ متبرّعٍ آخرَ، فعادتْ مرّة أخرى إلى مستشفى 20 غشت حيثُ أجرت العملية الأولى، وعندما فتحتْ عينيها هذه المرّة، وخضعت لجميع العلاجات الضرورية لما بعْد العملية، كانتْ مفاجأتها أكبر من المفاجأة التي غمرتها في المرة الأولى، بعْدما استطاعت أنْ تُبْصر بالعين الخاضعة للعملية 10 على 10. ولأنّ العالمَ كمَا يُقال قرية صغيرة، وصارَ بإمكان شعوب الكرة الأرضيّة أن يتعاونوا بيْنهم على الخير إن شاؤوا، فإنّ نديّة خرجتْ من ظلام العمى إلى نورِ نعمة البصر بفضل متبرّعيْن، واحد مغربي، والثاني من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهكذا صارتْ تُبْصرُ بعيْن تنامُ في مَحْجِرها قرنيّة "مغربيّة"، وعيْن أخرى ينفتحُ وينغلقُ جُفْناها على قُرنية "أمريكية". وبيْن القرنيتين يُوجد تفاوتٌ بسيط في درجة الإبصار، إذ تُبصر ندية بالقرنية التي تبرّع بها أحد المتبرعين المغاربة بنسبة 10 على 10، في حين تُبصر بالقرنية ذات "الجنسية" الأمريكية ب8 على عشرة، وأثارت نديّة موْجةً من الضحك في صفوف الحاضرين وهي تْحكي عن عيْنيها "المغربية" و"الأمريكية" بقولها "العين المغربية كانشوف بها أكثر من العين الأمريكية". وتوجّه نديّة نداءً إلى المغاربة، الذين لا يتجاوز عدد المتبرّعين منهم بالأعضاء 0.4 في المائة، حسب أرقام وزارة الصحة، تحثّهم على التبرّع بأعضائهم، فكلّ عمليّة تبرّعٍ تغيّر مسار حياة شخص ما، وقد تنقذه من الموت حتى، "الناس مْلّي يْموتو الأعضاء ديالهم ما غايستافدو منها والو، غادي غير ياكلها التراب، لذلك من الأفضل أننا نديرو شي حاجة مزيانة يْتفكّرونا بها الناس"، تقول ندية.